بالشمع الأحمر

حرب النسكافيه !

إيهاب الحضرى
إيهاب الحضرى

تنجح المنشورات مجهولة الهوية عادة فى اجتذابى، فرغم أن سطحيتها تستفزنى إلا أن التعليقات المُسيّلة للدهشة تستحق التوقف أمامها، بهشاشة منطقها التى تجعلها أشبه بخزعبلات إلكترونية. تُذكرنى بالأسلوب نفسه الذى كنا نتداول به حكايات العفاريت فى طفولتنا، عن طريق النقل بلا تفكير، وهكذا احتفظنا بعقليتنا القاصرة ذاتها، حتى ونحن نستعمل أكثر أشكال التكنولوجيا تطورا. وخلال الأيام الماضية اجتذبتنى الأحاديث عن «قنابل كورونا» و»مؤامرة النسكافيه»!!
فى إطار رعب العالم من المارد العربى، نسخ أحدهم منشورا، وطرحه بإحدى مجموعات «فيس بوك». أكدت كاتبة المنشور أن الغرب يقوم بتصنيع منتجات لا هدف منها سوى الإضرار بالعرب فقط. لم تكن تقصد الأسلحة الفتّاكة، ولا القنابل البيولوجية، بل تحدثتْ عن سلاح أشد تأثيرا وأكثر فتكا، فقد اكتشفت خلال زيارتها لأمريكا السر الأعظم: «اندهشت جدا أنهم ما بيشربوش نسكافيه»!! وارتدت معطف شرلوك هولمز، وبدأت تبحث وراء التفاصيل. سألتْ صديقة أمريكية عن أسباب خلو منزلها منه، فأكدتْ أن وزارة الصحة تحذر منه دائما لأنه أحد المُسببات الأساسية للسرطان، وأضافت: «معروف أنه معمول للعرب فقط»! ولأن كاتبة المنشور تسعى وراء الحقيقة فقط، فقد ضربتْ بكلام صديقتها عرض الحائط، وبدأتْ رحلة البحث عن المشروب الفتاك فى المحال الكبرى، ووجدت كل أنواع القهوة لكنها لم تعثر على النسكافيه! كررت الباحثة الدءوب التجربة فى زيارة تالية لأمريكا، فانتهت إلى النتيجة ذاتها، وأخبرها أصدقاء مصريون بأنه يسبب السرطان، وطلبوا منها البحث على محرك «جوجل» للتعرف على أضراره، وبمجرد تأكدها من تأثيراته المدمرة، لم تكتف بمقاطعته بل قررت فضح المؤامرة الأمريكية.
بتلقائية انتقلتُ إلى السيد جوجل، كى أستشيره فى أمر هذه الكارثة. عثرتُ كالعادة على موضوعات تُحذّر من مخاطر النسكافيه وأخرى تُعدد فوائده. بعدها بساعات فاجأنى المنشور نفسه فى مجموعة أخرى. أعاد أحدهم نسخه بلا أدنى محاولة للتساؤل عن تلك الكاتبة الغامضة، التى لم تكتب اسمها على المنشور الأصلى، ربما خوفا من أن تستهدفها المخابرات الأمريكية لتمنع فضح المؤامرة! المهم أن التعليقات عليه تزايدت بشكل مُبالغ فيه، وتفاوتت بين الجدية والسخرية، وأكد البعض أنهم يقيمون فى أمريكا وأن المشروب موجود فى كل المحال، بل وأورد آخرون صورا لقوائم معروضات هذه المحال كى يثبتوا صحة كلامهم. ثارت مناوشات كلامية خفيفة بين مؤيدى المضمون ومعارضيه، وتحلى الأخيرون بمنطق موضوعى، تفتقر إليه عادة وسائل التواصل الاجتماعى، مما منحنى شعورا بأنهم عملاء سريون لشركات إنتاج النسكافيه!
فى الوقت نفسه تلقّف البعض تحليلات مجهولة الهوية تفضح مؤامرة أخرى، وتؤكد أن واشنطن تشن حربا بيولوجية ضد بكين باستخدام فيروس «كورونا»، لعرقلة نمو الصين الاقتصادى، الذى يهدد بالتهام القوى الرأسمالية الكبرى، وهو تحليل كنت سأحترمه لو كان وليد فكر من أعاد نشره، لكن المشكلة أن معظم ناقلى «البوستات» يكتفون بالاستسلام للأفكار الوافدة من الفضاء الخارجى لحساباتهم، فاحتفى بعضهم فى المقابل بصور «شوربة الوطاويط» وزعموا أن «رمرمة» الصينيين وراء الوباء الذى يجتاح العالم، دون أن يُفكر أحدهم أن نمط غذاء أهل الصين لم يتغير عبر مئات السنين، فكيف يتسبب فجأة فى انتشار مرض بهذه الخطورة؟!
تعامل البعض مع الحالتين إذن باعتبارهما استهدافا أمريكيا للقوى المناوئة، باستخدام سلاح يتناسب مع قوة كل طرف، فكان نصيبنا مجرد مشروب! ولم يكترث هؤلاء بصفقة القرن، الأكثر تعبيرا عن نظرية المؤامرة، ربما لأن الكتاب الغامضين لم ينتبهوا لتفاصيلها، فى غمرة انشغالهم بمعركة النسكافيه!!