لماذا رفضــت الجزائـر دعــم خطــة أردوغـان؟

أردوغـان
أردوغـان

دراسة: محمد عبدالرازق

مع ازدياد تعقيد الأزمة الليبية تسارعت خطى أطراف إقليمية ودولية لمحاولة استغلال هذه الأزمة لصالحها، والاستفادة منها فى تحقيق مآربها التوسعية، واستغلال حالة السيولة السياسية والأمنية التى تعيشها ليبيا فى سرقة مواردها أو موارد الدول المجاورة لها، ومن أبرز هذه الخطى كانت خطى تركيا الساعية إلى بسط نفوذها وهيمنتها فى المحيطين العربى والإسلامي، ودعم مشروع تنظيم الإخوان الإرهابى فى آخر معاقله بالشمال الأفريقي، بعد أن سقط فى مصر عام 2013.


الرفض الجزائرى


كان  واضحًا التقارب بين الجزائر وتركيا فيما يخص الأزمة الليبية، وبدأ كل طرف فى توفير ما يحتاجه الآخر فى تعاطيه مع الأزمة الليبية، فالجزائر التى كانت -بحكم عملية الانتقال السياسى التى كانت تعيشها خلال العام الماضي-، بعيدة عن المسرح الليبى بشكل أو بآخر، بدأت فى العودة من جديد مع القيادة السياسية الجديدة للرئيس عبد المجيد تبّون، ولكنها واجهت تجاهلها أثناء مشاورات ما قبل مؤتمر برلين حول الأزمة الليبية، فوجدت فى تركيا المُطالِبة بإشراكها فى هذا الحوار الدولي، وهو ما تحقق بتصريح وزير الخارجية التركى «مولود جاويش أوغلو» خلال زيارته لها فى أكتوبر الماضى بأن «الجزائر لاعب مهم فى الشأن الليبى وتركيا تصر على مشاركتها فى الاجتماعات الدولية»، وبالفعل شاركت الجزائر فى مؤتمر برلين.


ونظير ذلك لم يكن غريبًا أن تلتزم الجزائر الصمت حيال مذكرتى التفاهم اللتين وقعهما أردوغان والسرّاج، فهناك «تطابق تام فى وجهات النظر بين تركيا والجزائر بخصوص القضايا الإقليمية»، حسبما صرّح جاويش أوغلو خلال زيارته، وهو ما كانت تنشده أنقرة من تقاربها مع الجزائر، حيث تشكيل حلف تركى مغاربى لدعم حكومة الوفاق. لكن خطوات القاهرة كانت أسرع لوأد هذا الحلم التركى فى مهده، تجاه الجزائر بشكل خاص ودول المغرب العربى بشكل عام، من كشف حقيقة أهداف التحركات التركية، فأجرى وزير الخارجية سامح شكرى زيارة إلى الجزائر فى 9 يناير الماضي، التقى خلالها الرئيس الجزائرى تبّون ووزير الخارجية صبرى بوقادوم، تزامنًا مع زيارة وزير الإيطالى لويجى دى مايو الذى كان قبلها فى القاهرة، وذلك لتنسيق المواقف بين البلدان الثلاثة قبل مؤتمر برلين.


ومن المؤكد أن موقف الجزائر قبل زيارة سامح شكرى ليس كموقفها بعدها، فهى الزيارة التى أنتجت حسب تصريحات شكرى توافقًا كاملًا بين مصر والجزائر تجاه الأزمة الليبية، وعدم قبول أى نوع من الوجود العسكرى الأجنبى فى الأراضى الليبية، والاستعداد التام للعمل المشترك من أجل تزكية المسار السياسى لتهيئة الأوضاع للليبيين للوصول إلى توافق ليبى - ليبى يخرج البلاد من أزمتها. ثم تُوجّ هذا العمل المشترك فى اجتماع وزراء خارجية دول الجوار الليبى الذى احتضنته الجزائر فى 23 يناير، ليخرج البيان الختامى معبرًا عن التغير شبه الكامل فى الموقف الجزائري.


وانتقلت الجزائر من وصف عمليات الجيش الوطنى الليبى بـ»العدوان العسكري» مثلما نشرت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، إلى إجراء وزير الخارجية الجزائرى زيارة إلى بنغازى ولقائه بالمشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطنى فى الخامس من الشهر الجاري، ودعوته إلى زيارة الجزائر، ليكون الموقف الجزائرى إيجابيًا مثلما وصفه المشير حفتر أثناء زيارة بوقادوم.


وبالتالى تبخّر الحلم التركى بأن تكون الجزائر داعمة للعملية العسكرية التركية فى ليبيا، وهو الحلم الذى زار من أجله رئيس حكومة الوفاق فايز السراج بصحبة وزير خارجيته محمد الطاهر سيالة الجزائر تزامنًا مع زيارة وزير الخارجية التركى «جاويش أوغلو» فى 6 يناير الماضي، وأجرى من أجله الرئيس التركى زيارة إلى الجزائر فى 25 يناير الماضي، مصطدمًا بالموقف الجزائرى الرافض للتدخل العسكرى والداعى لإبعاد المقاتلين الأجانب ومنع تدفق السلاح، الذى عبّر عنه الرئيس الجزائرى تبّون خلال لقائه الرئيس عبد الفتاح السيسى فى التاسع من الشهر الجارى على هامش قمة الاتحاد الأفريقى فى أديس أبابا.


إحكام الطوق 


التحركات المصرية فى الشمال الأفريقي- التى لم تغفل كذلك موريتانيا الرافضة لكافة أشكال التدخل الأجنبى فى ليبيا- أدت إلى إحكام الطوق على المشروع التركى الخبيث فى ليبيا وفى شرق المتوسط، بعدما ضمنت القاهرة تطابق مواقفها مع دول الشمال الأفريقى وخاصة دول الجوار الليبي، أو على الأقل ضمان رفض التدخلات التركية، إضافة إلى توسيع شبكة التحالفات الإقليمية والدولية المؤكدة للموقف ذاته، لتضم دول الجوار الليبى إضافة إلى روسيا وفرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص.