مشاركون بأكثر من كتاب بـ«معرض الكتاب»: «الأمر ليس في مصلحتنا دائما»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

يعد معرض القاهرة الدولي للكتاب منصة بارزة لتدشين المؤلفات فى شتى ميادين الفكر والمعرفة والإبداع، ولذلك يحرص معظم الناشرين على طرح أحدث إصداراتهم فى رحابه، وإطلاق أبرز عناوينهم من منصته الهائلة اللافتة.

طبعا أسبابهم معروفة فى ذلك، فهم يستهدفون، الرواج المادى، والربح المالى، وأيضا التقدير الأدبى، فماذا عن المؤلفين من مفكرين وأدباء ونقاد إلى جانب المترجمين، وما رأيهم إذا ما طرح الناشر أكثر من كتاب لهم فى المعرض سواء كان للمرة الأولى أو فى طبعة جديدة، وبغض النظر عن نوع الكتاب سواء كان نصا إبداعيا، أم دراسة نقدية، أم عملا مترجما، فما رأى المؤلفين فى هذه التجربة، وهل تصب فى مصلحتهم، وتحقق انتشارا لهم؟، أم على النقيض تضر بهم؟، حاولنا التعرف على الإجابة من خلال عدد من المؤلفين الذين عرض لهم فى دورة هذا العام أكثر من كتاب.


فى البداية يقول المفكر الكبير والناقد البارز د.سعيد توفيق: لى أكثر من كتاب فى المعرض وهى: «الخاطرات: سيرة ذاتية فلسفية»، و« الفن والإبداع»، و نظرية الفن: مقدمة موجزة، من تأليف سينثيا فريلاند، ترجمة وشروح سعيد توفيق:

وهناك كتابان آخران أعيد نشرهما، ولكنهما يظهران لأول مرة فى المعرض، وهما تجلى الجميل، ومقالات أخرى، من تأليف الفيلسوف الكبير جادامر، دراسة وترجمة وشروح سعيد توفيق،، و«تهافت مفهوم علم الجمال الإسلامي»، ويضيف سعيد: والحقيقة أننى لم أختر موعد النشر، وأرى أن صدور أكثر من عمل للمؤلف فى المعرض ليس فى صالحه.

ويقول الأديب الكبير د.نبيل فاروق: يشهد معرض هذا العام صدور أكثر من كتاب لى: «الأبيض والأسود» وهو رواية خيال علمى و«المغامرة» وهى رواية بوليسية، وهناك كتاب بعنوان «حروب» يوضح حقيقة مفاهيم لا يعرفها الناس، لكنهم يرددونها مثل: الماسونية وداعش ونظرية المؤامرة أما كتابى «شغف السينما» فيتحدث عن الأفلام العلامات، ولا يرى فاروق مشكلة فى تعدد إصدارات المؤلف فجمهور المعرض متنوع: البعض يحب الكتب التاريخية، والآخر يحب الروايات، وهناك من يحب الكتب الفنية.

بينما يقول المؤرخ والكاتب الصحفى محمد الشافعى: يشهد معرض الكتاب هذا العام ندوتين لكتابى «ملاحم الكوماندوز» كما يشهد المعرض صدور كتابى الجديد «قلوب مبصرة وعقول ثائرة»، وبالتأكيد فإن بعض كتبى التى صدرت فى الأعوام السابقة مازالت موجودة لدى دور النشر وأعتقد أن وجود أكثر من كتاب للمؤلف لا يؤثر سلباً وذلك لأن كل كتاب لابد وأن يحوى موضوعا مختلفا.

كما أن القارئ الحريص على متابعة أى مؤلف يبحث دوماً عن جديده، وأخيرا فإن الكتب داخل المعرض تتعامل طبقا لآليات العرض والطلب

مقامات الشحات

فى حين يقول الشاعر المتميز محمد الشحات: سيظل هناك ارتباط ما بين معارض الكتب والمبدع أو أى مؤلف بصفة عامة، يحرص خلالها على تواجد مؤلفاته وكتبه خاصة الحديث منها فى هذا المعرض، على اعتبار أن معارض الكتب يتردد عليها الكثير من الزوار، فما بالك بمعرض القاهرة الدولى للكتاب والذى يتخطى عمره نصف القرن، ويعد محور اهتمام للقارىء وللناشر وللمؤلف أيضا، وقد يكون من حسن حظى أننى على امتداد عامين متتاليين يشهد المعرض إصدار ثلاثة أعمال لى فى آن واحد، حدث ذلك العام الماضى عندما صدر ديوانى «محاولات لا أعرف نهايتها «عن هيئة الكتاب، ويكتب فى دفتره، وترنيمات شاعر قبل الرحيل، بل أن عام 2019 شهد أيضا صدور ديوانى «سيعود من بلد بعيد».

أما معرض هذا العام فيشهد صدور «رجفة المقامات» ديوانى الثامن عشر، والمرايا النقدية دراسات فى شعر محمد الشحات تقديم د. رمضان بسطويسى ويضم 32 دراسة نقدية، وأخيرا كتاب نقدى عن ديوانى «سيعود من بلد بعيد» تقنيات السرد الحديث فى القصيدة المعاصرة» للناقد سيد فاروق.

عالم جديد تماما

ويؤكد الأديب عمرو العادلى قائلا:لم أختر موعد الصدور، فظروف النشر هى التى تختار، بالإضافة إلى أن فكرة التنافس بين عملين غير واردة بالمرة، فإعادة الطبع تختلف عن العمل الجديد، الذى لا يعرفه أحد، وبالتالى سيحاول القراء استكشاف ذلك من خلال الاطلاع عليه بشكل أسرع، أما الكتاب الذى أعيدت طباعته فهو أبطأ فى الاستكشاف، ولكنه على المدى الأطول يمكن أن يصنع قارئا مختلفا، ويتحدد ذلك حسب نوعه، وأنا أرى أن الكتابين مختلفان بالفعل، فرواية «الزيارة» دخلت فى سباق مع عشرات الأعمال وفازت منفردة بجائزة الدولة التشجيعية.

ولا بد أن ذلك سيحفز على قراءتها، فأدباء مثل إلياس فركوح وعلى بدر لم أتعرف على كتابتهما إلا من خلال حصولهما على نفس الجائزة «قبلى طبعا وفى دول عربية مختلفة» أما روايتى «رجال غسان كنفاني» فهى عالم جديد تماما، ليس فقط على مستوى مشروعى الإبداعي.

ولكن على مستوى الكتابة العربية، فهذا هو العمل المصرى الأول «على حد علمي»، الذى يتناص مع عمل عربى ملهم مثل رجال فى الشمس، وفى جميع الأحوال أنا أتمنى قراءة ممتعة سواء لهذا الكتاب أو ذاك.

وفيما تقول الناقدة المتميزة د.أمانى فؤاد: لم أختر موعد صدور مجموعتى القصصية فى معرض الكتاب وكذلك الأمر بالنسبة إلى كتابي «المرأة..ميراث القهر» ، والحقيقة أننى لم أكن أنتوى نشر المجموعة القصصية الآن، لولا أن الناقد سيد الوكيل الذى يرأس تحرير سلسلة إبداعات قصصية عن هيئة الكتاب هو الذى أشار على بإصدارها فى السلسلة فأكملتها وهى تحمل عنوان «لأسباب أخرى تعتم النجوم»، أما الكتاب فيناقش موضوعا متكاملا يعالج قضايا المرأة سواء فى الخطاب الأصولى أو الخطاب الاجتماعى أو وسائل الإعلام أو الأدب، وترى الناقدة المتميزة أنه لا ضرر من صدور الكتابين معا، فالأول مجموعة قصصية والثانى موضوع فكرى.

نوح وكفر هلال

ويشير الأديب سعيد نوح إلى روايته «كفر هلال» و«روعة الحب» مؤكدا على أنه لا تقاطع بينهما فالأولى تحكى عن ثلاثة شبان من طلاب الجامعة، وعلاقاتهم بالجذور فى مسقط رأسهم بالمنوفية، أما الثانية فتحكى عن صبى فى مرحلة إعدادية يقابل سيدة متزوجة فتنشأ بينهما علاقة غرامية، وكل مبدع هو مجموعة من الأفكار المختلفة التى تنتج تنوعا.

وحوش روحى!

بينما تقول الأديبة أسماء حسين: موعد الإطلاق عادة يتم بالاتفاق بين الناشر والمؤلف، وموعد معرض الكتاب كان بديهيا أكثر منه اختياريا؛ بسبب اقتراب موعده مع توقيت طباعة الكتابين، خاصة وأن أحدهما سبق الآخر بالفعل وصدر فعلا فى معرض الشارقة وهو ديوانى «أجمل الوحوش التى عضت روحى». 

ويتزامن المعرض مع وصوله إلى مصر، ومع الإطلاق الأول لمجموعتى القصصية «العودة من سيلفيا بلاث» وتزامن العملين لا خوف منه لاختلافهما كليا، حيث كل منهما يمثل لونا مختلفا تماما، وربما له ذائقة مختلفة و قارئ مختلف أحيانا، بخلاف كل قارئ يجمع بين اللونين، لكن المشكلة كانت لتنشأ حال تشابه اللون الأدبى للكتابين مع صدورهما فى نفس التوقيت. ولا أعتقد أنها المرة الأخيرة التى أقدم فيها على إصدارعملين مختلفين.

تشريح نفسي

ويقول الأديب روبير فارس: فكرة صدور أكثر من كتاب لى فى المعرض هى قرار من الناشر الذى أتعامل معه منذ سنوات، ويجد فى كتبى جديدا يقبل عليه القراء،.وفى هذه الدورة تصدر لى عدة كتب أرى أنه لاتقاطع بينها، فهناك عمل أدبى وهى «نيوفيلا» بعنوان "الرعاع هم أحفادك يا رع" كتبتها بأسلوب مغاير، وهى تقوم بتشريح نفسى لفئات متعددة فى المجتمع وتنقل مفهوم الرعاع من الطبقية إلى الحالة الفكرية والنفسية للنماذج الأدبية المعروضة، أما الكتاب الآخر فيندرج تحت الفكر الدينى وهو بعنوان "واخضرت شجرة الدين تراث المسيحية الصهيونية فى الشرق"، ويكشف خطورة التفسير السياسى للنصوص الدينية.

وتقول الأديبة الشابة شيرين هنائى: المعرض فرصة لتجمع الكتاب والقراء، وأغلب القراء يدخرون لشراء كل الكتب التى أعجبتهم طوال السنة، لذلك فالمعرض موسم جيد لعرض الكتب الجديدة، ولى ثلاث ترجمات هذا العام، ولا أخشى أن يحدث تضارب بينها، فالقاريء يشترى أثناء المعرض ويقرأ على مدى العام.

قلبى ومفتاحه!

بينما يقول الأديب أدهم العبودى: «قلبى ومفتاحه»، رواية عن الهوية والمسكوت عنه فى المجتمع القبلى البدوي، تخاطب فئة مختلفة من الجمهور، فئة فى الغالب غير محسوسة، تتحرك دون ضجيج أو صخب، وبالطّبع معرض القاهرة أول معرض يمرّ على الرواية، وأتوقع أن تلاقى الصدى المبتغى، أما «معشر الجن» فهى رواية عن الأسطورة والخرافة فى جنوب مصر، نوع مختلف عن الكتابة التى اعتدت عليها، بمعنى أصح نوع أكثر تخصصًا، يمكن أن تدرج الرواية تحت مفهوم «أدب الرعب» أو «أدب الشباب».

ليس عيبا أو نقيصة!

ويؤكد الأديب والباحث د.ياسر ثابت بقوله: من الأساطير المؤسسة فى الوسط الثقافى المصرى، القول إن إصدار كتابين فى توقيت متزامن أو متقارب ليس فى مصلحة المؤلف، وأعتقد أن هذا من الخرافات السائدة، وأن الحكم هو للقارئ أولًا وأخيرًا، وقد يكون للمؤلف أكثر من كتاب فى موضوعات مختلفة أو أشكال أدبية مختلفة (رواية، مجموعة قصصية، أدب رسائل، شعر، مسرحية، إلى آخره) وبالتالى لا معنى للمقارنة بين كتابين فى موضوعين مختلفين أو يقدمان لونين أدبيين، والجودة هنا هى المعيار، ولكل كتاب قارئه الذى يهتم به ويتطلع إليه. 

وبالتالى فإن الحديث عن صدور أكثر من كتاب فى توقيت متزامن لمؤلف واحد ليس نقيصة ولا عيبًا، والمهم هو المحتوى والمستوى، كما أن الكتاب قد يكون فى طور التجهيز الفنى والطباعى طيلة شهور مضت، لكنه يصدر فى مناسبة أو حدث ثقافى مهم هو معرض الكتاب، الذى يفد إليه مئات الآلاف من الرواد للبحث عن الكتب والآداب والمعارف المتنوعة. 

من هنا، يكون صدور كتاب أو أكثر، فى حدث ثقافى من هذا النوع أمرًا محمودًا بكل المقاييس.

صهوة الخيل وصهيله

وفى الختام تقول القاصة الشابة نهى صبحى الحائزة على جائزة معرض الكتاب فى فرع الكتاب الأول: بعد نفاد الطبعة الأولى من مجموعتى القصصية «أصفاد الروح» الصادرة فى معرض القاهرة الدولى للكتاب 2019، أصدرت الطبعة الثانية منها وستحظى بوجودها فى الدورة الحالية من المعرض 2020، وستشهد الدورة نفسها صدور مجموعتى القصصية الثانية «الخيالة.. بين صهوة الخيل وصهيله»، ورأى البعض ذلك اثباتًا جليّاعلى مصداقية مشروعى الأدبي، وفعليًا عملت على هذا المشروع طوال العام المنتهي، وأصررت على أن أطور من أدواتى السردية، وأن تخطو كتاباتى خطوة نحو منطقة جمالية وسردية جديدة، على ضوء إرشادات الكثير من قامات النقد المعروفة فى المجال الأدبي، واكتسابى خبرة إضافية.

 ويعتبر وجود الكتابين فى الدورة نفسها للمعرض شيئا مميزا يزيدنى صقلًا، ويعمل على انتشار اسمى على نطاق أوسع، فأغلبية القراء يمتلكون تلك المكتبة المنزلية التى تحتوى على الكثير من الكتب والبعض لديهم الأعمال الكاملة للمؤلف نفسه، وفعل القراءة فعل متجدد، ليس استهلاكيًا، فالقارئ قد يعود إلى عمل ذاته مرات عدّة، ويقلب النصوص مرات ومرات ليعيد إنتاجها بطريقته الخاصة.

وعلى النقيض تأتى صناعة السينما، إذ يمكن أن يأكل فيلم لممثل من فيلمه الآخر حال طرحهما فى الموسم ذاته، ناهيك عن أن أغلب دور النشر المصرية تؤجل أعمالها ألأدبية لتطرحها بمناسبة معرض القاهرة. 

وأضف إلى ذلك أن اختلاف الذائقة الأدبية لدى القراء مع وجود كتابين لمؤلف ما يساعد أكثر على رواج الأعمال، فربما واحد منهما لا يناسب البعض بينما يجذب الآخر انتباههم، ويعد نتاج عملى هذا العام ونجاح العمل السابق، برهانا قويا على تطور أدواتى والعمل الجاد على نصوصي.