الطب النفسي.. بيزنس «اللـعب بـالعقول»

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

 

«مريض نفسى» هذا اللقب الذى يتبعه حالة ذعر وإرتباك فور إطلاقه رغم أنه تشخيص يشبه مريض القلب أو مريض الكلى، ولكن المريض النفسى هو الوحيد الذى يخفى مرضه خشية المجتمع والناس، ليس هذا فقط بل إنه بمجرد الإفصاح عن مرضه فقد وقع فى براثن فوضى العلاج التى لن ترحمه، فبعد أن أدرك المزيد من بشاعة العالم التى أفقدته إدراكه، عليه أن يخوض رحلة شاقة فى علاجه والذى بالطبع يحدده مستواه الاجتماعى، فإن كان فقيرا فقد وقع فريسة لقوائم الانتظار الحكومي، وإن كان ثريا إما أن يتجه لمصحات «بير السلم» التى يديرها غير متخصصين، أو أن يذهب للمصحات الخاصة المرخصة التى تتخطى تكلفتها 60 ألف جنيه للإقامة فقط دون مصروفات العلاج التى تتخطى سعر الإقامة فى أحيان كثيرة.. الأزمة ليست فردية أو لا تتمتع بالأهمية البالغة بل هى مأساة يعيشها أكثر من 25% من المواطنين حسب الإحصائيات الأخيرة للأمانة العامة للصحة النفسية.

 

«الأخبار» تفتح ملف معاناة المرضى النفسيين وتناقش محاور الأزمة من المستشفيات الحكومية والمصحات الخاصة والمصحات غير المرخصة، وكذلك آراء الأطباء فى الأزمة والخبراء فى تحسين الثقافة المجتمعية.

 

عيادات «بير السلم» يديرها خريجو أقسام علم النفس والمتعافون من الإدمان

بدأت جولتنا من مستشفى العباسية حيث إنه الأكثر شهرة فى مجال الطب النفسى كما أنه أكبر مستشفى لعلاج الأمراض النفسية والعصبية فى مصر، يتسم هذا المستشفى برهبة خاصة قد لا تجدها فى أى مستشفى آخر، فهو ذو طبيعة مختلفة وربما تكون مخيفة للبعض، وذلك لما رسمته السينما المصرية فى العديد من أفلامها التى رسخت فى أذهان الكثيرين عن هؤلاء المساكين بأنهم إما مجرمون أو بلطجية أو سارقون لما لا يحق لهم وذلك فى اللاوعى نتيجة للمرض النفسى الذى يجعلهم لا يدركون تصرفاتهم، وينتهى بهم الحال أخيرا لأن يكونوا ساكنين لهذا الكيان الذى يعرفونه بـ «مستشفى المجانين» ولذلك فهذا المستشفى يخشاه هؤلاء الذين يتعاملون مع المرضى النفسيين على أنهم يتفننون فى إيذاء البشر، بالرغم من أنهم هم الفئة الأكثر معاناة من الأذى على الإطلاق، وهو ما أودى بهم لظلمة المرض النفسي.

 

المشهد من داخل مستشفى العباسية يوحى بالربكة، فمنذ أن خطت أقدامنا أبواب المستشفى، ودخلنا إلى عالمهم وتشعر أن كل ما حولك يربكك، زحام على البوابات وزحام أمام العيادات الخارجية، زحام فى أماكن الانتظار، وربكة شديدة فى أماكن الزيارات، لم تكن الجولة الأولى لنا فى مستشفى العباسية، ولكنها الأولى فى العيادات الخارجية للمستشفى، فقد كنا من قبل نمر مرور الكرام على العيادات الخارجية، ويكون التركيز الأكبر على عنابر المرضى وأماكنهم، أما فى هذه الجولة فقد قررنا التعايش مع المرضى فى تجربة الكشف بالعيادات الخارجية، لمعرفة مدى تردد المواطنين على هذه العيادات، ومدى استفادتهم من هذه العيادات، وما إن كانت هذه العيادات تقدم خدمة حقيقية، أم أنها أحبار على ورق، وعروض يدعمها الإعلام ولا أساس لها من الصحة، وبالفعل كشفت لنا هذه الجولة عن وجود بعض العيادات التى تشهد إقبالا كبيرا من المواطنين، وأخرى رغم الترويج الشديد الذى شهدته عبر العديد من مواقع التواصل الاجتماعى والكتابات الإعلامية بالصحف والمواقع إلا أننا اكتشفنا من خلال تجربة واقعية أنها لا وجود لها من الأساس.

 

البداية كانت من «عيادة واحة» هذه العيادة التى تختص بعلاج الكبار وكذلك الأطفال الذين تعرضو لاعتداءات شديدة كونت لديهم أمراضا نفسية مستعصية، الوقت الذى قمنا فيه بالزيارة كانت العيادة فى قمة ازدحامها، ربما كان الأمر يبدو مأسويا فى ظاهره، ولكنه يحمل فى باطنه نورا خفيا، وهو أن الكثيرين استطاعو أن ينفضوا وصمة المرض النفسى التى سيطرت علينا لمدة سنوات طويلة نتيجة للصورة التى رسمتها السينما المصرية والتى صدق عليها المجتمع، حتى أصبح المرض النفسى يتخفى، بل وينكر أهله المرض حتى لا ينكره المجتمع! وبالتالى فقد أصبح العلاج من المستحيلات أو أنه لا يجوزالإفصاح به، فإما أن يكون بالخفاء أو لا يكون من الأساس، الأمر الذى منح المترددين من الفئات البسيطة على هذه العيادات بصيصا من الأمل بأن المجتمع أصبح أكثر وعيا ودراية بخطورة المرض النفسى وبضرورة العلاج وأهميته.

 

والمشاهد الأبرز أيضا هى اصطحاب الأطفال والمراهقين للكشف فى هذه العيادات التى كان التشخيص الأغلب بها هى الاكتئاب لدى المراهقين وفرط الحركة لدى الأطفال، وهذا حسب تشخيص طبيب العيادة المشرف حينها، دخلنا العيادة وسط المرضى بهدوء حاولنا الاندساس وسط صفوفهم، كان بعضهم يشكو الانتظار، وبعضهم يشكو الزحام، وآخرون يشكون تأخر الأطباء، ولكن الخدمة المقدمة مقارنة بأنها مجانية تقريبا فهى تعتبر معقولة جدا، فقد تقدر قيمة الكشف فى جميع العيادات بجنيه واحد فقط، ولكن المشكلة فى أعداد قوائم الانتظار التى لا تنتهي.. وانتقالا للعيادة الثانية وهى عيادة «بيت شمس» التى تخصصت فى الكشف على الأطفال من سن ثلاث سنوات إلى سن 16 سنة، وتميزت هذه العيادة بحديقة لطيفة بها بعض ألعاب الأطفال وبعض اللوحات التى توجه الأطفال لسلوكيات حميدة، تبدأ هذه العيادة عملها منذ التاسعة صباحا وتنتهى الساعة الواحدة ظهرا

 

لا تعمل!

أما عيادة الإقلاع عن التدخين التى ذاع صيتها مؤخرا على مواقع السوشيال ميديا، والتى من المفترض أنها تساعد الشرهين بالتدخين فى الإقلاع عن التدخين بسهولة كما أنها تعالج الجانب النفسى الذى يجعل المدخن يتعلق بالتدخين بشكل مرضى، هذه العيادة ترددنا عليها لأكثر من مرة فى تجربة واقعية خضناها بأنفسنا ولكن كلما سألنا عنها أخبرونا أنها لا تعمل! الأمر الذى جعلنا على يقين بأن هذه العيادة لا وجود لها سوا فى إعلانات السوشيال ميديا والدعاية الإعلامية فقط.

 

مستشفى الدمرداش تتحدى «دكاكين» العلاج النفسى

عقارب الساعة تدق الـ10 ونصف صباحا.. المكان مستشفى الدمرداش مركز الطب النفسى كلية الطب جامعة عين شمس.. عشرات من البشر انتشروا فى محيط المكان.. وجوههم اكتست بتساؤلات حائرة باحثة عن إجابة «أحقا يستطيعون مداواتنا»، بداخل كل واحد منهم قصة اختلفت تفاصيلها ولكنها اتفقت على مأساة النفوس فما بين الاكتئاب، والكفر بالحياة والآمال المحطمة وقصص الحب التى لم تجد النور، وضياع الأحلام وعدم القدرة على تحقيقها تجمعوا فى هذا المكان بحثا عن دواء يعالج داء الأرواح المعنوى غير المحسوس.. عيونهم تتأمل المكان لعل الأمل بعودة صفاء النفوس يتجدد، ويستطيع هذا المكان البسيط والذى لا تتعدى «الفيزيتة» بداخله الـ 5 جنيهات على تحقيق ما عجز عنه أصحاب المراكز الخاصة «دكاكين السبابيب» المتاجرة فى مرضى النفوس، والذين اتخدوا من أوجاع وجدان البشر وقلوبها بيزنس يغتالون به الروح والجيوب بتسعيرة ظالمة تتخطى الـ 500 جنيه فى الجلسة الواحدة.

«الأخبار» قامت بتجربة عملية داخل مستشفى الدمرداش للطب النفسى وقامت بتجربة للكشف داخل المشفى للإجابة على هذه الأسئلة:

مبنى ضخم اتسم بالحداثة وحسن المظهر يعلوه لافته كتب عليها «مجمع الأستاذ الدكتور أحمد عكاشة للعيادات والمدرج الأكاديمى مركز الطب النفسى كلية الطب جامعة عين شمس» من هنا بدأت قصتنا.. دخلنا إلى داخل هذا المبنى لنستبين كيف نستطيع الحجز داخل المشفى، فردان من الأمن استقبلانا بابتسامة هادئة قائلين: «أأمرنا يا فندم»، «هنا مقر العيادة والغرف الـ 4 ديه للكشف برة المبنى فى ممر صغير يمين امشى فيه هتلاقى كشك صغير تقدر تحجز هناك بس تقريبا مش فى حجز دلوقت»، بينما هو يتحدث ظللنا نتأمل هذا المبنى والذى تميز بالنظافة الشديدة والنظام من مقاعد خصصت لجلوس المرضي.. حتى الغرف الـ 4 التى ذكرها من أناقة هيئة أبوابها تستطيع أن تتأكد أن هذا المكان حقا يحرص على مداواة المرضى، «فالجواب يظهر من عنوانه» وهذا بالفعل ما ستجده فى كل خطوة تخطوها هناك، دقائق فقط وانتهينا من الحديث مع فردى الأمن، وبالفعل نتجه لهذا الممر الصغير والذى قادنا إلى حديقة كبيرة.. يتوسط هذه الحديقة بعض الالعاب للأطفال، فى مقدمة هذه الحديقه يتواجد 3 غرف الأولى منها هى التى كان مخصصة للحجز اتجهنا إليها حتى نتبع إجراءات الحجز، ولكن هناك كانت الصدمة عندما أخبرتنا إحدى الموظفات الموجودة بداخل الغرفة أننا إذا أردنا الحجز فإننا لن نقوم بالكشف اليوم، وأننا سنقوم بالحجز عن طريق إعطائها بطاقة الرقم القومى لتسجيل البيانات ونقوم بدفع 5 جنيهات للحجز على أن يكون دورنا فى الكشف يوم 6/1/2020، وذلك بسبب كثرة المرضى الذين قاموا بإجراء الحجز، فى البداية تحطمت آمالنا ولكننا بعد نقاش طويل، أخبرتنا الموظفة «بصوا أنا مش عايزة أتعبكم بس إحنا كل يوم بناخد 15 حالة جديدة بس فى أوقات ناس مش بتيجى ولو جيتوا وحظكم حلو ممكن نكمل بيكم الـ 15 بس ده مش مضمون».. هنا تخلل اليأس بداخلنا.

 

6 جنيهات

وبينما كنا نتجه إلى الباب وبالكاد استدرنا تمهيدا للرحيل استوققتنا مرة اخرى « يا فندم لو انت مستعجل والموضوع ضرورى فى كشف للطوارئ موجود وشغال 24 ساعة» وأن هذا الكشف نستطيع فيه أن نقوم بالكشف دون الانتظار فقط بـ 6 جنيهات ويتواجد بها نفس الأطباء الذين يعملون فى العيادات الخارجية ويتعامل فيها المريض بنفس طرق العلاج بالعيادة ولا يوجد أدنى اختلاف فى غرف الكشف بينهما؛ إلا فى أن كشف الطوارئ يتم تسجيل دخولك فقط وتعرض على الطبيب ولا يتم تدوين.

 

بيانات خاصة بك وعمل مذكرة متابعة وفى كل مرة تأتى للطوارئ ستتكرر هذه المرحلة وقد تاتى فى وجود طبيب مخالف للذى قام بإجراء الكشف عليك فى المرة السابقة وبالتالى ستعود الكرة ولن تستفيد شيئا، وأضف إلى ذلك انك فى الطوارئ لن تصرف الدواء من صيدلية المشفى وستحصل على «روشتة» فقط بالدواء الذى تحتاجه تشتريه من الخارج؛ أما فى الصيدلية فان ما يوصى به الطبيب كعلاج لك فإنه سيتم صرفة لك من الصيدلية التابعة للعيادة الخارجية.

 

تذكرة للكشف

انتهينا من الحديث معها واتجهنا إلى حيث أرشدتنا وهو المبنى المخصص لكشف الطوارئ والذى كان يجاور مبنى العيادات وستعرف أن هذا المبنى هو المستشفى بكافة مشتملاته المختص بالعلاج النفسى والذى يتم فيه احتجاز الحالات المستعصية والتى تحتاج متابعة مستمرة، بالاضافة إلى أنه يوجد به الغرفة الخاصة بعلاج حالات الإدمان، توجهنا حيث هذا الباب قابلنا فردان من الأمن قائلين: «رايحين فين؟»، لنجيبه إننا نريد أن نقوم بالكشف فى غرفة الطوارئ، ويخبرنا «الأول لازم تقطعوا تذكرة من المبنى إلى تحت النخلة برة ده وبعدين تستنى دورك».. على الفور غيرنا بوصلتنا إلى حيث الغرفة المنشودة والتى احتوت على مكتبين متجاورين على هيئة زاوية مستقيمة.. الأول كانت تجلس عليه سيدة فى منتصف الأربعينيات من عمرها كانت تقلب فى «الدفتر» الذى أمامها، بينما الاخر كان يجلس عليه رجل منهمك فى العمل على جهاز الحاسوب الذى أمامه، كلاهما كان ينظرإلى عمله ولم ينتبها إلى وجودنا حتى تحدثنا اليهم قائلين «لو سمحت عايزين نحجز كشف» فى بداية الأمر تفاجآ للحظات من صوتنا ولكنهم سرعان ما استعادوا انتباههم قائلين «أأمرنا يا فندم معلش كنا مركزين فى الشغل»، ونكرر لهم رغبتنا فى استخراج تذكرة للكشف، ليطلبا منا بطاقة الرقم القومى الخاصة بنا ومن منا هو المريض ومن منا الضامن وفق وصفهم، لنستوقفهما متسائلين هل يلزم بطاقة الرقم القومى الخاصة بالضامن حيث إنه قد نسى بطاقته فى السيارة ولا يوجد سوى بطاقة المريض والتى شاء القدر أنها تحمل صفة غير وظيفتنا لأننا منذ البداية حسمنا أمرنا ان نجرى التجربة بحقيقتها دون مؤثرات، لتكون الإجابة أن بطاقة الرقم القومى للضامن ليست بالأهميه ولكن لابد من بطاقة المريض وسعر التذكرة والتى زادت جنيها فقط عن العيادات بحيث بلغ سعرها 6 جنيهات ولكننا علينا أن ننتظر المسئول عن تسجيل البيانات فى تذكرة الدخول لأنه بداخل المستشفى يجرى بعض الإجراءات، بالفعل قمنا باتباع الاجراءات وانتظرنا المسئول.

 

10 دقائق كانت هى مدة الانتظار حتى أتى الموظف الخاص بتسجيل الدخول وبالفعل قام بتسجيل البيانات، وطلب منا الانتظار حتى يتم النداء علينا.

 

السم الأبيض

«منهم لله إلى كانوا السبب لو رجع بيا الزمن مش هغلط نفس الغلطة وإن شاء الله هقاوم وهنجح وهقهر الإدمان» بهذه الكلمات وبنبرة حزينة بدأ م.أ حديثه للأخبار.. ويكمل حديثه قائلا: «استنيت شهر كامل عشان ييجى دورى والحمد الله أنا أهه هتعالج والـ 21 يوم هيعدوا هوا وأرجع أحسن من الاول».

 

بضع دقائق كانت كفيلة أن تنهى الحوار مع الشاب ونودعه مسرعين لباب المستشفى، عندما خطف الانتباه فرد الأمن مناديا باسم المحرر، وما إن وصلنا إليه بادرنا قائلا: «اتفضلوا دوركم أول أوضة على الشمال».

 

غرفة بسيطة امتازت بالبساطة؛ بالكاد اكتفت بوجود مكتب بجوار الباب يبدو عليه آثار الزمان ولكنه يحافظ على أناقته، وخزانة كبيرة اكتست باللون الأبيض واحتوت على بعض الأدوية وتجلس أمامها ممرضة تقوم بتنظيمها، وبينما كان التأمل والتساؤلات إذا بالطبيبة التى تمركزت على هذا المكتب جالسة تقوم بعملها على أكمل وجه تخطف الانتباه بابتسامة بدا عليها الإنهاك من يوم العمل ولكنها كانت كفيلة لتطمئن قلبك قائلة: «اتفضل يا فندم قلنا مشكلتك».. هنا بدأ فصل نسج قصة من وحى الخيال لإقناع الطبيبة بأننا مرضى ونحتاج للعلاج وهذا ما قد كان، لتستمر فترة الحوار، اهتمت فيها الطبيبة بسماعنا دون رتابة بل كانت تحرص على معرفة كل شىء حتى تساعدنا للوصول للعلاج السليم، حتى عندما دخلت زمليتها الغرفة لم يغير ذلك شيئا بل استمرت الطبيبة فى عملها تدون كل شىء نقوله فى التذكرة باهتمام شديد.. ربع ساعة كاملة استغرقنا الحديث فيها حتى قاطعتنا الطبيبة: «كان نفسى أكيد نكمل كلامنا بس إلى فهمته منك دلوقت محتاج العيادة تقدر تشوف أول ميعاد هناك لأن انت محتاج حد يسمعك أولا وثانيا عشان يتعملك ملف نقدر نتابع بيه حالتك وكمان عشان تاخد وقتك وللأسف ده صعب فى الطوارئ لأنها عشان الحالات الحرجة ومش هتاخد الوقت الكافى فى الكلام ومتخفش الأطباء هناك على أعلى مستوى ومن هنا ليوم ميعادك خد الدواء ده هيساعدك»؟

 

اضطراب الهلع

«ياه لسه هستنى لحد 6/1 كتير أوى ع العموم هستنى يمكن ربنا يرزق بالشفا المرة ديه بدل جحيم المراكز الخاصة» بهذه الكلمات خطف أبانوب.م، تاجر، أنظارنا بعد أن ظننا أننا انتهينا من الجولة الخاصة بينا ليبدأ الفصل الأخير بمستشفى الدمرداش مع ذاك الشاب، والذى عانى من استنزاف مراكز الطب النفسى لأمواله دون علاج طوال عام كامل.

 

فيقول أبانوب: إن قصته منذ عام بدأت عندما أصيب بمرض يدعى اضطراب الهلع بمعنى أنه ينتابه نوبات هلع واضطراب فى التنفس وصعوبة فى الحركة قد ينتج عنه إغماء إذا أقبل على القيام بأى شىء جديد مثل الدخول للمترو وحده.

 

ويضيف أن هذا المرض أيضا جعله يعانى فى حفل زفافه نتاج الخوف الشديد ونتاج هذه المعاناة حاولت كثيرا علاجه ولكن فى كل مرة كان الفشل هو النتيجة وفى النهاية قمت بزيارة أحد المراكز الخاصة للطب النفسى لعلى أصل لعلاج.. ويوضح أنه ظل عاما ونصف العام يتردد على المراكز وينتقل من مركز لمركز ومن عيادة لأخرى وأقوم بدفع أكثر من 500 جنيه فى كل جلسة دون جدوى وفقط يكتفى أصحاب هذه المراكز بإعطائه المهدئات والتى كان الشريط الواحد بها سعره يتخطى الـ 130 جنيها وأحتاج لأكثر من 3 شرائط فى الشهر.

 

ويختتم حديثه بنبرة حزينة قائلا: «أنا اتخرب بيتى وابنى بقى بيخاف منى بس أنا لما سمعت من صديق ليا عن المستشفى الدمرداش وأنهم عالجوا واحد يعرفه جيت بس الحلو ما يكملش وهضطر أستنى لشهر 1 ويارب يكون بفايدة».

 

 

الخبراء: العلاج النفسى أصبح «بيزنس» وغير المتخصصين أفسدوا المجال

 

أما عن آراء المتخصصين عن فوضى الطب النفسى فقد أكد د. إبراهيم عبد الرشيد، استشارى تحليل نفسى جامعة عين شمس، إن الأزمة فى الطب النفسى والتى ظهرت مؤخرا تتلخص فى دخول غير المختصين مجال الطب النفسى وبكثافة، إلى جانب غياب المعرفة الكاملة بجميع مدارس التحليل النفسى للمعالجين النفسيين والتى تصل إلى 163 مدرسة، والتى يجب دراستها جميعا للوصول إلى تشخيص سليم للحالة.

 

وتابع، أن مهنه الطب النفسى يمتهنها العديد من خريجى الكليات غير كلية الطب وعلى سبيل المثال خريجو آداب علم نفس، مضيفا أنه لا مانع من ذلك بعد الإنتهاء من كافة الدراسات والحصول على ماجستير أو دكتوراة، حتى يتسنى لمن حصل على ليسانس ممارسة العلاج النفسى.

 

وأكد أن الفوضى فى العلاج النفسى تسببت أيضا فى دخول غير الحاصلين على مؤهلات تؤهلهم للعلاج النفسي، تحت مسميات أخرى مثل التنمية البشرية واصفا دخول هذه الفئة للعلاج النفسى بالكارثة.

 

وتابع أن من لهم الحق فى العلاج النفسى هم فقط خريجو كليات طب تخصص نفسية وعصبية، وخريجو كليه آداب علم نفس، والحاصلون على ماجستير ودكتوراة وتصريح علاج نفسى من وزارة الصحة.

 

وأكد أن المراكز المنتشرة وبكثرة فى العديد من المناطق والتى تدعى العلاج النفسى والاستشارات الأسرية وغيرها هى لغير مختصين ومن يطلقون على أنفسهم مسميات لا تعبر عن الدراسات النفسية التى حصلوا عليها، مطالبا بضرورة تكثيف الرقابة على تلك المراكز لغلق غير المرخص منها.

 

أبواب خلفية

ومن جانبه قال د. أحمد هارون، مستشار العلاج النفسى وعضو الجمعية الأمريكية لعلم النفس، إن الطبيب النفسى ضرورته لا تقل عن الطبيب العضوي، ولكن بدأ البعض يستغل غياب المعرفة العامة عن الطب النفسى فى الدخول إلى ذلك المجال من خلال الأبواب الخلفية، مثل ما يسمى «لايف كوتش، تنمية بشرية، علاقات أسرية» وغيرها من المسميات البعيدة عن مجال الطب النفسى والتى تعتمد فى العلاج على دورات تدريبية أو قراءة كتاب، بخلاف عدم الحصول على التصريح.

 

وتابع أن الإعلام تسبب فى ظهور عدد كبير من غير المختصين على الشاشات لذلك تقدمت بمقترح داخل لجنة التشريع لقانون الإعلام القادم لإلزام كافة الضيوف فى القنوات التلفزيونية بتقديم ما يثبت حقيقة تخصصه وذلك لتجنب ظهور غير مختصين بأسماء وألقاب غير حقيقية وهو ما يساهم فى تضليل المواطنين.

 

وأوضح أن المخول لهم العلاج بالطب النفسى هما اثنان، طبيب النفسية والعصبية خريج كلية الطب، وهو فقط المخول له إعطاء أدوية للعلاج، والثانى هو المعالج النفسى خريج كلية آداب قسم علم نفس حاصل على عدد من الاشتراطات والتصاريح اللازمة ولا يمكن له كتابة أدوية وعقاقير.

 

مشيرا إلى أن ذلك للحفاظ على طبيعة عمل تلك المهنة التى تتعامل مع خصوصية المرضى أو الراغبين فى الحصول على استشارات نفسية، ويجب أن يكون المعالج على قدر من المسئولية والعلم لحمل تلك الأمانة، بخلاف الاستغلال المادى المبالغ فيه من البعض، وقد يصل الأمر أيضا إلى الإستغلال الجسدى وأيضا استمرار وتفاقم الأضطرابات النفسية لدى المريض.

 

وأوضح أن الخطوات للحصول على تصريح معالج نفسى هى أن يكون خريج كلية آداب علم نفس أكلينيكى واضطرابات سلوكية، وحاصل على ماجستير ودكتوراة فى نفس المجال، بخلاف ضرورة إحضار شهادة من أساتذه علم النفس، وأخيرا الحصول على ترخيص من وزارة الصحة.

مؤكدا أن من حصلوا على تصريح من وزارة الصحة لمزاولة مهنة المعالج النفسى طبقا لقانون 85 لسنة 54 ومنذ ذلك الوقت حتى عام 2017 وصل عدد الحاصلين على تصريح 230 شخص فقط، وذلك وفقا لجدول التشخيص من وزارة الصحة.

 

جنان وخراب ديار

أما عن العيادات الخاصة فقد انقسمت لجزءين أساسيين أولهما مستشفيات مملوكة لأطباء ذوى شهرة عالية تتخطى فيها تكلفة العلاج 60 ألف جنيه شهريا للإقامة فقط بعيدا عن تكلفة العلاج، والثانية مصحات «بير السلم» التى يملكها غير مختصين إما متعافون من الإدمان، وإما خريجو أقسام علم النفس من كليات الآداب والتربية، كان لنا تجربة فى أحد هذه المصحات فى الحى المتميز بمدينة السادس من أكتوبر، ويديرها متعافون من الإدمان يقومون بتعنيف المرضى والجزء الأساسى الذى يعتمدون عليه فى العلاج، دخلنا هذه المصحة على أننا أسرة مريض نفسى مدمن لا نستطيع التعامل معه، وفوجئنا بأن كل من فى المصحة متعافون من الإدمان وحين سألناهم عن الأطباء المشرفين على الحالة، أخبرونا بأنهم يترددون على المصحة من وقت لآخر.

 

المصحة عبارة عن فيلا مكونة من ثلاثة طوابق لها بوابات عريضة مغلقة بالسلاسل الحديدية كانت تكلفة العلاج المتفق عليها 35 ألفا شهريا بعد حسبة معقدة أجراها لنا المسؤول هناك، ولكن العلاج أيضا يترك مفتوحا حسب احتياج الحالة وهو يتحدد يوميا.