«مزاج المبدعين».. حكايات نجيب محفوظ وسيد درويش والفاجومي عن «الكَيّف»

«مزاج المبدعين».. حكايات نجيب محفوظ وسيد درويش والفاجومي عن «الكَيّف»
«مزاج المبدعين».. حكايات نجيب محفوظ وسيد درويش والفاجومي عن «الكَيّف»

- سيد درويش غنى «التحفجية» و«الكوكايين».. وجدل حول وفاته بجرعة مخدرات زائدة

- نجيب محفوظ عرف «الحشيش» وجلسات الأُنس مع «شلة العوامة».. وتركه لهذا السبب

- الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم قُبض عليهما بسبب «الحشيش».. و«الفاجومي» اعترف

- رسائل طه حسين وتوفيق الحكيم تكشف أسرار السجائر و«الويسكي» في باريس

- شعبولا غنى «هبطّل السجاير».. والساحر «الكيمي كيمي كا».. و«سيجارة بنّي» الأشهر

«دماغ المصريين متكلفة».. مقولة جسدها أدباء وشعراء مصريين كانوا لا يكتبون أعمالهم ولا يقولون أشعارهم إلا بعد «ظبط المزاج» بل وتحدثوا عن الحشيش والخمور وجلسات «الأنس» في أعمالهم الخالدة، ولاسيما أغاني شعبية ذُكرت فيها المخدرات بشكل صريح.

ولما كان الشعر والأدب والغناء من أهم أدوات تشكيل الرأي العام؛ ولا يزال، كما أن نمط ونوع الموسيقى والأعمال الأدبية والفنية مؤشر هام على ثقافة المجتمع السائدة وموروثاته.

سيد درويش

أمتعنا بأغانيه وألحانه التي قدمها، ورغم رحيله منذ عقود إلا أنه ما يزال باقٍ بفنه، وبقصة وفاته أيضًا، التي كانت محل جدل، وتعددت الأقاويل حولها، وتردد أنه مات بجرعة زائدة من المخدرات، لينفي حفيده إيمان البحر درويش، ما يقال، لافتا إلى أن "درويش" مات مسموما.

وذكر إيمان البحر درويش في إحدى اللقاءات التليفزيونية، أن تلك الشائعات محاولة لتشويه جده، متسائلًا: «إزاي واحد يشرب حشيش ويقول "اقولك الحق لما نلاقي بلادنا طبت في أي زنقة يحرم عليا شوربك يا جوزة.. روحي وأنتي طالقة مالكيش عوزة، دي مصر عايزة جماعة فايقين".

كما قال إيمان البحر درويش، إن السبب في هذه الشائعات هو الموسيقار محمد عبدالوهاب، "عندما سُئل لو عايش سيد درويش، كان هيعمل إيه قال كان عاش في الحشيش والأفيون، ما دفع والدي لرفع قضية عليه".

وأكد أن سيد درويش، مات مسمومًا من الإنجليز الذين رفضوا مطالبات عائلتنا بتشريح الجثة لمعرفة سبب الوفاة.

لكنه اشتهر سيد درويش في أوساط المصريين، بحبه لتعاطي الحشيش قبل حفلاته وغنائه بصحبة الأصدقاء، حتى إنه لحن وغنى «التحفجية» التى قدمها من كلمات بديع خيري بصحبة فرقة نجيب الريحاني، وتقول كلماتها: «يا ما شاء الله ع التحفجية أهل اللطافة والمفهومية، دا الكيف مزاجه إذا تسلطن أخوك ساعتها يحن شو شو شوقاً، إلى حشيش بيتى نيتى نيشى اسأل مجرب زي حالاتي، حشاش أراري يسفخ يوماتي، خمسين جراية ستين سبعين، هأ هأ هأ يا مرحب، صدق وآمن بالذي خلقها وقال كوني جوزة لكل من يدوقها، ما يسلى أنفاسها بملايين».

كما قدم فنان الشعب أغنية: «اشمعنى يا نخ الكوكايين كخ» من كلمات بديع خيري أيضاً، والتي تقول كلماتها: «اشمعنى يا نخ، الكوكايين كخ، دا أكل المخ هلكنا، اعمله على غيرنا، رايح لي تطخ، وجاي تبخ، شطب، هو أنت شريكنا حتى في مناخيرنا، إيش عرفك انت يا دونكي، المدعوقة دى بخنفتها، بتكلفني كوكايين كام في ليلتها».

نجيب محفوظ

أما عن الكاتب الكبير نجيب محفوظ؛ فقد ذكر الناقد رجاء النقاش في كتابه «في حُب نجيب محفوظ»، تحدّث أديب نوبل عن «الحشيش»، حيث كان «نجيب» يرى أن مساواة الحشيش بالمواد المخدرة المخلَّقة مثل «الهيروين» ليست منطقية، لأن «الهيروين» من المواد التي تدمر الجسم وتقضى على عقول الشباب.

ويتطرق الكتاب إلى بداية تجربته مع هذا المخدر قائلاً: «عن طريق صديقي الشماع الذي كان يعمل في الغورية، عرفت الحشيش، وفي ذلك الوقت، كان تدخين الحشيش يتم بصورة علنية في المقاهي، حتى إني أذكر أن الشماع كان يجلس في مقهى علي يوسف، وينتظر حتى يأتي عسكري الدرك الموجود في الشارع حتى يشرب معه التعميرة»، مفسراً: «فالإنسان المصري لديه استعداد لأن يدخن الحشيش ولكن لا يتناول البيرة مثلاً، رغم أنها أخف أنواع الخمور، وذلك لاعتقاده أنه لا يوجد نص ديني قاطع يحرّم الحشيش بالتحديد».

ويحكي نجيب محفوظ في كتاب آخر لرجاء النقاش بعنوان: «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ» عن حياته الشخصية، ويتحدث في جزء من الكتاب عن الصداقة وكواليس علاقته بصديقه الكاتب الساخر محمد عفيفي، قائلاً إنه تعرف به في عام 1949، عن طريق المخرج صلاح أبو سيف، مؤكداً: «من يومها توطدت صلتي بعفيفي، فقد اكتشفت فيه شخصية إنسانية رائعة، ودعاني للانضمام إلى شلة (العوامة)، وهي مجموعة من الأصدقاء يستأجرون عوامة على النيل لقضاء السهرات التي لم تكن تخلو من البيرة والحشيش».

ويسهب «محفوظ» في الحديث عن كواليس هذه الصداقة قائلاً: «وأغرب ما في شخصية عفيفي من طباع حبه للخمور الرديئة، وإقباله بشغف على تناولها، بينما يرفض الأنواع الجيدة، ولم يذق هذه الأنواع الجيدة طوال حياته».

ويقول الكاتب الكبير: «كنت أشرب الحشيش يوميًا، لكني بطلت الحشيش خوفا من التفتيش الذي كان يلازم البيوت بعد انفجار سينما مترو».

وأكد أديب نوبل، أن معظم جلسات الطرب والأنس التي كان يعيشها، قد سجلها وترجمها إلى عمل سينمائي في فيلم «ثرثرة فوق النيل».

ويذكُر الناقد الأدبي والصحفي، رجاء النقاش، في كتابه «في حُب نجيب محفوظ»، الصادر سنة 1995 عن دار «الشروق»، حديث نجيب محفوظ عن مُخدر «الحشيش»، وقال إن الصوفيين هم أول من اكتشف «الحشيش» واستخدموه، بعد أن وجدوا أنه يعطيهم شعورًا بالانبساط، مما يساعدهم ويسعفهم في تجربة التجلي والوصول.

وأضاف «محفوظ» أنه، في بدايات هذا القرن، كان «الحشيش» من المواد المحتقرة في مصر، ولا يستخدمه سوى أراذل الناس، ولا تقربه الفئات المحترمة، وكانت كلمة «حشّاش» تعني أن صاحبها أقرب إلى فئات الحرامية والنشالين، ثم انقلب الوضع، فعندما قامت الحرب العالمية الأولى اختفت الخمور الجيدة من السوق، ولم يكن أمام الفئات العليا من المجتمع إلا استخدام الحشيش، وأصبح في بيوت كثيرة «غرزة» صغيرة للحشيش بدلًا من البار، وساعد على انتشار الحشيش أنه لم يكن ممنوعًا بحكم القانون، بل كان الناس يدخنونه في المقاهي، وأكثر عقوبة لحشاش هي الغرامة وكانت قروشًا معدودة.

أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام

أما شاعر العامية أحمد فؤاد نجم، فاعترف مراراً بتعاطيه لمخدر الحشيش، حسبما جاء في برنامج «لماذا؟»، الذي كان يقدمه الإعلامي طوني خليفة، حيث قال «نجم» للإعلامي الشهير: «أنا حشاش.. ولو دلوقتي فيه حشيش هشرب عادي».

وفي لقاء مع الإعلامي عمرو الليثي، قال: «أنا في الحقيقة بحترم الحشيش، وبحترم دماغه، بس دلوقت مفيش حشيش كويس كله مغشوش».

واشتهر عن الشيخ إمام أنه كان صاحب مزاج بجانب رفيق دربه الشاعر أحمد فؤاد نجم، فكانا دوما يدخنان الحشيش قبل وأثناء قعدة "السلطنة" والغناء وقبض عليهم عام 1969 بسبب تعاطيهم للحشيش.

خيري شلبي

كما اعترف الكاتب خيري شلبي بتعاطي مخدر الحشيش، وقال في أحد اللقاءات: «جلسات الحشيش تشبه جلسات الذكر من حيث الانسجام والتوحد، وأنها تذيب الفوارق الطبقية والإنسانية بين البشر وكأنها توحد بينهم».

حمدي أبو جليل

الكاتب حمدي أبو جليل، أكد أنه معروف عن كبار الكُتاب خوض تجربة المخدرات بدرجات متفاوتة، وهذا ليس أمراً مشيناً، وهم ليسوا أنبياء، قائلاً: «وعن نفسي منذ نحو عدة أشهر أطلقت دعوة لإتاحة محال الخمور بجوار المصانع وأماكن العمل، كما هو الحال في الدول المتحضرة».

طه حسين وتوفيق الحكيم

الكاتب والباحث إبراهيم عبد العزيز أشار إلى أن كتاب «أيام العمر.. رسائل خاصة بين طه حسين وتوفيق الحكيم»، والصادر عن مكتبة الأسرة، تضمّن عدداً من الرسائل بين الكاتبين الكبيرين، وجد في مضمون إحداها، موقعة بتاريخ 3 سبتمبر 1949، ووقتها كان طه حسين مقيماً في باريس، وكان الحكيم في زيارة إلى العاصمة الفرنسية، وكانت الرسالة موجهة من «الحكيم» إلى «طه»، ما يشير إلى أن الأخير كان يتناول «الويسكي» ويدخن السجائر، بل إن «الحكيم» وعده بإرسال هدية من السجائر وزجاجات «أولد بار ويسكي»، ويتركها له مع البواب في أثناء إقامة عميد الأدب العربي في باريس، متابعاً: «وقد أرسل الدكتور طه حسين رسالة شكر إلى الحكيم بعد أن وصلته الهدية وذكر فيها السجائر ولكن لم يذكر الويسكي».

«سيجارة بنّي»

لم تغب المخدرات أيضًا عن الأغاني الشعبية، إذ غنى المطرب الشعبي محمود الحسيني عن مخدّر البانجو وتأثيره: «أنا شارب سيجارة بنّي.. حاسس أن دماغي بتكلني.. قاعد فالحارة بسقّط.. والغسيل عمّال بينقّط.. والشارع اللي ورايا قدامي.. والكلام على طرف لساني.. بآجي اتكلم بتلخبط». واستعاد «الحشيش» ضمن سياقه الاجتماعي بالحارات الشعبيّة.

«الكيمي كيمي كا»

أغنية قصيرة ذات إيقاع راقص ولحن لذيذ وضعه حسن أبو السعود، ويتحاور مع الممثّل محمود عبد العزيز، بكلمات كاتب سيناريو فيلم «الكيف» محمود أبو زيد. وتُمجّد الأغنية علم الكيمياء الذي أتاح للأخ العالِم أنْ يصنعَ المخدرات لأخيه، فاتحاً عليه صندوق كنز علي بابا.

انتشرتْ الأغنية خلال صدور الفيلم بشكل كبير، لتدخل مفرداتها الثقافة المصريّة كما الكثير من عناصر الفيلم، الذي عرض عالماً ممتعاً من ثقافة الكيف.

شعبان عبدالرحيم

بدأ «شعبولا» مع نهاية التسعينيات وبدايات الألفية الجديدة، حين قدم «هبطّل السجاير وأكون إنسان جديد».

اقرأ المزيد عن «مزاج المصريين»:

«مزاج المصريين».. أرقام صادمة ينفقها «أصحاب الكيف» من دخلهم الشهري

من الشاي والقهوة للأقراص المخدرة.. روشتة «تقليل الإنفاق» على المزاج

«الأدوية المخدرة».. بدائل الكيف للمصريين ..و«برلماني»: السوق السوداء أبرز مصادرها