مصر تقود تحالفاً عربيا - أوروبيا لتطويق وهم الخلافة العثمانية

مصر تقود تحالفاً عربيا - أوروبيا لتطويق وهم الخلافة العثمانية
مصر تقود تحالفاً عربيا - أوروبيا لتطويق وهم الخلافة العثمانية

دراسة: محمد حسن

لا تتحرك السياسة الخارجية المصرية فيما يخص الأطماع التركية فى ليبيا وسوريا بمنطق الصدفة أو رد الفعل، على الأرض هناك تحرك وفق مفهوم شامل لطبيعة التطورات الجارية فى كلا البلدين ورصد كامل لحجم الخطر والتهديد الذى يمثله هذا المشروع الاستعمارى على الدولة الوطنية العربية.


تنطلق السياسة المصرية من واقع أن تطويق التحرك التركى يجب أن يبدأ من فضح مخططه الاستعمارى الخبيث الذى يسعى لاستعادة الخلافة العثمانية البائدة فى شكل جديد تعتمد فيه تركيا بشكل أساسى على عناصر جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية فى كل الدول العربية والذين يعملون كطابور خامس لتحقيق الحلم الاستعمارى التركى، وعلى هذا الأساس تحركت مصر لتطويق ذلك المخطط عبر تحركات دبلوماسية مكثفة تنطلق من ثوابت السياسة الخارجية المصرية القائمة على دعم الدولة الوطنية ومساندة الشعوب العربية فى إيجاد سبيل للحل السياسى وإصلاح الأوضاع الاقتصادية بمشروعات تنموية مشتركة سواء على المستوى العربى أو على المستوى الأوروبى والعمل على فضح المخطط التركى لدى كل الأطراف الدولية الفاعلة.

لا تتحرك السياسة الخارجية المصرية فيما يخص الأطماع التركية فى ليبيا وسوريا بمنطق الصدفة أو رد الفعل، على الأرض هناك تحرك وفق مفهوم شامل لطبيعة التطورات الجارية فى كلا البلدين ورصد كامل لحجم الخطر والتهديد الذى يمثله هذا المشروع الاستعمارى على الدولة الوطنية العربية.


تنطلق السياسة المصرية من واقع أن تطويق التحرك التركى يجب أن يبدأ من فضح مخططه الاستعمارى الخبيث الذى يسعى لاستعادة الخلافة العثمانية البائدة فى شكل جديد تعتمد فيه تركيا بشكل أساسى على عناصر جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية فى كل الدول العربية والذين يعملون كطابور خامس لتحقيق الحلم الاستعمارى التركى، وعلى هذا الأساس تحركت مصر لتطويق ذلك المخطط عبر تحركات دبلوماسية مكثفة تنطلق من ثوابت السياسة الخارجية المصرية القائمة على دعم الدولة الوطنية ومساندة الشعوب العربية فى إيجاد سبيل للحل السياسى وإصلاح الأوضاع الاقتصادية بمشروعات تنموية مشتركة سواء على المستوى العربى أو على المستوى الأوروبى والعمل على فضح المخطط التركى لدى كل الأطراف الدولية الفاعلة.

إذا كانت هناك سمة غالبة لنشاط تلك الدولة العثمانية فيما يخص سياساتها الاستعمارية، سنجد أنها «قفز عشوائي»، غير منظم، ولا يتبع مسارا واحدا، تجاه الأراضى والمناطق. فمثلاً، توسعت الدولة العثمانية تجاه البلقان وضمت أراضيه، دون أن تحكم سيطرتها الكاملة على أجزاء من الاناضول، وسيطرت على البلقان قرنا، قبل أن تستولى على القسطنطينية. وبينما تتوجه الدولة العثمانية للاستيلاء على مصر والشام، يظل العراق بعيداً عن سيطرتها لفترة من الزمن. وكذا بلاد المغرب العربي، أخضعتها الدولة العثمانية لسيطرتها بنفس أسلوب «القفز»، فسيطرت على الجزائر بعدما سيطرت على تونس.


لذا، فكان الزحف القادم من الأناضول تجاه محيطها قبل خمسة قرون، عشوائياً وبعيداً كل البعد عن الزحف القوسى المعتاد للإمبراطوريات والممالك منذ ذلك الوقت وقبله.


مشروع توسعى


مثلت المحاولة الجديدة لتغيير ثوب الهوية لتركيا الحديثة، المتمثل فى مشروعها الإسلاموى التوسعي، تهديداً خطيراً ليس فقط على قيم علمانية الدولة، والديمقراطية الغربية، والمكون «الأتاتوركي» داخل أروقة الجيش فحسب، بل مثلت بنفس القدر وأكثر، تهديداً جسيماً لدول جوارها ومحيطها العربى والإسلامي. إذ لا يعرف المشروع الثيوقراطى الأممى حدوداً ولا يعترف بالسيادة الدولية، منطلقاً من أدبيات الحاكمية الإسلامية لأبو الأعلى المودودى وسيد قطب، حيث أدارت الاستخبارات التركية المشهد من بعيد، ووظفت بشكل مباشر الأعمال الدرامية التركية فى رسم صورة إيجابية عن الدولة والمجتمع والقيم، واتسمت أول الأعمال الدرامية بالصبغة الاجتماعية، تلتها على الفور الأعمال التاريخية والدينية التى تخدم المشروع التركى وتقوم بتجميل صورة المؤسسين والسلاطين العثمانيين. وتعزز حرف الهوية الثقافية والوطنية لشعوب البلاد المستهدفة عن ميراثها الوطنى المتجذر. كما تجدر الإشارة أن توظيف أداة الإنتاج الدرامى والسينمائى شهدت طفرة كبيرة بعد دخول تركيا بما لا يقل عن عشرة أعمال ما بين عامى 2017- 2019 لشبكة نتفليكس، وسوقت الكثير من الأعمال الإجراءات القمعية التى يقودها النظام التركى الحالى بحق المكون الكردى جنوب شرق البلاد؛ على أنها أعمال بطولية تهدف لمكافحة الإرهاب. هذا التغلغل من الممكن عدّة وجهاً جديداً لتطلعات الشخصية القومة التركية للهيمنة الإقليمية.


تمكين للإسلام السياسى


تبنت تركيا دعم حركات الإسلام السياسى من أقاصى الغرب الصينى «الحزب الإسلامى التركستاني»، وصولاً للمغرب العربي. واتسم ذلك الدعم بأنه غير مقوض للأنظمة الحاكمة فى تلك المناطق، قدر تأهيلها لممارسة مهام الإدارة والتشريع بغية وصولها للحكم بعد عقد كامل ولعبها دوراً وظيفى فى تنفيذ الأجندة التركية الأممية.


واستغلت حالة الانكشاف الأمنى فى الدول المركزية فى النظام الإقليمي، فى انتهاج سياسة أكثر خشونة، ولاسيما بعد إدراكها أن توازن القوى القائم حتى بعد تغلغل قوتها الناعمة فى محيطها العربى والإسلامى وخروج العراق من معادلة التوازن، لم يكن ليمكنها من فرض خريطة إقليمية تتواءم ومساعيها للهيمنة. وعليه تكشّف الوجه الحقيقى لأنقرة وزادت حدة التكشف كلما سنحت بيئة مواتية لاستخدام القوة الخشنة وكذلك تصاعدت الجهود الرامية لتقويضها. حيث تبنت تركيا الآتي:


ودعمت تركيا فى إقليم الشرق الأوسط قرابة الثلاثين جماعة وتنظيماً مسلحاً، من سوريا لليبيا، للصومال شرق إفريقيا، لدول الساحل والصحراء. ففى سوريا قامت الاستخبارات التركية بتحشيد التنظيمات المسلحة شمال سوريا تحت كيان أطلقت عليه «الجيش الوطنى السوري»، وذلك إثر فشل الجهود المبذولة لإبقاء ما يُسمى بـ«الجيش السورى الحر» على قيد الحياة، ورقماً مهماً فى مشاريع التسوية السياسية. «الجيش الوطنى السوري»، يبسط سيطرته على 30% من المنطقة الممتدة بين أرياف حلب وإدلب.


فيما تتولى السيطرة على المناطق المتبقية هيئة تحرير الشام «جبهة النصرة سابقاً» التى باتت تواجه الآن قوات الجيش السورى بمعدات ومدرعات قدمتها لها تركيا، رغم إدراجها على قوائم الإرهاب الدولى وفى كل من أنقرة وموسكو ودمشق.


وفى طرابلس، لم يختلف الوضع كثيراً، إذ تقدم تركيا دعماً لا ينقطع سياسياً وعسكريا لميليشيات حكومة الوفاق، رغم إدارة بعض فصائلها من قِبل أفراد مدرجين على قوائم الإرهاب الدولي. إذ تقيم تركيا جسراً جوياً وبحرياً تديره أجهزة الاستخبارات ووسطاؤها من شركات الأمن الخاصة التى تولت مهام التدريب وإعادة هيكلة القوات، وتوجيهها فى المعارك على الأرض.


العمليات العسكرية


وعلى الرغم من اعتماد تركيا على وكلائها الميليشياويين فى مهام التغيير الديمجرافى، وقضم مساحات كبيرة من أراضى دول الجوار «سوريا - العراق»، إلا أن ذلك الاعتماد لم ينجز الأهداف الإستراتيجية للنظام التركى على الوجه المطلوب، إذ باتت التنظيمات المسلحة مخلب قوياً لتركيا، لكنها كانت أضعف من تقديم «المنطقة الآمنة» فى الشمال السورى لمخططى الإستراتيجية التركية، مما تطلب شن تركيا لثلاث عمليات رئيسية فى شمال سوريا منذ العام 2016 وحتى الآن، حيث نجحت فى تفتيت وفصل الكنتونات الكردية عن بعضها البعض، من القامشلى لمدينة كوبانى وصولا لعفرين بطول الشريط الحدودي، وإقامة منطقة حاجزة تحول دون قيام أى كيان سياسى كردى بتفعيل إجراءات وممارسات الحكم الذاتى بطول شمال سوريا.


العراق، شهد أيضاً تجاوزاً تركياً لسيادته التى أصبحت أمام نير التجاذبات والصراعات الإقليمية والدولية. حيت عززت تركيا من تمركزها العسكرى فى بعشيقة شمال العراق، حيث تنتشر قواتها فى أكثر من 20 قاعدة ونقطة عسكرية غير مأهولة. وكان آخر التدخلات العسكرية التركية فى العراق والتى اُستخدمَت فيها أنساق مشاة ميكانيكى - مدرع، فى مايو 2019. كما ترفض تركيا الخروج من تلك النقاط والقواعد وتتجاهل طلبات بغداد الرسمية الرامية لإيجاد آلية لإنفاذ إفراغ المنطقة من جميع أشكال التواجد العسكرى التركي.


استراتيجية الاحتواء


وعليه طورت الدول العربية المركزية ممثلة فى مصر والدول الخليجية الثلاث (السعودية - الإمارات - البحرين) فيما بات يُعرف بالرباعى العربي، استراتيجية لاحتواء التهديدات التركية المباشرة، واستباقها. ومن أبرز ركائزها، المقاطعة الشاملة لدولة قطر حيث أعلنت الدول الأربع فجر يوم الخامس من يونيو 2017 عن مقاطعتها لكل العلاقات مع الدوحة، ووجهت لها اتهاماتِ بالإضرار بالأمن القومى العربي، والعمل ضمن خطط مدروسة بعناية لتفتيت المنطقة العربية لصالح قوى إقليمية معينة، كما طالبتها بقائمة من 13 مطلباً، كان أبرزها: خفض العلاقات مع إيران، والإغلاق الفورى للقاعدة العسكرية التركية. وجاءت مطالب الدول العربية بعدما تموضعت قطر فى محور (تركيا - إيران)، وباتت أداة وظيفية كتنظيم الإخوان المسلمين فى البلاد العربية. فبشكل عام، تتموضع قطر فى الإستراتيجية الإقليمية كونها موقعاً مهماً فى إمبراطورية القواعد الأمريكية بالمنطقة، ومن جهة أخرى قطباً فاعلاً فى المحور الإيرانى - التركي، على نحو أحدث تغييراً وتحولاً فى مصفوفة الأدوار الإقليمية. تغييراً أثبت أن التداخل بين الدوحة وتنظيم الإخوان عميقاً لدرجة ينعدم مثول نظيره فى النموذج التركي، بحيث أصبح بقاء التنظيم الدولى من بقاء الدوحة والعكس صحيح.


ونجحت مصر فى انشاء تحالف إستراتيجى يقوم على شراكات أمنية واقتصادية وسياسية مع كل من قبرص واليونان منذ العام 2014، حيث نجح الثلاثى فى تقديم نموذج للتعاون الإقليمى المثمر ولاسيما فى قطاعات الطاقة. إذ تزامن ظهور التحالف مع اكتشافات الغاز الضخمة بالمنطقة، وإحكام طوق العزلة المفروض على تركيا جراء انهيار سياسة «صفر مشاكل» مع غالبية دول الجوار التركى تقريبا. فلأول مرة تتجه الدول الخليجية لتعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع كل من قبرص واليونان. 


وتسعى مصر والدول الخليجية، لتكثيف أوجه التعاون وتبادل المعلومات على مستوى أجهزة المخابرات. إذ تولى تركيا لمجمع استخباراتها الذى يضم عدة أجهزة، اهتماماً كبيراً وخاصة بعد احتياج نشاطاتها التوسعية والعدائية لجهاز استخبارات على أعلى مستوي، يقوم برفع تكلفة مواجهة وتقويض مشروعها ضمن العديد من التكتيكات المبتكرة فى مضمار حروب العصابات على سبيل المثال.


وفى هذا الصدد أجرى مدير جهاز المخابرات العامة المصرية، الوزير عباس كامل، عدة زيارات لدول فى المنطقة العربية وشمال إفريقيا، قدم خلالها معلومات فائقة الحساسية، عن المخططات التركية فى تلك الدول، والتى وصفها «كامل» بأنها الأخطر ضد المنطقة العربية. وتناقلت وقائع الزيارات العديد من التقارير الاستقصائية، لكنها لم تتطرق للمعلومات فائقة الحساسية التى قدمها مدير جهاز المخابرات المصرية للدول التى زارها، وكانت ترتبط بالأساس بطبيعة التحركات التركية وأهدافها، وشبكات جواسيسها فى تلك الدول. وعلى إثر تلك المعلومات الدقيقة المقدمة، نجح «الوزير عباس كامل» رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية فى «تكوين خلية أمنية عالية المستوي، شبيهة بغرفة عمليات تضم ممثلين رفيعى المستوى عن أجهزة أمن هذه الدول لمواجهة مخططات التمدد التركية»:


وبدا واضحاً، أن التحرك المصرى الاستخباراتي الأخير يأتى ضمن جملة تحركات مصرية هدفت لتعزيز دور القاهرة لتقويض النفوذ التركي، ومنعه من رفع مستوى التهديد فى دوائر الأمن القومى المباشرة وغير المباشرة، ولاسيما بعد نجاح القاهرة فى عدم الانجراف فى معارك مع وكلاء أنقرة الميليشياويين كونه أحد الفخاخ التركية لاستنزاف القدرات البقائية المصرية وجرها لصراعات على أنساق حروب الوكالة والعصابات وخاصة فى ليبيا.


المنتدى الاستخباراتى


كما استضافت القاهرة منذ أيام «المنتدى العربى الاستخباراتى»، بمشاركة رؤساء أجهزة المخابرات فى الدول العربية، وأوضح المتحدث الرسمى للرئاسة المصرية أن الاجتماع شهد مناقشة أبرز الموضوعات التى تم تناولها فى إطار المنتدى، خاصةً مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف والجريمة المنظمة، وكذلك أفضل الممارسات والسبل للمواجهة الفعالة لتلك التهديدات على نحو شامل يراعى الأبعاد والخصوصيات التنموية والاجتماعية والثقافية للدول العربية، ويحقق لها الأمن والاستقرار.


ومع ارتباط دوائر الأمن القومى المصرى والعربي، ونجاح القاهرة فى خلق معادلة ردع إثر تطوير قدراتها العسكرية سريعاً وتدعيم شبكة تحالفاتها الإستراتيجية فى محيطها ولاسيما فى شرق المتوسط. تظهر الحاجة لربط قدرة الردع فى مصر والخليج ببعضهما البعض عن طريق تحالفات تطال، بل وتركز على مسارح المواجهة البحرية، ولاسيما فى البحر الأحمر، وذلك لخنق التواجد العسكرى التركى فى الصومال، الرامى أصلاً لدخول ساحة البحر الأحمر.


وفى هذا الصدد شهدت المملكة العربية السعودية فى الثانى من يناير الماضى، توقيع ميثاق تأسيس مجلس الدول العربية والإفريقية المُطلة على البحر الأحمر وخليج عدن. وفى مؤتمر صحفى بالرياض، أعلن وزير الخارجية السعودى فيصل بن فرحان عن توقيع الميثاق بمشاركة 8 دول عربية وإفريقية، هي: المملكة العربية السعودية ومصر والأردن والسودان واليمن وإريتريا والصومال الفيدرالية وجيبوتي، فيما ستصبح الرياض مقرًا للمجلس.. ورغم كون المقوم القومى هو الدافع الأساسى لسياسات الهيمنة التركية عبر التاريخ سواء فى الحقبة العثمانية البائدة أو فى المرحلة الراهنة، استغلت تركيا خطاب الأممية الإسلامية مطية لتوظيف قوى الإسلام السياسى والسلفية الجهادية لتمرير أطماعها الإقليمية مثلها فى ذلك مثل السياسات الإيرانية، مقابل هذا المشروع الطائفى الذى أفضى إلى تعزيز سياسات الانقسام وحالات التفكك والفوضى، تدعم مصر والدول الخليجية مشروع الدولة الوطنية، واحتكارها للقوة المسلحة، دون التنظيمات والميليشيات المسلحة أصحاب الانتماءات والولاءات دون الوطنية. وتخوض الدولة المصرية مع أشقائها فى الخليج صراعاً كبيراً لدعم مشاريع الدولة الوطنية فى كل من ليبيا وسوريا واليمن والعراق ولبنان والسودان.