فواصل

الأردن.... الجغرافيا الظالمة...!! ٢/٢

أسامة عجاج
أسامة عجاج

توقفنا فى المقال السابق عند رؤية الاردن لازمات المنطقة، من خلال الخطاب الذى القاه جلالة الملك عبدالله الثانى بن الحسين امام البرلمان الأوربى،كما رصدنا التحديات التى تواجه الاردن، نتيجة موقعه الجغرافي، الذى يدفع ثمنه ازمات تتعلق بأمنه واستقراره، بل وجوده نفسه،ونستكمل هنا ثلاث نماذج من تلك الأزمات،الاول تتعلق بتداعيات الصراع العربى الاسرائيلي، وفِى القلب منها القضية الفلسطينية، والجوار مع اسرائيل، والثانية الازمة السورية التى دخلت عامها التاسع،والثالث تداعيات الصراع المفتوح بين ايران وأمريكا، والذى يتفاقم فى الساحة العراقية ناهيك أيضا على الاراضى السورية،وهما الأقرب جغرافيا إلى الاردن.
ورغم التوصل إلى اتفاقية عربة للسلام بين الاردن واسرائيل فى اكتوبر 1994، وهى ككل الاتفاقيات العربية الاسرائيلية «حمالة أوجه « تحتمل اكثر من تفسير وتأويل من طرفيها، وقد يكون ذلك وراء المشاكل المستمرة بين البلدين الاردن واسرائيل، وسنتوقف هنا عن آخرها،والتى تتعلق بالوعد الذى قطعه نتنياهوعلى نفسه، عشية الانتخابات الاخيرة فى سبتمبر الماضي، فى محاولة لتعزيز فرص نجاحه، بإعلان السيادة الاسرائيلية على الاغوار وشمال البحر الميت، اذا تم انتخابه، وذلك بالتنسيق الكامل مع الرئيس الامريكى ترامب، وقد فوجئ الاردن بالتصريح،، وكان بمثابة «القشّة التى قصمت ظهر البعير»، ودخلت العلاقات بين عمان وتل ابيب «نفق مظلم « وصل إلى درجة ان الملك عبدالله الثانى ناقش مع كبار مستشاريه عددا من السيناريوهات، فى مقدمتها طرد السفير الاسرائيلى وخفض مستوى العلاقات إلى أدنى درجة، ولكن تم التوصل إلى ضرورة تجاهل تصريحات نتنياهو، وتفويت الفرصة عليه لاستخدامها كورقة انتخابية.
ماسبق جزء من مشاكل متراكمة،دفعت الاردن فى العام قبل الماضي، إلى عدم تجديد الاتفاقية الخاصة بتأجير منطقتى الباقورة والغمر، وتطبيق البند الموجود فى ملحق اتفاق السلام، والمعروف بـ «اتفاق وادى عربة»، والقاضى بإمكانية استرجاع الباقورة والغمر للسيادة الأردنيّة، بعد انتهاء فترة الإيجار المستمرة منذ 25 عاما، يتِّم إجراء مفاوضاتٍ سياسيّةٍ بين الطرفين، وحتى الآن لم يتم التوصل إلى اى نتائج، بل أغلق الاردن اى أبواب للتفاوض حول الامر، خاصة بعد زيارة الملك لتلك المناطق، مرتديا زيه العسكري، معتبرا أنها «مناطق محررة»، ناهيك عن محاولة سلب الاردن حقه التاريخى من قبل اسرائيل بالاشراف على المناطق الاسلامية فى مدينة القدس، والتى تتعامل اسرائيل وترامب على انها عاصمة موحدة لاسرائيل، فى تغيب كامل للوجود الأردنى وبالطبع الفلسطينى.
ونتوقف عند التحدى الثاني، وهو تبعات الازمة السورية، حيث وجد كثير من السوريين فى الاردن مكانا آمنا للجوء، حتى وصل عددهم إلى حوالى ١،٣ مليون، يحتاجون نحو ٢،٤ مليار دولار لدعم متطلبات وجودهم، وهناك عجز شديد فى الأموال التى توفرها عدد من الدول والمنظمات الدولية المانحة، يصل إلى ٨٩٦ مليونا، والتى تغطى فقط ما نسبته ٤٢ بالمئة، بينما يتم تمويل الفرق وهو اكثر من النصف، من موازنة الحكومة الاردنية التى تعانى من ازمات اقتصادية، لعدة اسباب منها ارتفاع إعداد اللاجئين من جهة، وتدنى حجم الدعم الذى كان يتلقاه الاردن من دول الخليج، ومع ذلك فالاردن يرفع شعار العودة الطوعية للاجئين السوريين دون إجبارهم على المغادرة.
ويتخوف الاردن «ثالثا» من تصعيد فى الصراع الأمريكى الايرانى، حيث يقع فى عمق الأزمة، وأى تطوّر فى الحدود الشرقية مع العراق، أو الشمالية مع سورية، بسبب التهوّر من واشنطن او طهران والذى سيكون مكْلفاً على صعيد الأردن وأمنه واستقراره، خاصة وانه ينذر بعودة الخلايا النائمة من تنظيم داعش واستئناف نشاطه الدموى بشكل أكثر تطرفاً وعداءً، مما دفع الاردن إلى الابقاء على قواته الأمنية والمسلحة فى حالة استنفار قصوي، على الحدود المشتركة مع العراق وسوريا، ويحاول الاردن الاستقواء بجيرانه، عبر جهوده فى استعادة العراق إلى الحضن العربي، من خلال التنسيق الثلاثى بين مصر والعراق والاردن، عبر قمة فى الصيف الماضي، والاعداد للقاءات جديدة خلال الفترة القادمة على كافة المستويات.