في مثل هذا اليوم| ميلاد «أبو القاسم الشابي»

أبو القاسم الشابي
أبو القاسم الشابي

تحل اليوم ذكرى ميلاد الشاعر العربي الكبير أبو القاسم الشابي، أبرز شعراء تونس، والملقب بشاعر الخضراء، كما وُصف بأنه شاعر الثورة والحرية، وشاعر الأمل والحياة، وشاعر الحب والغزل، وشاعر كل زمان ومكان .

«أبو القاسم الشابي» هو صاحب القصيدة المشهورة التي يتغنى بها الجميع "إذا الشعب يوما أراد الحياة"، وقصيدة "إلى طغاة العالم"، والنشيد الوطني لدولة تونس الشقيقة .

ميلاده وحياته

ولد أبو القاسم الشابي في 24 من شهر فبراير عام 1909 م في قرية الشابية في ولاية توزر بتونس، وهو ابن الشيخ محمد الشابي، الذي قضى حياته يعمل في القضاء بمختلف مدن تونس، وتخرَّج أبو القاسم الشابى من جامعة الزيتونة، ثمَّ بدأت أعراض المرض تظهر عليه وذلك منذ عام 1929م، وهو العام الذي تزوج فيه، ولم يمهله الموت بعدها إلَّا خمس سنوات فقط، حيث توفِّي سنة 1934م.

كان والده الشيخ محمد الشابي رجلاً صالحاً تقياً، ومن المعروف أن للشابي ثلاثة إخوة هم محمد الأمين وعبد الله وعبد الحميد أما محمد الأمين فقد ولد في عام 1917 في قابس ثم مات عنه أبوه وهو في الحادية عشر من عمره ولكنه أتم تعليمه في المدرسة الصادقية أقدم المدارس في القطر التونسي لتعليم العلوم العصرية واللغات الأجنبية وقد أصبح الأمين مدير فرع خزنة دار المدرسة الصادقية نفسها وكان الأمين الشابي أول وزير للتعليم في الوزارة الدستورية الأولى في عهد الاستقلال فتولى المنصب من عام 1956 إلى عام 1958م.

كان للشاعر طفلين صغيرين هما الصادق الذي توفي منذ سنوات قليلة وكان عمره ثلاث سنوات عند وفاة والده، عمل كضابط في الجيش التونسي، وله العديد من البنات وولده الوحيد «الصادق» الذي اشتغل في الأعمال الحرة في مجالي الفلاحة والتجارة.

أما الابن الثاني للشاعر فهو جلال وقد تركه والده رضيعاً لا يتجاوز عمره بضعة أشهر، عمل جلال في بداية حياته المهنية كمهندس، بعد أن درس في ألمانيا، ثم أسس شركة خاصة به مختصة في «الألمنيوم»، وتزوج من فتاة ألمانية أنجب منها ابنتين فقط "إيناس وسميرة".

مرضه

وقد عاش «الشابي» حياة صعبة لمرضه بالقلب حيث منعه الأطباء من الجري والتَّسلُّق والسباحة وأي شيء من مِتعِ الحياة التي تجهد جسده وتتعب قلبه، كما منعوه من الزواج أبدًا، وعندما عزم على الزواج بناءً على رغبة وإصرار والده قام باستشارة طبيب يدعى محمد الماطري، وهو طبيب مشهور في تونس ذلك الوقت، فسمح له بالزواج لكنّه حذّره من خطورة التعرّض للإجهادات الفكرية والجسدية التي يسببها الزواج، فتزوّج الشابي امتثالاً لرغبة والده وبناء على رأى الطبيب الذي استشاره، لكنّ حالته الصحية تدهورت بعد الزواج، حتى صار لا يتحرك تقريبا، يقرأ ويكتب وهو راقد في فراشه.

وكان «الشابي» يسأم من حياته التي أنهكها المرض وجار بها عليه قلبُهُ، فقال ذات مرَّة أثناء مروره قرب إحدى الضواحي: "ها هنا صِبية يلعبون بين الحقول، وهناك طائفة من الشباب الزَّيتوني والمدرسي يرتاضون في الهواء الطَّلق والسَّهل الجميل، ومن لي بأن أكون مثلهم؟ ولكن أنّى لي ذلك والطبيب يحذِّر علي ذلك؛ لأن بقلبي ضعفًا! آهٍ يا قلبي! أنت مبعث آلامي ومستودع أحزاني وأنت ظلمة الأسى التي تطغى على حياتي المعنوية والخارجية" .

قصائده وأعماله الإبداعية
رغم أن «الشابي» عاش خمسة وعشرين عامًا فقط، وتوفي صغيرًا، إلا أنه كانت له تجارب نثرية في الرواية والمسرح إضافة إلى تجاربه الشعرية، وبسبب طبيعة شعره الهادئة هدوء أراضي تونس الخضراء وسهولها، فقد لاقت استحسان المغنين الذي تسابقوا على غنائها.

ومن أشهر قصائد أبي القاسم الشابي المُغنَّاة هي: جزء من "قصيدة إرادة الحياة" وهي النشيد الوطني لدولة تونس اليوم، كما غناها عدد من مغني العرب المشهورين، قصيدة "إلى طغاة العالم" غنَّتها لطيفة، قصيدة "اسكني يا جراح"، غنَّاها كلٌّ من: أبو بكر سالم، حمد الريح، أمينة فاخت، قصيدة "عذبة أنت" غناها محمد عبده، قصيدة "ألا انهض وسر" والتي غنَّتها ماجدة الرومي، قصيدة "الراعي" وقد غنَّتها فيروز.


وفاته

بعد صراع طويل مع المرض دخل الشاعر أبو القاسم الشابي مستشفى الطليان في تونس العاصمة قبل أن توافيه المنية بست شهور، فقد أظهرتِ الفحوص الطبية التي أجراها إصابَتَهُ بمرض في القلب، أودى هذا المرض بحياته في التاسع من أكتوبر من عام 1934م الموافق لعام 1353 للهجرة، ثمَّ نُقل جثمانه إلى مدينة توزر وفيها دُفن.

وقد كسب الشابي بعد موته اهتمامًا كبيرًا، حيث أقيم ضريح خاص له في احتفال كبير عام 1946م، فهو الشاعر الذي كتب بقلب مريض وإحساس سليم معافى، وببصيرة الشعراء الكبار الذين ناطحوا الحياة فأخذوا منها حكمة المسنين وكتبوا بها، لذلك كان ولم يزل أبو القاسم الشابي جديرًا بكلِّ احتفاء وتكريم .