احم احم !

حلْقــة القــرن !

هشام مبارك
هشام مبارك

لا أحب الذهاب إلى عادل الحلاق عندما تكون هناك قضية سياسية تطفو على السطح وتصبح حديث جميع الناس، ولو شئت الدقة أنا أتجنب بقدر الإمكان أن أضع رأسى تحت يد الحلاق فى أى لحظة تكون فيها هناك خلافات حادة بين الناس أو حتى فى الأيام التى تحمل ذكريات يختلف عليها الناس مثل ثورة يوليو أو 25 يناير أو غيرها.
حتى فى الأيام التى تشهد خلافات رياضية.. مستحيل مثلا أن أحلق يوم مباراة الأهلى والزمالك أو برشلونة وريال مدريد ومؤخرا مثلا ليفربول ومانشستر سيتى خاصة أن البعض يعتبر تشجيع أى فريق انجليزى يلاقى ليفربول هو بمثابة خيانة عظمى للقضايا الوطنية. وجهة نظرى فى ذلك العزوف أن الحلاق بشر مثلنا له رأى يعتبر فى جميع القضايا وهو كذلك إنسان سياسى كروى بالطبيعة فلا يوجد فى مصر إنسان غير سياسى وغير كروى. لكن الخطر هنا أن هذا الحلاق فى يده أسلحة حادة، موسى ومقص وماكينة حلاقة. تخيل نفسك مثلا يوم 25 يناير واقع تحت يد حلاق يرى فى 25 يناير سببا لكل مشاكل مصر، أو حلاق زملكاوى يتصادف أن تذهب إليه بكامل إرادتك فى يوم هزيمة من الأهلى.
ولأن الأحداث الرياضية والسياسية وغيرها تتصاعد دائما حولنا قمت بتأجيل موعد حلاقتى أكثر من شهر تقريبا مما جعل شكلى يبدو غريبا وهو ما أثار استهجان واستنكار الجميع حيث لم أقم بتطويل شعرى فى شبابى وقت أن كانت تلك هى الموضة فهل أفعلها وقد اشتعل الرأس شيبا وبلغت من الكبر عتيا؟.
لذا كان لابد من المجازفة وذهبت للحلاق. فى البداية فرحت لأن المحل كان مزدحما فقلت إنه لن يكون لديه وقت ليفتح معى نقاشا فى أى موضوع. وفرحت أكثر عندما وجدته يرتدى كمامة وقاية خوفا من فيروس كورونا وقلت لنفسى أن الكمامة ستحد من الرغى المعتاد منه. تهلل وجه الرجل عندما رآنى وفوجئت به لكى يرحب بى يقوم بزحزحة الكمامة من على وجهه قليلا لكى يأخذنى بالأحضان إمعانا فى الترحيب فبدأ الفأر يلعب فى عبى وشعرت أن الرجل لديه الكثير ليحكى فيه ومن فرط فرحته لم يعد الكمامة على فمه وأنفه واكتفى بها على فمه فقط مثلما فعلت وزيرة الصحة تماما، حاولت لفت نظره فقال: العمر واحد والرب واحد يا أستاذ يعنى احنا حانكون بنفهم أكتر من الست الوزيرة؟
المهم جاء دورى وكان المحل لايزال يعج بالزبائن فقلت لنفسى: أحسن هم ضربتين مقص والأمر لن يستغرق أكثر من خمس دقائق.. لكن الرجل أزاح الكمامة تماما من على وجهه وأمسك بالموسى والمقص فى نفس اللحظة التى بدأ فيها يتحدث عما فعله المأسوف على شبابه ترامب وغير المأسوف على شبابه نتيناهو بالقضية الفلسطينية، فيما يسمى بصفقة القرن، أو صفعة القرن إن شئت الدقة.. فقال هو ويكاد يصفعنى بالموسى على قفايا: سمعت تفاصيل صفعة القرن يا أستاذ؟! مش قولتلك مليون مرة قبل كده ترامب المغرور ده مش ناوى يجيبها البر، ازاى يعنى عايز يدى الفلسطينيين أقل من 15% من أرضهم؟ فقلت محاولا تهدئته: فعلا يا عادل عندك حق بس اطمن لا الفلسطينيين ولا العرب ممكن يسكتوا على كده. فاقترب بالمقص من رقبتى فقلت له: باقولك إيه يا عادل ماتخلص تحلقلى الأول وبعدين أبقى أجيلك وقت تانى نقعد نحكى براحتنا؟ ثم أغمضت عينى وتركته يقص وبعد خمس دقايق فتحت عينى لأجده قد جردنى تقريبا من كل شعرى ماعدا شعيرات قليلة لا تتعدى 15 فى المائة منه فزعقت فيه: إيه إللى هببته ده يا عادل؟ فقال بثقة: دى حلقة القرن يا أستاذ هشام.. نعيما!