مصر الجديدة :

إحسان عبد القدوس.. معارك الحب والسياسة

إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد

هذا كتاب رائع عن إحسان عبد القدوس للكاتبة زينب عبد الرازق رئيس تحرير مجلة ديوان الأهرام، صادر عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة. تعمدت أن أذكر أنها رئيس تحرير مجلة «ديوان الأهرام» لما لذلك من علاقة بالكتاب، الذى يقف بتأنٍّ عند الغائب أو المنسىّ من حياة إحسان عبد القدوس، فيعيده إلى ذاكرتنا بلغة رائعة تسلب القلب والعقل معا. ورغم أن كلمة الحب تسبق كلمة السياسة بالعنوان، إلا أنه بمجرد دخولك فى الكتاب ترى أنك فى معارك سياسية. ستقرأ عن مولد إحسان عبد القدوس، وكيف نشأ ما بين بيت جده المحافظ، وأبيه الفنان محمد عبد القدوس، وأمه الفنانة فاطمة اليوسف، ثم الصحفية مؤسسة مجلة روزاليوسف، وكيف رغم التناقض بين هذه البيوت، استطاع إحسان أن يشق طريقه خلفه أمه ومعه زوجته التى تزوجها مبكرا رغم رفض الأسرتين فى البداية. مؤثرات أربعة تحددها الكاتبة فى حياة إحسان. الأول ظروف نشأته وكيف حُرم من حضن وحنان الأم فى طفولته، والثانى شخصية الأم الشجاعة التى تحدت تقاليد المجتمع ووقفت على خشبة المسرح، واعتبرها النقاد سارة برنار الشرق، ثم اصدارها لمجلة روزاليوسف، والمؤثر الثالث تذبذبه بين عالمين متناقضين: عالم الشيخ رضوان جده المحافظ، وعالم والدته. والرابع هو مواقفه الوطنية وحبه للوطن والمصريين. والخامس زوجته السيدة لواحظ المهيلمى التى ساندته فى كل المحن، وتحملت كل نزواته. ثم تأتى مؤثرات مثل علاقته بالرئيس عبد الناصر ثم السادات، وأخيرا قصصه ورواياته. وتشغل السياسة بعد ذلك مساحة أكبر، فنعرف كيف تعرض إحسان للسجن قبل ثورة 1952، وكيف تعرض له بعدها إبان أزمة 1954، وكيف تعرض ابنه محمد لذلك فى مرحلة السادات. وكما رفضت أمه أيام الملكية أن تتصل برئيس الوزراء ليفرج عنه، ورفض هو أن يتصل بالسادات ليفرج عن ابنه. كانت دهشته من سجنه عام 1954 وهو الكاتب الذى أيد الثورة وهاجم من قبل الاستعمار وتم سجنه. لقد أدرك بعد سجنه ايام عبد الناصر أن الثورة ليس هى الحكام. تفاصيل كثيرة عن كل الأحداث تعكس الكاتبة ببراعة مدهشة من خلالها كيف كانت الحياة المصرية، وكواليس مرعبة للصحافة تقف عند أهمها من المؤامرات، وكيف بين ذلك كله يكتب إحسان رواياته غير منفصل عن أفكاره عن الحرية؛ الحرية للمرأة فى رواياته أخذت مساحة أكبر، فكانت سببا فى الهجوم عليه واتهامه بالفجور، وتأخر بعض أفلامه أو تغيرت نهايتها، وغير ذلك كثير جدا فى معمل الحياة المصرية الثقافية التى تبدو جميلة بينما تمتلئ بالشرور. ولا ينتهى الكتاب إلا بما هو جديد عن علاقة إحسان بمن قاموا بأدوار سينمائية فى حياته، فاتن حمامة ولبنى عبد العيز ونادية لطفى وسعاد حسنى وغيرهن، وكيف كانت المحبة والفهم والنقاش الجميل بينهم. الكتاب إذن سيرة لكاتب كبير وسيرة لوطن أيضا. فى النهاية تدرك أن إحسان صحفي وسياسي وأديب كان شيئا واحدا تتجلى وجوهه المختلفة، وهذا كان هو الوجه الجميل لإحسان الذى ظلم بعض النقاد أدبه، ولم يدركوا أنه تجلٍّ آخر لإيمانه بالحرية. ورغم ذلك لا تتأخر الكاتبة عن ذكر من أثنوا على أعماله من طه حسين إلى رجاء النقاش وأجيال أخرى بعد ذلك. الحقيقة أنى واحد ممن رأوا ظلما لا معنى له من تفسير بعض الإيديولوجيين لروايات إحسان. فكتابته مهما غلب عليها السرد الصحفى تعكس قضايا كبرى، وإن كان اختار الطريقة السهلة للكتابة فهاك آلاف القراء يحبون ذلك. شكرا جزيلا للكاتبة التى وضعت إحسان عبد القدوس أمامنا حالة مرئية وملموسة صعب أن يتجاوزها الزمن.