تصديق الرئيس على تعديل القانون ينهى المعاناة.. والسجن لـ«عام» لمن يمتنع عن سداد نفقة أبنائه

أرشيفية
أرشيفية

«القومي للمرأة»: دعاوى النفقة تزيد على 70% من إجمالي القضايا

إيناس: امتنع عن دفع نفقة بـ 28 ألف جنيه والقانون الجديد رجع لي حقي

«حملات ضد قانون الأسرة»: تغليظ العقوبة حق شرعي.. وننتظر تحقيق مطالبنا

ماجي: كان طلاقي بسبب إصابة ابني بالتوحد.. وتخلى عن الإنفاق عليه

 

مسلسل يتكرر يوميا داخل محاكم الأسرة، معاناة لا تنتهي وأطفال ليس لهم حول ولا قوة يقع عليهم ظلم بين بسبب العناد بين زوج وزوجة أصبحا غير قادرين على إكمال الحياة كشركاء فيها، يلجآن للقانون لعله يجد مخرجًا ليأخذ كل ذي حق حقه، إلا أن القوانين بعضها قديم وأصبح غير قادر على تحقيق العدل بين الأطراف المتنازعة خاصة قانون الأحوال الشخصية، وهو ما تغير الآن بعد تعديل مواد القانون الخاص بالنفقة وتغليظ العقوبة على المتخلفين.

 وبعد تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي، على إقرار تعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون 58 لسنة 1937 على المتهربين من سداد النفقات المستحقة عليهم، أصبح يعاقب كل متهرب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وهو القرار الذي جاء بعد مناداة بتعديله منذ سنوات طويلة من جميع الجهات الحقوقية والمنظمات النسائية والنساء المتضررات من عدم دفع النفقة لهن.

 لذا حرصت «الأخبار» على الاستماع لحكايات المعاناة التي عانتها بعض السيدات اللائي يهرب منهن أزواجهن وكذلك عانى أطفالهن من عدم الإنفاق عليهم حتى فى الاحتياجات الأساسية من مأكل وملبس ونفقات علاج وتعليم وغيرها من احتياجات الأطفال مثل أقرانهم، والتعرف على ردود الأفعال بعد التصديق على تعديلات القانون.

 

أمور الطلاق والزواج والحقوق الشخصية يكفلها القانون رقم 25 لسنة 1920 وهو قانون مر على وضعه ما يقرب من 100 عام، حدث خلالها العديد من المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية فى مصر رغم كل التعديلات التى تمت على بعض البنود فيه إلا أنه لايزال ساريًا، ويدخل الرجل والمرأة الكثير من المعارك القضائية والتى قد تستمر لسنوات طويلة أمام المحاكم دون الفصل فيها وتضيع حقوق الأبناء ويعانى الزوج والزوجة، وذلك على الرغم من ضمان القانون الحالى لعدة أنواع من النفقة للمرأة المطلقة، منها نفقة عدة قيمتها 3 أشهر من النفقة المقررة، والمؤخر، ونفقة المتعة بواقع شهر نفقة عن كل عام عاشت فيه مع زوجها، وغيرها من أنواع النفقات للأبناء مثل نفقة الأطفال والتعليم والعلاج وغيرها من النفقات الأخرى إلا أنه كان يصعب تنفيذ تلك الأحكام، لذا كان لابد من تغليظ العقوبة على الممتنعين عن الدفع بأكثر من وسيلة مثلما تم بالفعل مع القانون الذى صدق عليه الرئيس عبد الفتاح السيسى والذى وعد المرأة بأنه لن يسمح بالتعدي على حقوقها.

ووفقاً لإحصائية أعلن عنها المجلس القومي للمرأة، فإن نسبة دعاوى النفقة تزيد على 70% من إجمالي الدعاوى المقدمة أمام محاكم الأسرة على مستوى الجمهورية، بينما تمثل قضايا الرؤية 4%، وفيما يتعلق بالشكاوى التي ترد إلى مكتب شكاوى المرأة بالمجلس فإن النفقة تتصدر القائمة، تليها الرؤية، ثم التطليق للضرر، ثم مكاتب تسوية المنازعات، وأخيراً الخلع.

حكايات المعاناة

دائرة العناد يدخل إليها الآباء بسبب الخلافات بين الزوج والزوجة ويدفع دائما الثمن الأبناء الصغار وهذا ما ترويه إيناس عبد المنعم، تبلغ من العمر 32 عامًا، وهى من أسرة متوسطة الحال، لديها ابن واحد لم يكمل عامه الخامس بعد، يعمل زوجها فى عمل حر فهو لا يملك وظيفة ثابتة، بعد أكثر من 3 سنوات تسعى فى قضية الحصول على نفقة دون فائدة.

«الحمد لله أهلى ساعدوني عشان أصرف على نفسى وعلى ابني.. ومع ذلك اضطريت اشتغل عشان مقدرش ابقى تقيلة عليهم اكتر من كدة خاصة مع ارتفاع الأسعار وزيادة المتطلبات والنفقات» هكذا أكدت إيناس وعبرت عن المعاناة التي مرت بها خاصة أن زوجها لا تستطيع ان تلزمه بالنفقة مع طبيعة عمله الحر غير المقيد بمؤسسة أو بدخل معين تستطيع ان تفرض عليه دفع النفقة.

وبعد التصديق على تعديلات القانون الجديد أصبحت إيناس بموجب الحكم الصادر لها تستطيع الحصول على 28 ألف جنيه نفقة لها ولصغيرها حتى لا يتم توقيع غرامة مادية عليه أو الحبس.

إيناس ليست الحالة الوحيدة، فهناك حكاية معاناة أخرى بطلتها بدرية عبد الجواد، تزوجت وأصبح لديها ابناء ولا تعلم أين زوجها خاصة أنه يعمل تاجرا وغير مرتبط بمكان معين او بمؤسسة او بدخل ثابت، تطرق باب ذويه وأقاربه دون أن يدلها أي منهم على مكانه سواء داخل مصر أو خارجها.

تقول بدرية إنها حاولت لكل شخص قد يدلها على طريق لزوجها الذي يتهرب من الإنفاق عليها وعلى أبنائه الاثنين، دون فائدة، تصرف من بنك ناصر 500 جنيه نفقة لا تكفى احتياجات أبنائها قائلة: «بنطالب بنك ناصر صرف مبلغ اكبر حتى يعين الزوجات اللائى لا يستطعن العثور على الأزواج حتى يكون إلى حد ما مناسبا لغلاء المعيشة»، وان القانون الذي صدق عليه الرئيس السيسي بالتأكيد سيحل أزمات كبيرة وسيجبر الأزواج على الالتزام بمسئولياتهم حتى ولو كان تخلوا عنها.

الأسى والألم

ماجي يوسف، والدة الطفل يوسف، المصاب باضطراب التوحد، تخلى عنها زوجها عندما علم بظروف ابنه ليطلقها ويتزوج من امرأة أخرى ويتركها وحدها بكل مسئولياتها، دون ان يدفع نفقة كافية لابنها، تذهب بيوسف يوميًا إلى مدرسته ترافقه هى طوال اليوم لا تتركه حتى فى الحصص الدراسية.

اضطرت ماجي إلى النزول إلى العمل إلا أن زملاء ابنها والمعلمين لم يتركوه وحيدًا فيعود إلى منزله وعلى وجهه كدمات وجهها احد زملاء ابنها المعروفين بالتنمر و»البلطجة» ومرة أخرى يعود وسرواله مغطى بالحبر بسبب زميل آخر قام بمسح حبر قلمه المكسور فى سروال يوسف، مواقف يومية تصيب ماجى بالأسى والألم وتذهب للتشاجر وتقديم الشكاوى دون جدوى، حتى اضطرت للاستعانة بمعلمة ظل بعد عناء كبير فى عملية البحث عنها نظرًا لندرة هذا النوع من المعلمين بالإضافة إلى ارتفاع راتبهم خاصة اذا كان الدوام كليا مع الطفل وليس جزئيا، وبالتأكيد يكبدها ذلك مصروفات أخرى، لذلك ترى أن تعديل قانون النفقة بالتأكيد خطوة كبيرة لصالح كل امرأة تخلى عنها زوجها وتخلى عن واجباته ومسئولياته وإنصافا للحق المغتصب والذي كفله الشرع والدين والقانون.

حماية الحقوق

للرجال ايضًا نصيب من الشكوى فكما يوجد نساء يعانين القهر والظلم فى ظل قانون كان يحتاج للتعديل يوجد أيضًا آباء يشكون التعنت وهو ما يقوله محمد إبراهيم، الذي أكد أن زوجته قد هجرته وادعت أنه طردها من منزلها على الرغم من أن زواجهم دام ما يقرب من خمس سنوات عاملها – على حد وصفه- بلطف وسخاء حتى دب بينهم الخلاف فتركت المنزل مع ابنها وعلى الرغم من أنه يبعث لها بنفقة الطفل الا أنها هددته بأنها «هتجرجره فى المحاكم وتبيعه هدومه».

«كانت حياتنا كويسة وأي زوجين بينشأ بينهم خلاف لكن هى مستقوية وعايزة تذلني ودلوقتى مطلوب منى ادفع نفقة ليها ولابنى ومرتبى اللى متبقى منه ميكفنيش»، هكذا أضاف محمد عن مشكلته مؤكدًأ انه بالطبع هناك نساء مستضعفات ويحتجن إلى تطبيق القوانين لكن هناك أيضًا رجالا يحتاجون قوانين تحمى حقوقهم.

نص القانون

وأشادت د. نيفين القباج وزير التضامن الاجتماعي ورئيس مجلس إدارة بنك ناصر الاجتماعي بقرار الرئيس بالتصديق وأكدت أن مشروع القانون يأتي في إطار السعي نحو تطوير وتدعيم صندوق تأمين الأسرة التابع للبنك حتى يتمكن من أداء دوره المخول له لدعم الأسرة التي تخلى عنها عائلها وتركها دون نفقه أو مأوى وحرصا على تماسك هذه الأسرة ولسلامة التنشئة الواجبة للطفل والذي ينعكس فى النهاية على تماسك المجتمع بأسره.

تعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون 58 لسنة 1937 جاء نصه أن «كل من صدر عليه حكم قضائي واجب النفاذ بدفع نفقة لزوجه أو أقاربه أو أصهاره أو أجرة حضانة أو رضاعة أو مسكن وامتنع عن الدفع مع قدرته عليه مدة ثلاثة شهور، بعد التنبيه عليه بالدفع، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، ولا تُرفع الدعوى عليه إلا بناء على شكوى من صاحب الشأن، وإذا رُفعت بعد الحكم عليه دعوى ثانية عن هذه الجريمة فتكون عقوبته الحبس مدة لا تزيد على سنة ويترتب على الحكم الصادر بالإدانة تعلق استفادة المحكوم عليه من الخدمات المطلوب الحصول عليها بمناسبة ممارسته نشاطه المهني والتي تقدمها الجهات الحكومية والهيئات العامة، ووحدات القطاع العام وقطاع الأعمال العام، والجهات التي تؤدى خدمات مرافق عامة، حتى أدائه ما تجمد فى ذمته لصالح المحكوم له وبنك ناصر الاجتماعي حسب الأحوال».

آلية التنفيذ

ويؤكد إيهاب الأطرش، المحامى بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، أن قرار التصديق قرار عظيم ورائع وأن الرئيس أنصف النساء اللائى لم يستطعن الحصول على نفقتهن ونفقة ابنائهن بعد سنوات طويلة من السعي فى المحاكم وأن معظم القضايا التى تأتى إليه معظمها قضايا نفقة وهو دليل على أنها مشكلة كبيرة سواء للزوجات أو المطلقات وهى عدم إنفاق الزوج على أسرته..ويضيف الأطرش أنه يطالب أن تحتوى اللائحة التنفيذية التى سيتم إصدارها على أن تكون عقوبة الزوج فى حالة حرمانه من الخدمات الحكومية أن يتم إلغاء حصوله على البطاقة التموينية وإيقافها وغيرها من الخدمات الأخرى التي يستفيد منها لإجباره على دفع نفقة أبنائه وزوجته والتي من المفترض التزامه بها شرعًا وقانونًا.

ويرى خالد مختار، محام بالاستئناف العالى ومجلس الدولة، أن إقرار تشديد العقوبات على الممتنعين عن النفقة من القوانين الهامة والإيجابية للغاية، فالنفقة تكون إما زوجية تتحصل عليها المرأة، أو نفقة صغار من الأبناء، أو الأقارب من الأب والأم غير القادرين على الإنفاق على أنفسهم فيكون الابن المقتدر العاكف عن الإصراف عليهما ملزما بدفع النفقة، وبالنظر لهذه الفئات الثلاث فهى أضعف ما يكون، وبالتالى من الضرورى إنصافهم بدلاً من المعاناة التى تصيبهم.

ويضيف أن هناك أمرا هاما يجب الالتفات إليه وهو وضع آلية التنفيذ وتطبيقها، ووضع المحكوم عليهم فى قضايا النفقة ضمن أولويات الضبط، كذلك فيما يتعلق بعمال اليومية فهناك صعوبة فى الاستدلال على اماكن عملهم وبالتالى يستغرق الأمر أوقاتا طويلة فى ظل معاناة الزوجة والأطفال الذين أصبحوا فى أمس الحاجة إلى النفقات وتوفير الاحتياجات الأساسية للحياة.

يقول وليد حسن، محام ومؤسس حملة «اتحاد رجال مصر ضد قانون الأسرة»، إن تغليظ العقوبة على الممتنع عن دفع النفقة أمر جيد للغاية، ولا توجد مشاكل فى هذا الشأن، ولكن نتمنى أن يكون هناك استجابة أيضاً لمطالب الرجال المشروعة.

ويضيف أن الحملة تعانى وتناشد منذ فترة طويلة بوضع حل لمشكلة الرعاية المشتركة، وقانون الرؤية، خاصة المعاناة بسبب طريقة رؤية الأطفال والأماكن التى تتم المقابلة بها، وبالنظر إلى أطراف المشكلة فالرجل عليه التزامات ولكن لديه حقوقا أيضاً يجب الالتفات لها ومراعاتها بشكل عادل، فمن حق الأب المشاركة فى تربية أطفاله.

ويتابع بأنه من حق أسرة الأب أن تراعى وتستقبل الطفل حتى لا يترعرع بعيداً عنهم وبالتالى تقل معرفته وحبه تجاههم، فعلى سبيل المثال لم ير أولادى جدتهم منذ 6 سنوات، فنظراً لظروفها الصحية لا تسطيع الذهاب إلى مكان المقابلة عند الرؤية وهو أمر مؤلم.

ويؤكد مؤسس حملة اتحاد رجال مصر ضد قانون الأسرة، أنه بعد تشديد العقوبة على الممتنع عن دفع النفقة لابد من مراعاة غير القادرين على الدفع عن طريق وضع لجنة أو جهات تحدد بشكل عادل الإمكانيات المادية للرجل.

ويضيف حسن أن بعض المطالب الهامة للحملة التى تطالب بمراعاتها تتمثل فى تفعيل قانون الاستضافة أو الرعاية المشتركة بين الأبوين وعدم حرمان الطفل من أى منهما ومن أهليته، بالإضافة إلى تعديل سن الحضانة للصغار، بحيث تكون 7 سنوات للولد و9 للبنت على أن يقوم الأب بتوفير مسكن للحضانة مناسب فى فترة حضانة الأم أو تحمل جزء من نفقات المسكن فى حالة بقاء الحاضنة بمنزل والدها على ان يتم انتقالهم إلى أبيهم بعد سن الحضانة، واذا تزوجت الأم خلال فترة الحضانة يسلم الطفل لأبيه، فضلاً عن أن تكون الولاية التعليمية للأب وفى حالة غيابه تكون الولاية للجد من ناحية الأب على ان يراعى فى قراراته مصلحة الطفل اما اذا ثبت انه اضر بالابن تنتقل الولاية التعليمية إلى الأم أو الجد للأم ويعاقب اذا كان ذلك بسوء نية بالعقوبة المقررة لجريمة تعريض حدث للخطر.

ويؤكد حسن أن مصر هى الدولة الوحيدة التى يرى الأب أولاده لمدة 3 ساعات فقط فى الأسبوع بأي مركز شباب أو دار أيتام أو ناد اجتماعي.

معالجة العوار

ويعلق حازم الزهيري، منسق حملة «تمرد ضد قانون الأسرة»، أن المتهرب من دفع النفقة يستحق العقاب بالتأكيد، وتشديد العقوبة من القرارات العادلة، ولكن ننتظر أن يتم مراعاة الرجال وحقوقهم العادلة، فهناك آباء حُرموا من أطفالهم وأصبحوا غير قادرين على رؤيتهم، وإذا حدث ذلك يكون لبضع ساعات كل شهر.

ويتابع أنه لابد من معالجة العوار فى قانون الأحوال الشخصية بما يحقق المصالح العادلة لجميع الأطراف، ففي بعض الحالات بالوقت الراهن يتم تحويل مدارس الأطفال من حكومي إلى «انترناشونال» لكي يدفع الأب نفقة كبيرة يمكن أن تكون غير ملائمة لإمكانياته المالية، وهو من الأمور الظالمة التي يجب الانتباه لها.

ويشير إلى أن القانون الحالي يحدد الاختيار بين الأب والأم عند 15 عاماً، فكيف إذن سيختار الأبناء الأب وهم لا يرونه سوى ساعات قليلة فى الشهر.

ويضيف أن الحملة مطالبها ترتكز على خفض سن الحضانة، فضلاً عن تفعيل حق الاستضافة مع إلزام الأم بها، ولا تمانع على الإطلاق فى تحسين النفقات وجعلها عادلة فتكفل الأب بمصاريف أبنائه حق شرعي واجب تنفيذه.