من باب العتب

شاكوش والذين معه

د. محمود عطية
د. محمود عطية

ليس اكتشافا أن الأسواق دائما تعج بسلع تناسب أذواق معاصريها من البشر.. والإنسان أسير ما يحب ويشتهى.. فلا يمكن مثلا طرح سلع فى الأسواق لا تناسب ناسها أو عصرها وإلا بارت السلع وانصرف عنها المشترون وأفلس التجار.. وهناك من يزيد على ذلك قائلا: إن من لا تعجبه السلع لا أحد يجبره أن يشتريها وعليه البحث عما يناسب ذوقه وطبيعته.. وتطبق القاعدة السابقة أيضا على سوق الغناء فقد امتلأ ببضاعة تسمى موسيقى وغناء المهرجانات وليس غريبا أن تجد لها زبونا أقصد مستمعا وهم كثر.. وليس فى المناطق الشعبية فقط كما يدعى البعض بل فى أرقى المناطق السياحية والفنادق والأندية والأفراح تجد موسيقى وغناء المهرجانات وتجد من يرددها ويحفظها عن ظهر قلب.. وموسيقى وغناء المهرجانات وجدت مستمعا تم إعداده على مهل بداية من تراخى وجهل العديد من الأسر بتربية أبنائها وتركهم لآليات السوق مع تنوع المؤسسات التعليمية "دينية ومحلية ودولية" وكل له برنامج خاص وتفرز لنا خريجين مختلفى الأهواء والانتماءات فمن السهل أن يصبحوا زبائن مستعدين لسماع أى شىء وكل شىء دون فرز فى ظل غياب الذوق الناقد لديهم ودور غير مؤثر لقصور الثقافة.. ورفع لافتة وزارة ثقافة ولا نشعر بوقع أقدامها على أرض الثقافة.. اللهم إلا بعض المهرجانات.


والهيئة التى يبدو عليها الشارع المصرى من غياب شكل حضارى يتسع للنشاطات الإنسانية المنظمة يترك انطباعا بأن كل شىء مباح.. بداية من سرقة الأرصفة لصالح رواد المقاهى إلى سيطرة السايس على ما تبقى من الرصيف وتغول مركبات أشبه بالخنفساء المتحركة "توك توك" يقودها أطفال دون العاشرة بلا رخصة قيادة أو مركبة ويساندها فى ذلك الميكروباصات التى بات يعتمد عليها الكثيرون يخضعون لأوامر الفتوة الذى يقودها.. وباتت تلك المركبات بوقا دعائيا لموسيقى المهرجانات تنشر تلوثا سمعيا لا راد لقضائه.


فلا ننتظر وسط هذا الفراغ التعليمى والثقافى وهرجلة الشارع سوى موسيقى المهرجانات.. وما يدعو للعجب أن يتصور نقيب الموسيقيين أن منع تصاريح الغناء للمهرجانات ينهيها.. كأنه لا يقرأ التاريخ ليدرك أن أسلوب المنع باء بالفشل على مر العصور.. فما بالك ونحن فى القرن الواحد والعشرين ووسائل التواصل الاجتماعى باتت ملكا للجميع تلبى رغباتهم وتأخذ منهم ويأخذون منها ولا منع ولا حرج وفيها كل شىء من يغنى مهرجانات وغير مهرجانات ومتاح لأى فرد الاستماع إليهم ولا تملك قوة فى الأرض الوقوف أمام التطور المذهل فى وسائل الاتصال وما تبثه من غث وسمين..!


وشاكوش والذين معه من مغنى المهرجانات ليسوا نبتا شيطانيا فهم إفراز طبيعى لبيئة تخطت كل الخطوط الحمراء حتى يغنى للخمور والحشيش ويصل على التريند مستويات لم يصلها مغنون لهم سنوات طويلة فى الغناء.. ولم يعد اسم المغنى يصل للأذن كنغمة موسيقية.. لاحظ حاليا أسماء مغنى المهرجانات معظمها تبدو صادمة للأذن على شاكلة شاكوش وحمو واوكا!


لا نجاة لنا سوى باهتمام الحكومات بصناعة الثقافة عبر وسائلها المختلفة وعودة دور المدرسة والفنون الراقية المختلفة للارتقاء بذوق الناس.. بذلك نحجم الفن الهابط سواء مهرجانات أو أشباه مهرجانات من المدعين.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي