جوائز الأوسكار تنتصر للمهمّشين والفقراء

لماذا توج «Parasite» بأفضل أفلام العام؟

Parasite
Parasite

كتبت: هويدا حمدي


مفاجأة رائعة فجرتها حفل الأوسكار الذى أقيم ليلة الأحد الماضي، فوز الفيلم الكورى «Parasite» لبونج جون هو بأربع جوائز منها الثلاثة الأهم، أفضل فيلم وإخراج وسيناريو وفيلم ناطق بلغة أجنبية، ليكن تتويجه بأفضل أفلام العام منتصرا على آفلام عظيمة بتوقيع الكبار خارجا عن المألوف ومحطما لسيطرة الافلام الأمريكية أو الانجليزية على أوسكار أفضل فيلم.

 

فهى المرة الأولى فى تاريخ الأوسكار التى يفوز فيها فيلم غيرناطق بالانجليزية بتلك الجائزة، وهو فوز مستحق بكل المقاييس وإن كان غير متوقع، وكنا نعد أنفسنا لفوز «١٩١٧» لسام ميندز بأفضل فيلم وأفضل اخراج وهما جائزتان احتكرهما فى كل السباقات الأمريكية والبريطانية هذا العام تقريبا، لكن الأكاديميةالأمريكية لعلوم وفنون السينما فاجأتنا بختام مبهج لموسم الجوائز الأمريكية وهوالجميل فى ليلة انتهت بالمفاجآت.


الصراع الطبقي وصرخة المهمشين والفقراء
كان الإنذار واضحا هذا العام فى كثير من الأعمال السينمائية المتميزة، غليان قاع المجتمع،الفقراء وقود الحياة التى ينعم بها الأثرياء دون انسانية أو رحمة.. غليان ينذربثورة للمقهورين والضعفاء الذين يعيشون تحت الاقدام كالنفايات دون أن يهتز جفن لمن يسير على أجسادهم ويحيا على دمائهم، ثورة كانت واضحة وصريحة فى أفلام منها « الجوكر « الذى فاز بجائزتين مستحقتين بجدارة هما أفضل ممثل لواكين فينيكس وأفضل موسيقى تصويرية لهيلدر جونادوتير، والجوكر هو الصورة الأكثر قتامة فى أفلام هذاالعام، تلك الصورة إدعت البهجة على استحياء فى «طفيل» فرضها طبيعة.


السيناريو الذى ينتمى للكوميديا السوداء محاولا فى البداية أن يبتعد عن القتامة التى تسللت قرب النهاية وعاد المخرج سريعا بذكاء لبسمة تبدو كوميض أمل فى تغيير الواقع القاتم بالتعليم والعمل لكنها كانت موجعة وبدت وكأنها تطويل بلا داع سوى العودة للسلام النفسى بعد انفجار وصراع طبقى ملطخ بالدماء وتحريض على ثورة.

 

كما فى «الجوكر» صراع بين طبقتى القمة والقاع، لكن فى «طفيل» الصراع محدود ومركز بين أسرتين، إحداها تعيش فى قبو كالنفايات تحت أقدام البشر، والأخرى فى قصر عظيم، العائلة الفقيرة تكاد تعيش من صناعة علب ورقية لأحد المطاعم، حتى يطرق بابها زميل الابن الذى لم يكمل تعليمه الجامعى بسبب الفقر وكذلك أخته رغم ذكائهما الواضح،يعرض الزميل عليه العمل كمدرس للغة الانجليزية لابنة الاسرة الثرية، فيذهب وهناك يجد فى العائلة الثرية التى لا تهتم إلا بالمظاهر كسلا وسطحية تقوده للطمع فى السيطرة على العائلة بأكملها، وتنجح خطته بدخول أفراد عائلته كلها تباعا لتعمل لدي الأسرة التى تطيح بمخدوميها السابقين بلا تردد أورحمة، كما يستبيح الفقراء بعضهم أيضا حيث لا صوت يعلو فوق المصلحة.

 

وتوالى الأحداث والمواقف الكوميدية التى تؤكد ذلك وتبرز الفوارق الرهيبة بين العائلتين وتبرز أيضا التعالى والأنانية المفرطة للأثرياءوأحلام الطمع لدى الفقراء التى تستبيح كل شئ فى سبيل الوصول إلى ماتريد حتى ولوعلى حساب شركائهم فى الذل والفقر،الخادمة السابقة وزوجها اللذين يسكنان قبوا أسفل القصر، تبدو الخطة قابلة للتحقق حتى تفوح رائحتهم، رائحة القبو النتنة ورائحة الفقرأيضا، التى لا يخطئها الطفل الصغير المدلل ويتبعه والداه، فتنكشف الخدعة، وفى حفل يضم طبقة الاثرياء من أصدقاء الاسرة، يتحول القصر إلى ساحة معارك يتقاتل فيهاالفقراء فى محاولة للفوز بفرصة للحياة أولا ثم تتحول لانتقام يسود الجميع،فيقتل الأب الفقير سيده الثرى.


الذى لم يعد يحتمل ازدراءه وتعاليه عليهم وعلى رائحتهم ولم يستحى حتى أمام قدسية الدماء، وفى الحديقة المزينة بكل ألوان الطبيعة تكون النهاية مأساوية بلون الدم، إلا أن المخرج يحاول أن يستكمل الكوميديا السوداء طبعا فيعد الإبن الشاب أباه المختبئ من الشرطة فى قبو القصر أن يجتهد ليصبح ثريا بعدما يكمل تعليمه ليشترى له القصر وينقذه من القاع المصير المحسوم والمحكوم به على الفقراءالمتطفلين أمثالهم.


بأسلوب السهل الممتنع صنع المخرج الموهوب بونج جون هو كل كادر وتفصيله بالفيلم،الذى يبدو عاديا بالنسبة للبعض، لكنه العبقرية فى ابسط صورها، كل شئ مصنوعوموجه بدقة دون فذلكة أو استعراض، بساطة متناهية لا تحتمل الابهار المصنوع الذي أصبح آفة السينما الآن، والمفاجأة أن تنحاز لجنة التحكيم للفن الحقيقى.


فى النهاية كانت مفاجآت الأوسكار جميلة فقد منحت الجوائز الأهم للأفلام التى اهتمت بالمحتوى والجوائز التقنية ذهبت لمن أعلى شأن التكنيك على أى عنصر آخر مهماكان