حوار| مكتشف كورونا الشرق الأوسط: البشرية تواجه نوعاً جديداً من الأوبئة والفيروسات بلا علاج

مكتشف كورونا الشرق الأوسط مع محرر بوابة اخبار اليوم
مكتشف كورونا الشرق الأوسط مع محرر بوابة اخبار اليوم

 

- "السارس" أول فيروس خطير من مجموعة "كورونا" يصيب البشرية

- الخفافيش هي المصدر الرئيسي لفيروس "كورونا".. ومناعتها تحميها من الإصابة والموت

- أعراض "كورونا" والأنفلونزا تتشابه.. والفحوصات المخبرية فقط تفرق بينهما

- اكتشفت "كورونا" الشرق الأوسط قبل الوباء.. والإبل كانت مصدر الإصابة

- خطورة الفيروس الجديد في سرعة وسهولة انتشاره

- أكل القطط والخفافيش في الصين سبب انتشار الوباء


- ظاهرة الـ"super spreaders" تساهم في الانتشار الواسع للمرض

- الصين بذلت مجهودًا جبارًا واكتشفت الفيروس خلال أسبوع

- اكتشاف علاج للفيروس الجديد يحتاج الكثير من الوقت.. ويرتبط بخطط علمية محددة

- حتى الآن لا يوجد علاج للفيروسات إلا القليل

- الفيروسات يمكن الشفاء منها بدون علاج.. وسارس انتهى بإجراءات لمكافحة العدوى

- البشرية تواجه نوعا جديدًا من الأوبئة والفيروسات بلا علاج

- غسل اليدين ورفع الوعي الصحي للمواطنين أهم إجراءات الوقاية
 

رعب اجتاح العالم خلال الشهرين الماضيين، بمجرد الإعلان عن انتشار فيروس "كورونا الجديد" في مدينة ووهان الصينية، وما أن بدأ الإعلان عن ارتفاع نسب الإصابة والوفيات وظهور حالات في العديد من دول العالم، إلا وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن تفشي الفيروس يشكل حالة طوارئ صحية تثير قلقًا دوليًا.

 ومع تصاعد المخاوف عالميًا، لا تزال الكثير من الأسئلة تُطرح حول الفيروس الجديد، بداية من مصدره وأعراضه وحتى طرق الوقاية منه؛ خاصة في الوقت الذي لم يتم التوصل إلى علاج فعال له، ومن هنا كان هذا الحوار مع البروفيسور المصري د. علي محمد زكي، الأستاذ بقسم الميكروبيولجي الطبي بكلية طب عين شمس، ومكتشف الجيل السادس من "كورونا" في السعودية عام 2012، وأطلق عليه -آنذاك- فيروس كورونا الشرق الأوسط (MERS-CoV).

"بوابة أخبار اليوم" طرحت الكثير من الأسئلة على البروفيسور المصري، للتعرف عن قرب على طبيعة "كورونا" وبداية ظهوره، ومدى خطورة الفيروس الجديد، وكذلك حقيقة الشائعات التي تروج حوله وما إذا كان بالفعل من إنتاج بشري كما روج البعض.. والكثير من التفاصيل الأخرى، وإلى نص الحوار:

 

- في البداية.. ما هو فيروس كورونا؟

الكورونا مجموعة من الفيروسات اشتقت اسمها من شكلها تحت المجهر الإلكتروني، فهي مستديرة ويخرج من سطحها بروز تشبه الجواهر وكأنها "تاج"، ومن هنا اشتق اسمها والذي يعني باللاتينة "التاج أو الهالة".

هذه المجموعة من الفيروسات التاجية أو "الكورونا فيروس"، تسبب الكثير من الأمراض للحيوانات، لكن 6 منها فقط هي التي تصيب الإنسان، وما ظهر مؤخرًا في ووهان الصينية هو السابع.

وقبل 2003 لم يكن معروف من تلك الفيروسات التي تصيب الإنسان غير نوعين فقط، هما "OC43، و229E"، وكانا يسببان نزلات برد للبشر، إلى أن ظهرت في نوفمبر 2002 حالات إصابة بالتهاب رئوي حاد في مقاطعة "جواندونج" الصينية، ولم يعرف السبب إلا في أبريل 2003 أي بعد نحو 6 أشهر، وهو فيروس جديد من مجموعة الكورونا أطلق عليه "سارس فيروس"، ليبدأ العلماء في الاهتمام بتلك المجموعة من الفيروسات.

- إذن سارس هو كورونا.. أم هناك اختلاف بينهما؟

السارس فيروس هو جزء من عائلة فيروسات كورونا، وتحديدًا "Beta Corona Virus"، التي تصيب الإنسان، وهذه المجموعة تتضمن "السارس"، و"كورونا Mers" أو ما يعرف بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية الفيروسية، والذي اكتشفته في السعودية عام 2012، وأخيرًا فيروس "كورونا 2019"، والذي ظهر في ووهان الصينية قبل نحو شهرين.

وبلغت نسب الوفيات به 10% من إجمالي عدد المصابين، فهو أول فيروس خطير من مجموعة كورونا يصيب البشرية، وانتهى الوباء في 2003، بحسب ما أعلنت منظمة الصحة العالمية بدون علاج أو أمصال، فقط باتباع إجراءات مكافحة العدوى في المستشفيات بداية من ارتداء الكمامات، وغسل الأيدي، وعزل المصابين.

ومنذ هذا الوقت لم يتوقف العلماء على دراسة الفيروس، والذي اكتُشف أن مصدره سوق للحيوانات البرية الحية في "جواندونج"، بالضبط مثل سوق "ووهان" مصدر الفيروس المستجد، وبعض هذه الحيوانات كالقطط تعمل كوسيط لنقل الفيروس للإنسان من الخفافيش، وهي المصدر الأصلي لفيروس كورونا.

- لماذا الخفافيش تحديدًا هي مصدر الأوبئة؟


لأن الخفافيش لديها قدرة على التكيف مع الفيروس، بحيث يستوطن داخلها وينتقل منها لحيوانات أخرى أو حتى للإنسان، وهي لا تتأثر به أو يتسبب في موتها، حيث يظل الفيروس في دمها أو يحمله لعابها دون تأثير عليها، ويختلف جهاز المناعة لدى الخفاش عن الإنسان فيسمح له بإفراز كمية من المواد المضادة للفيروسات تحميه وفي ذات الوقت يظل الفيروس مستوطنًا داخله.

- وما مدى صحة انتشار الفيروس الجديد بسبب "حساء الخفافيش"؟

لا أعتقد ذلك، فالفيروس يحتاج إلى بيئة معينة للانتقال إما عن طريق التعامل المباشر من الإنسان، أو حتى دم الحيوان عند ذبحه، ولكن بمجرد تعرض أي نوع لحم للطهي تٌقتل الفيروسات، ومياه الحساء تتعرض للغليان وبالتالي لا سبيل لبقاء الفيروس.

 

- تتشابه بعض أعراض الكورونا مع الأنفلونزا الموسمية.. كيف يفرق المريض بينهما؟

هناك اختلاف كبير بين الكورونا والأنفلونزا، فكل منهما فيروس ينتمي لمجموعة مختلفة عن الأخرى، وأعراض كلاهما يكون في إصابة الجهاز التنفسي، بالرشح والزكام وارتفاع درجة الحرارة، وفي الحالات المتطورة من الأنفلونزا قد يصاب المريض بالتهاب رئوي، وهو يصيب أيضًا مصابي "كورونا"، ولكن لا يمكن التفريق بينهما إطلاقًا بالصورة الإكلينيكة، فقط الفحوصات المخبرية ببساطة "لازم عينة وتحليل".

- ومتى وأين تم اكتشاف فيروس كورونا عالميًا؟

بحسب دراسة "الساعة الوراثية" للفيروس، فإن عائلة "الكورونا" مكتشفة قبل نحو 8 قرون، وتحديدًا في عام 1200م، ولكن بدأ التعرف عليها كفيروسات من ستينيات القرن الماضي، مع البحث عن مسببات نزلات البرد في إنجلترا، وكانت في أغلبها فيروسات بسيطة يقتصر تأثيرها على بعض الرشح عند الإنسان.


- حدثنا عن تفاصيل اكتشافكم لفيروس "كورونا" الشرق الأوسط أو "كورونا Mers

في 2012 كنت أعمل في مستشفى سليمان فقيه بالسعودية، وحضرت حالة لمريض يبلغ من العمر 60 عامًا، مصاب بالتهاب رئوي حاد، وأجريت العديد من الاختبارات للتعرف على الفيروس المصاب به، وأرسلت العينات لمعمل في هولندا، واكتشفت إصابته بنوع جديد من فيروسات كورونا، أُطلق عليه "كورونا MERS"، وكان مصدره الإبل، وهو كان اكتشاف للفيروس قبل الوباء، بعكس السارس وكورونا المستجد فتم اكتشافهما بعد الوباء، وتعددت الإصابات  والوفيات بـ"كورونا Mers" وقتها في دول الخليج.


- إلى أي مدى قد تصل خطورة الفيروس الجديد؟

حتى الآن وصلت نسبة الوفيات به لـ2% من إجمالي الإصابات، وخطورة هذا الفيروس في سرعة وسهولة انتشاره، فهو قادر على اختراق خلايا الإنسان بسهولة، فضلا عن قدرته على التكاثر بسرعة داخل الخلية.
 

- لماذا الصين هي مصدر الأوبئة العالمية.. بداية من سارس وحتى كورونا؟

ثقافة البشر وحياتهم هي التي تؤثر على انتشار الفيروسات، والصينيون يلجئون كثيرًا للمناطق البرية لاصطياد الحيوانات كالقطط والخفافيش وينقلوها إلى المدينة بفيروساتها، ويتناولونها كوجبات غذائية، بحسب عاداتهم، وإذا لم يحدث ذلك ما كان لتلك الفيروسات سواء سارس أو كورونا أن تنتقل إلى الإنسان من الأساس، والحال نفسه ينطبق على أفريقيا عند اللجوء إلى لحوم حيوانات الغابات "الطرائد" انتشر فيروس "الإيبولا" ومصدره هو الآخر الخفاش.

- البعض قال إن الفيروس الجديد جزء من حرب بيولوجية.. ما مدى صحة ذلك برأيك؟

الحرب البيولوجية موجودة، بمعنى القدرة على إنتاج الفيروسات، وعلى سبيل المثال كانت أول خطوة عمل عليها العلماء بعد "السارس" هي بحثهم في الخفافيش؛ بعدما تيقنوا أنها سبب الإصابة به، على أي فيروس يمكن أن يصيب الإنسان، وبدؤوا بالفعل لفترة في الحصول على عينات من الخفافيش الميتة ويستخرجون منها "الحمض النووي"، ولم يتوقفوا عند هذا الحد بل بدؤوا في فك شفرته والحصول على فيروسات حية يمكنها التكاثر وهو ما يطلق عليه "revers genetic" وهو ما يعني الحصول على فيروسات حية من أحماض نووية ميتة عبر تمريرها في خلايا، وبالفعل حصلوا على كميات كبيرة جدًا، ومن الممكن بعد استخلاص الفيروس تجربته على حيوان.

- في 2017 حذر علماء من تسرب فيروسي شبيه بالالتهاب الرئوي الحاد من المختبر الوطني للسلامة البيولوجية في ووهان.. هل الفيروس الجديد قد يكون من إنتاج بشري؟

بالتطور الجديد ممكن، ومع إصابة الإنسان بفيروسات من الحيوانات البرية، بدأ بالفعل هذا المختبر وغيره في أمريكا في الذهاب إلى المناطق البرية بغرض البحث عن الفيروسات التي قد تهدد الإنسان للتحذير منها، ومن بين تلك الفيروسات المعزولة في معهد الفيروسات في ووهان كان فيروس أطلقوا عليه "Sars Related"، وبعد انتشار "كورونا الجديد" وجد العلماء أن شفرته تشبهه –الفيروس المعزول في فبراير 2017- بنسبة 96%، وتتشابه مع "سارس" الأصلي بنسبة 80%؛ ولكن لا يمكنني الجزم ما إذا كانا نفس الفيروس أم لا.

- وهل إغلاق سوق ووهان حاليًا سيحد من انتشار المرض؟

إغلاق السوق حاليًا بلا قيمة، ولن يؤثر على انتشار الفيروس من عدمه، لأن الفيروس انتقل بالفعل من الحيوان إلى الإنسان، فالحيوان كان مجرد وسيط لنقل المرض، وانتقال العدوى أصبحت من إنسان لإنسان مباشرة.

- وما سبب الانتشار السريع للفيروسات حاليا وفي مدة قصيرة؟

سهولة تنقل الإنسان بين الدول بالتأكيد تساهم في نشر الفيروسات، فمثلا من الممكن أن يصاب أحد الأشخاص بعدوى في الصين، ثم ينتقل إلى بلد أخرى كأمريكا على سبيل المثال وتظهر عليه الأعراض هناك.

أضف إلى ذلك أن هناك ظاهرة يطلق عليه العلماء "
super spreaders" وكانت منتشرة أيام الإصابة بـ"السارس" و"كورونا Mers"وموجود حاليًا في "كورونا الجديد"، وتعني أن مريضًا واحدًا يمكنه نشر كمية كبيرة جدًا من الفيروس عبر الرذاذ، فيمكن أن تصل العدوى من شخص واحد فقط إلى 40 آخرين.. وهكذا تنتقل العدوى للمئات.

- كيف ترى تعامل الصين مع الفيروس الجديد مقارنة بما حدث مع "سارس فيروس".. من حيث سرعة الاكتشاف؟

أيام "السارس فيروس" كانت كل المعامل التي تحلل العينات في أوروبا وأمريكا، وكانت الصين تتخذ مقعد المتفرج، ولكنها بذلت مجهودًا جبارًا، وأصبح لديها الآن تجهيزًا كاملاً بفريق من العلماء والإمكانيات الضخمة، ما مكنها من تشخيص الفيروس الجديد خلال أسبوع تقريبًا، فكوا شفرته بالكامل، وتمكنوا من إجراء اختبار لتحليل المرضى.

- لماذا لم يتم اكتشاف مصل أو دواء للمرض حتى الآن.. وهل الأمر بهذه الصعوبة؟

ليس صعبًا خاصة مع التكنولوجيا الحديثة، وإنما بحاجة للكثير من الوقت، لأن التوصل إلى علاج أو مصل له برنامج أو خطة علمية محددة لابد من اتباعها، بداية من الاختبارات المعملية، واختباره على الحيوانات ثم الانتقال إلى حيوانات أكبر حجمًا، وبعدها اختباره على عدد محدود من المرضى ثم تبدأ الدائرة في الاتساع، إلى أن يتم التأكد من فاعلية الدواء ويصبح متداولاً للعلاج.

- هل تواجه البشرية نوعا جديدًا من الأوبئة والفيروسات التي لا علاج لها؟

بالتأكيد.. وحتى الآن لا يوجد علاج للفيروسات إلا القليل وبعضها لها أمصال، ففيروس "سارس" -كما أشرت سابقًا- انتهى بدون علاج أو أمصال، ولكن باتباع إجراءات مكافحة العدوى، والأوبئة التي تظهر مؤخرًا تكون من فيروس جديد، لا يقدر الجهاز المناعي للإنسان على مقاومته، ولا يعرف لها علاج أو مصل، وفي الصين بدؤوا التفكير في التخلي عن أكل الحيوانات البرية باعتبارها مصدر الفيروسات الجديدة.

- أخيرًا.. ما هي طرق الوقاية من الفيروس الجديد؟

لابد من رفع الوعي الصحي لدى المواطنين، وتكون طرق الوقاية بإجراءات النظافة، من غسل اليدين وهو مهم للغاية، وتجنب الأماكن المزدحمة، واستخدام الكمامات كوقاية شخصية فهي تحمي من الإصابة حتى ولو بنسبة 40% كحد أدنى، على الأقل حماية من الرذاذ الذي يحمل الكثير من الفيروسات، ومن المهم أيضًا استخدام مناديل عند العطس أو الكحة وإلقائها في سلة مهملات، فضلا عن استشارة الطبيب بالتأكيد عند الشعور بالتعب.