البحث عن «ركنة».. عذاب في شوارع القاهرة

البحث عن «ركنة».. عذاب في شوارع القاهرة
البحث عن «ركنة».. عذاب في شوارع القاهرة

- مواطنون: نضطر لـ «الركن» فى الممنوع

- المحلات احتلت الأرصفة.. وأصحاب العقارات حولوا الجراجات لمولات

حواجز إسمنتية.. سلاسل وخوازيق حديدية.. قوالب طوب وكاوتش سيارات.. مشهد مأسوى يتكرر يوميا أمامك إذا تجولت بشوارع المحروسة من أجل الوصول للمكان الذى تريده لإنجاز مهمة عمل أو زيارة أحد الأقارب أو الأصدقاء، وإذا قررت الذهاب بسيارتك فعليك أن تستعين بالله وأن تستمر فى الدعاء طوال طريقك وتتمنى أن يحقق الله مرادك فى الحصول على ركنة آمنة لسيارتك، دون الفوز بمخالفة صف ثانى أو تلفيات فى السيارة تغرمك ميزانية شهر كامل.

 

فعلى الرغم من الجهود الضخمة التى تبذلها كافة مؤسسات الدولة وفواصلها من خلال الأحياء والمحافظات لتقليل الزحام بالشوارع وتوسعة الميادين والمناطق والأحياء المختلفة عن طريق إنشاء الكبارى وإزالة الإشغالات، إلا أن هناك معاناة كبيرة يشعر بها عدد كبير من المواطنين فى إيجاد مكان لركن سياراتهم سواء أمام منازلهم أو فى الشوارع الرئيسية والميادين.. يتحايل الكثيرون من أصحاب السيارات لحجز مساحة بجوار الأرصفة أو موازية لها من أجل الحفاظ على مكان لركن سياراتهم، وهو ما جعل المشكلة تتفاقم بشكل كبير وأصبحت مأساة يومية يعانى منها زائرو أو مرتادو المكان.


«الأخبار» قامت بعمل جولة بمختلف الأحياء بمنطقتى القاهرة والجيزة لرصد الظاهرة وتسجيل معاناة المواطنين مع «الركنة الخصوصى».

 

 بدأت جولتنا بمنطقة الدقى، حيث ظهرت الكثير من المحلات التجارية التى تضع أمام أبوابها «دبش» لحجز مكان لركن سيارة البضاعة الخاصة بالمحل، أو من أجل سيارة صاحب المحل، بالإضافة إلى وضع «جنازير» مثبتة بقوالب إسمنتية، رافعين شعار «مكان مخصص للمحل، منعا للإحراج».


وذلك ما يثير حفيظة الكثيرين من أصحاب السيارات والزائرين للمكان حيث يعانون أشد المعاناة فى البحث عن ركنة لترك سياراتهم بأمان دون تسجيل مخالفة مرورية لهم، فالأرصفة أصبحت ملك لأصحاب المحلات أو ساكنى العمارات فقط، أما أصحاب السيارات أو مَن يأتون للمكان لقضاء مصلحة ما لا عزاء لهم وليس لهم مكان لترك سياراتهم، ولا يصبح أمامهم مفر من الحصول على مخالفة أو أن تصبح السيارة عرضة للسرقة أو الاصطدام.


انتقلنا إلى منطقة إمبابة، والتى تتسم بالكثافة المريورية العالية فى كافة اوقات النهار والليل، والتى أصبح درب من المستحيل أن يأتى إليها زائر ويفوز بمكان لركن سيارته، حيث مررنا داخل شارع «محمد الحسينى» والذى لم يخل من القوالب الإسمنتية والخوازيق الحديدية المثبتة بثقوب فى الأرض، والتى قام بوضعها أصحاب السيارات الساكنين بالعقارات داخل الشارع، وبالتالى قد تكون المشادات الكلامية والمشاحنات اليومية جزء من روتين سكان الشارع الذى قد لا يتسع لمرور سيارتين بجوار بعضهم.


خرم إبرة
وانتقلنا من منطقة إمبابة وتوجهنا إلى حى مصر الجديدة وتحديدا منطقة ميدان الجامع والتى اصبحت من أكثر المناطق التجارية ازدحاما فى القاهرة الكبرى حيث إنها تشتهر بوجود عدد كبير من المحلات التجارية المتخصصة فى عدة مجالات مختلفة فهناك شارع الصاغة «صلاح الدين» والذى يعد من أكبر شوارع مصر فى تجارة الذهب والمجوهرات، بالإضافة إلى محلات تجار الجملة، وأيضا هناك شارع هارون الرشيد الذى لا يخلو من محلات الأدوات الكهربائية ومستلزمات المنازل من كافة الاشكال والألوان.


فعندما تقرر النزول لمنطقة ميدان الجامع عليك أولا أن تبحث عن طريقة للإفلات من عقاب البحث عن مكان لركن سيارتك، لأنك ستظل تسير بسيارتك وتجوب بالشوارع المجاورة له من أجل إيجاد خرم إبرة لوضع سيارتك بأمان دون الحصول على مخالفة أو تشويه سيارتك من الخارج.. وإذا حاولت الحصول على ركنة ستجد نفسك أمام حائط صد من جانب أصحاب المحلات أو الباعة الجائلين، فهم لا يقبلون بركن سيارة أحد أمام محلاتهم، كما أن أصحاب الشقق بهذه المناطق يعتبرون زيادة عبء على حمولة المنطقة من عدد السيارات التى تعج بالمكان.


وعلى الرغم من قيام رجال المرور بدورهم فى تسجيل مخالفات لكل من يقوم بالركن مخالف أو صف تانى إلا أن أصحاب السيارات يقومون بضرب ذلك عرض الحائط ويقومون بوضع سياراتهم صف ثانى وثالث دون الاكتراث للمخالفة المرورية.


شارع فيصل
أما شارع فيصل فحدث ولا حرج، فأغلب أصحاب العقارات يعتمدون على تغيير الجراجات إلى نشاط تجارى من أجل البحث عن المكسب فقط، ليعيش السكان رحلة عذاب يومية ليس من أجل البحث عن لقمة العيش بل من أجل البحث عن «ركنة».


فهذا الشارع الشهير على مدار الـ24 ساعة بالتكدس والزحام يعانى سكانه من ايجاد مكان لإيقاف السيارة، فكم المقاهى والمحلات الكثيرة الموجودة به تجعل كل صاحب محل يجعله يشعر وكأنه مالك للمساحة الموجودة أمامه ليضع أمام محله إما لافتة كبيرة كإعلان عن المحل، أو كتلتين إسمنتيتين يتخللهما حاجز حديدى لتأخذ من حرم الطريق مساحة قد تعادل سيارة أو اثنتين فى بعض الأحيان.


ولا يتوقف الأمر عند ذلك بل يتفنن مالكو العقارات وأصحاب المقاهى والمحلات فى إصابة الشارع بشلل بسبب التحايل الذى يقومون به، فعشرات المقاهى بعد الساعة السادسة مساءا تبدأ فى احتلال مساحات الركنة بالكراسى الخاصة بها حتى لا تكتفى بمساحة المقهى الداخلية فقط بل تحتل الرصيف أيضا، وليصبح الساكن يدور فى دائرة لا تنهى من العذاب والبحث عن «ركنة».


المواطنون
شكاوى عديدة ومتكررة ومشاحنات بين السكان وأصحاب المحلات قد تصل إلى تشابك بالأيدى فى بعض الأحيان، كل ذلك من أجل الحصول على مكان لركن السيارة، الأمر الذى يتسبب فى حدوث حالات اختناق مرورية وشلل بالشوارع بسبب هذه الأزمة.


فيقول سعيد ماهر محاسب لا توجد منطقة واحدة لا يعانى أصحابها عن أزمة البحث عن «ركنة»، على الرغم من أنه قانونا لا يجوز للسكان امتلاك العقار إلا فى وجود جراج ولكن نظرا للحاجة إلى السكن يتغاضى البعض عن هذه النقطة لندفع ثمنها مستقبلا، فأنا أسكن فى حى مدينة نصر يوميا أظل لأكثر من نصف ساعة أبحث عن «ركنة «و أحيانا أتفقد الشوارع الجانبية وليست الرئيسية فقط حتى لو بعيدا عن مكان سكنى ولكن «ما بيد حيلة».


وتؤكد غادة فريد طبيبة أصبحت أكره روتينى اليومى فى ركن السيارة بسبب ما أعانيه خلالها ومما يضاعف مأساتى هو وجود أطفالى معى فى رحلة العودة من المدرسة، خاصة وأننى أقطن فى منطقة محيطة بمجمع مدارس وحتى يمنع أصحاب الجراجات والمحلات أولياء الأمور من الركنة يقومون بوضع الحواجز الحديدية، مما يجعلنا كملاك نعانى من هذه المأساة.


ويضيف كمال شريف مهندس لابد من ايقاف هذه المهزلة التى تحدث فى شوارع القاهرة,ويجب ان تقوم الأحياء باتخاذ الإجراءات اللازمة ضد هؤلاء المخالفين والمتعدين على الشارع دون وجه حق، فبأى حق يكون لصاحب عقار تحويل الجراجات إلى محلات فلابد من تطبيق القانون والمخالفات عليهم وأن ينطبق نفس الوضع على أصحاب المطاعم الذين يتسببون فى تعذيبنا يوميا من أجل البحث عن «ركنة»، فإذا تم تطبيق عقوبة على شخص ستكون رادعا لباقى المخالفين وسينعكس ذلك على الطريق بكل تأكيد.


سبق الإصرار
وفى نفس السياق أكد المهندس إبراهيم صابر نائب محافظ القاهرة لمنطقة غرب إلا أن كل من تسول له نفسه الاعتداء على حرم الطريق أو استغلال الأرصفة لصالحه الشخصى يعتبر جريمة فى حق المواطنين والدولة، لأن ذلك يعتبر تعطيلا لحركة سير المشاة والسيارات مع سبق الإصرار والترصد وهو ما ترفضه كافة الجهات والمسئولين بالمحافظة.


وأشار إلى أنه قد تم وضع العديد من القوانين تجاه المخطئ فى هذا الشأن بالإضافة إلى أنه يتم اتخاذ اجراءات رادعة من اجل استعادة الانضباط وعدم تعطل حركات السير للمارة والسيارات.


وأوضح أنه يتم الآن عمل حملات مكثفة من قبل المحافظة لإزالة كافة الحواجز الخرسانية المزروعة فى اماكن ركنات السيارات، بالإضافة إلى القيام بتحرير محاضر لمن يقوم بذلك وتوجيه عدة تهم له منها اشغال الطريق، وإتلاف الأسفلت، فضلا عن اعتراض حركة المشاة والسيارات ويتم تقديمها للمحكمة وإخطار المذنب بهذا الصدد وبالتهم الموجهة إليه، بما يتناسب مع حجم الأشغال والتلفيات التى تسبب بها لتخصيص مكان لسيارته دون الحصول على تصريح من المحافظة.


ومن جانبه أشار حسام فوزى نائب محافظ القاهرة للمنطقة الشمالية إلى أن القانون يمنع وضع حواجز أسمنتية على الأرصفة أو فى الشوارع لأنها تعتبر ملكية عامة وليس من حق احد السطو عليها واعتبارها ملكية شخصية لحجز مكان لركن سيارته سواء ان كانت أمام منزله أى مكان آخر، فالشوارع والأرصفة ملكية عامة، وما تسعى إلى تنفيذه كافة الأحياء من خلال شن حملات مفاجئة على الشوارع والميادين لإزالة هذه الإشغالات.


وفى نفس السياق تسعى المحافظة لتوفير بدائل للمواطنين لإيجاد حلول لركن سياراتهم دون معاناة او احداث ضرر وذلك عن طريق عمل ساحات انتظار لكل حى مخصصة لأهالى المنطقة لركن سياراتهم بها لنخفيف المعاناه عليهم وإتاحة أماكن اكثر أمان لسياراتهم ، بالاضافة إلى عمل أرصفة موازية بدرجة ميل توازى 45 درجة عن الرصيف العادى لكى يساهم فى حل الأزمة بطريقة سليمة لا تتسبب فى إشغال الطريق أو تعطيل حركة السير بالشوارع وبالتالى عدم استئصال جزء كبير من نهر الطريق كما يفعل البعض مستبيحين الشارع والطرق العامة وتحويلها لجراجات خاصة لهم.