أكثرها قسوة وفاة الحفيد.. لحظات إنسانية لا تنسى في حياة أسرة «مبارك»

لحظات إنسانية لا تنسى في حياة أسرة «مبارك»
لحظات إنسانية لا تنسى في حياة أسرة «مبارك»

موت محقق أعلن عنه صباح اليوم الثلاثاء، وضع حدًا لعشرات الشائعات التي لاحقت الرئيس الأسبق "مبارك" طوال الفترة الأخيرة من حياته خارج دائرة الحكم، ليكتب القدر في 25 فبراير 2020 نهاية رئيس حكم مصر طوال 3 عقود، فعل فيها ما فعل، ووحده التاريخ سيحكم عليه بما له وما عليه.
توفي "مبارك"، بعد وعكة صحية ألمت به مؤخرًا ودخل على إثرها العناية المركزة، وأعلنت رئاسة الجمهورية، حالة الحداد العام لمدة ثلاثة أيام.

وبعيدًا عن كرسي الحكم والبروتوكولات الرئاسية، كانت حياة الرئيس مبارك، مليئة باللحظات الإنسانية المؤثرة في حياة الأسرة، ليس خلال فترة حكمه فحسب، ولكن بعد تخليه عن السلطة أيضًا، نرصد بعضا من ملامحها.

السقوط في مجلس النواب

لا ينسى المصريون مشهدًا خطف قلوب الملايين على الهواء، خلال متابعة الخطاب الشهير للرئيس مبارك في عام 2003، بالجلسة المشتركة بين مجلسي الشعب والشورى بافتتاح الدورة البرلمانية، حين بدأت أعراض الهبوط المفاجئ تظهر على "مبارك" ليمسك بمنديله يزل العرق الذي يتصبب من جبهته.

بدأ الأمر بعد نحو 20 دقيقة من بداية الخطاب، بـ"عطسة"، ثم تلعثم في الكلام، إلى أن بدأ الحدث يتطور بفقدان الرئيس لتوازنه، وهنا تدخل الحرس وحملوه سريعًا على خارج القاعة، رفعت الكاميرات عن المنصة حيث يقف مبارك، ثم توقف الكلام في القاعة، إلا من همهمات صادرة عن بعض النواب، قبل أن يقطع البث لـ45 دقيقة.

بعد دقائق ما بين الصدمة والترقب، وحالة الارتباك التي سادت الشارع المصري، والشائعات التي سرت حينها حول صحة الرئيس، عاد الرئيس مبارك واستأنف خطابه لمدة 5 دقائق أخرى، ثم حيا الجميع وانصرف.

وزير الصحة المصري عوض تاج الدين، قال -آنذاك- إن "مبارك" أصيب بهبوط بسيط وكان ضغطه منخفضا عندما أوقف خطابه، وتم عمل التحاليل اللازمة بعد مغادرة القاعة، والتي أكدت أنه بخير وصحته جيدة، والأمر كان ناتجًا عن إصابته بنزلة برد شديدة.

وفاة الحفيد

لم يكن سقوط الرئيس على الهواء وعلى مرأي من ملايين المتابعين في مصر والعالم أجمع وحده الذي حمل بعضًا من التعاطف مع الرئيس من المعارضين قبل المؤيدين لحكمه، ولكن تبقى الطامة الكبرى في حياته وهي وفاة حفيده نجل علاء مبارك.

في مايو من العام 2009، تلقى "مبارك"، خبرًا صادمًا بوفاة حفيده محمد علاء مبارك، والذي كان يبلغ من العمر وقتها 12 عاما، إثر إصابته بمرض نُقِل على إثره إلى المستشفى في فرنسا، ولكن العلاج لم يأت بنتائج إلى أن انتق إلى جوار ربه.

تأثر مبارك بوفاة حفيده، كما لم يتأثر بتخليه عن السلطة، عقب ثورة 25 يناير، حتى أنه غاب عن جنازته حزنًا عليه، بحسب ما أكد المفكر السياسي ورئيس مكتبة الإسكندرية د. مصطفى الفقي، فرحيل الحفيد كان مفصليا في تاريخ الجد، حتى أنه أكد أن فترة ما قبل الوفاة كان "مبارك" شخص، وبعدها لم يعد الأمر كما كان.

توفي محمد بين يدي جده، والمشهد ظل ملازمًا لذاكرته لم تمحه أي ذكرى حتى خروج الشعب للمطالبة بإسقاطه، حيث يروي فريد الديب، محامي الرئيس الراحل، في تصريحات تلفزيونية له، تفاصيل رواها له مبارك قائلا: "كان معايا في المكتب وقلتله روح يا محمد علشان وراك مدرسة الصبح، ونص ساعة لقيتهم بيندهوا عليا، وبيقولوا محمد مبيردش وفي حاجات بيضة بتخرج من بقه ثم حدثت الوفاة".

مرض خطير

بعد شهور من وفاة الحفيد، وتحديدًا في مارس 2010، ألم مرض خطير بالرئيس مبارك، وأكدت الفحوصات إصابته بورم سرطاني، فكان قرار السفر إلى ألمانيا، وخضع لعملية استئصال للورم، ولم يعلن وقتها هذا الخبر في وسائل الإعلام، يقول "الديب": "بعد العودة لم يعد مبارك قادرًا على الحكم".

الأيام الأخيرة

المواقف الإنسانية في حياة "مبارك" داخل القصر كثيرة، ويبدو أن القدر أبى ألا يغادر مقر حكمه بعد ثورة يناير، دون أن يدون التاريخ لمحات إنسانية أخرى في وداع أسرته للقصر.

في كتابه "الأيام الأخيرة لنظام مبارك"، يروي الإعلامي عبد اللطيف المناوي كواليس آخر 6 ساعات في حكم مبارك، والتي تحمل مشهدًا إنسانيًا مؤثرًا للسيدة الأولى وقتها سوزان مبارك.

يقول "المناوي"، إن يوم 11 فبراير، وبينما المصريون منهمكون في أداء صلاة الجمعة استقل "مبارك" هليكوبتر من القصر الرئاسي إلى مطار النزهة، ومنه إلى شرم الشيخ على متن طائرة رئاسية بمفرده، لم يرافقه أي من نجليه ولا زوجته "سوزان".
وعقب وصوله، أبلغ نائبه عمر سليمان، ووزير الدفاع -آنذاك- المشير محمد حسين طنطاوي، بقراره التخلي عن منصبه كرئيس للجمهورية وتفويض القوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد، ليبدأ بعدها الترتيب لمشهد الخروج، وتم الاستقرار على صياغة بيان مقتضب يلقيه نائب الرئيس، وبالفعل تم تسجيله، وكلف مدير الشؤون المعنوية بحمل الشريط المسجل إلى ماسبيرو لإذاعة البيان.

يروي "المناوي": " قال عضو المجلس العسكري، قرر مبارك التنحي وعمر سليمان أعد هذا البيان.. سأنتظر هنا بالشريط حتى تصلني أوامر بإذاعته"، مر الوقت ولم تأتِ الأوامر وما كان يؤخر الإعلان أمر غاية في البساطة، فقط مغادرة باقي أفراد الأسرة.. "انتظرنا، وكان اللواء عتمان يجري اتصالا مع المجلس كل بضع دقائق.. ولم يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى تلقى نبأ وصول جمال وعلاء إلى المطار".. يضيف "المناوي".

انهيار سوزان مبارك

على الجانب الآخر لم تحتمل زوجة الرئيس الحدث، ورفضت استقلال الطائرة، وهرولت مسرعة عائدة إلى القصر من جديد، أو الفيلا التي كانت تقطنها الأسرة، في مشهد درامي يروي "المناوي" تفاصيله قائلاً: "كان الغموض يكتنف هذه الفيلا، فلم يكن باستطاعة أي شخص دخولها، حتى أن الحرس كان ينتظر بالخارج لدى وجود العائلة بالفيلا، كان مكانا غاية في الخصوصية".

أكثر من 3 ساعات مرت ورفضت سوزان مبارك مغادرة الفيلا، حيث انهارت من الحزن الشديد على فقدانها للحياة التي اعتادت عليها، وانهار العالم من حولها، وهو ما فاق قدرتها على التحمل؛ إذ تم العثور عليها منهارة على الأرض تبكي وتعجز عن السيطرة على نفسها أو الوقوف على قدميها. ولكن الجنود اخترقوا البروتوكول، وعثروا عليها في الفيلا وهي على الأرض محاطة بكل حُليها وذكرياتها، بحسب رواية "المناوي".

وبعد 3 ساعات، تمكن الحرس من التعامل معها وتهدئتها بشكل كاف لتتمالك نفسها؛ حيث مسحت دموعها ورتبت ملابسها وتوجهت إلى الباب بعد أن ألقت نظرة أخيرة على الفيلا، وركبت السيارة متوجهة إلى المطار.