بشائيات

الكوميديا.. دراما البهجة والحياة

مدحت بشاى
مدحت بشاى

يبدو بالفعل أن الضحك يمثل فى النهاية مكونا ثم فى أحيان أخرى يمثل فائضا للطاقة الإنسانية، وعلى المرء أن يجد له متنفساً ليخرج هذه الطاقة من داخله، والطاقة الفائضة التى يثيرها الإحساس بالسرور والبهجة لابد أن تبحث لها عن منفذ من خلال الظاهرة الصوتية المتعلقة بعملية التنفس، والتى نطلق عليها الضحك، وهو ما ذكره "هربرت سبنسر" فى كتابه الشهير The Physiology of laughter
وعبر تراث هائل للثقافة الشعبية المصرية نجد ونتابع رصيدا هائلا من المواقف الطريفة والفكاهية، ويرى أهل التنظير أنها تمثل مجموعة من الحكاوى والمواقف التى قد تبدو مؤلمة تارة ومضحكة تارة أخرى، ولعل ذلك يعد السبب الجوهرى فى أن الشعب المصرى هو بالسليقة "فُكهى" وساخر، فالسخرية من أهم الموروثات لدى الشعب المصرى عبر التاريخ، فهى التى يجد فيها المادة والمناخ المناسب للتعبير عن قضاياه وكمان لمعارضة الأعلى مكانة فى كل مستويات الإدارة الهرمية على مر السنين.
ولعل فيلم "غزل البنات" وحوار بديع خيرى الذى شارك فى كتابته نجيب الريحانى خير مثال على ما أسلفت القول فقد كانت كل جملة فيه عبارة عن إيقاع لحركة حياة مضبوطة، لتخرج فى كل سؤال ورد بهدف اجتماعى وأحيانًا سياسى وإنسانى.
فالحوار بين الباشا وأستاذ "حمام" الذى ظن أنه الجناينى، والكلام بين حمام والرجل المسئول عن الكلب، ومحادثة المسئول عن القهوة، جميعها تنطوى على مباريات حوارية تشير إلى العديد من القضايا منها تبعات الفوارق بين الطبقات، والفوارق الثقافية والإنسانية.. فما يراه "حمام" أنه بالتأكيد "الباشا" يكتشف أنه مسئول عن رعاية كلبه، وما يراه "حمام" أنه الجناينى يكتشف أنه الباشا وفى المقابل ما يراه الباشا من حروف هى من "أخوات كان" لابد أن يعترف بها "حمام" ليحافظ على لقمة عيشه..
ولكن ــ للأسف ــ تبدو الدراما الكوميدية فى معظمها الآن فى غاية السطحية فيما يتم تناوله من قضايا، حيث التجريف الجاهل للقيم الإيجابية والأخلاق والعادات والتقاليد الأصيلة المصرية، فهم يرون "الأصالة" على أنها لون من التخلف الاجتماعى فى عصر العلم والتكنولوجيا، ويدعم ذلك التوجه مواقع التشرذم الاجتماعى، بعد أن أصابها الترهل و"الاستعباط والاستهبال" حيث الألفاظ الخارجة التى لا يمكن أن تجلب لنا ذلك النوع من الضحك النابع من القلب، ودوره المهم فى صميم حياتنا النفسية والاجتماعية المصرية.