أفريقيا «الذكية».. هل تنجح القارة السمراء في اقتناص تريليونات الذكاء الاصطناعي؟

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

على مدار قرون سابقة، عجز الأفارقة عن اللحاق بركب الثورات الصناعية المتلاحقة، التي امتطى صهوتها الغرب ولحقته بلدان آسيوية سارعت إلى ركوب قطار التطور الصناعي السريع وبرعت في إضافة لمساتها الخاصة، غير أن أفريقيا وغيرها من بلدان العالم النامى بقيت دوما في الظل لا ترى شمس الثورات الصناعية الفائقة، لكن التطورات الأخيرة فتحت أبواب الأمل أمام الأفارقة للحاق بـ"صاروخ الثورة الصناعية الرابعة" التي يهرول إليها العالم بخطوات لاهثة وبين يديه كلمة سر المستقبل، وهي"الذكاء".

فالذكاء الاصطناعى قد أصبح هو المستقبل، أو بمقولة أخرى فإن "المستقبل هو الذكاء"، إذ تتوقع البحوث والتقارير أنه بحلول 2030، أي بعد 10 سنوات، سيضيف "الذكاء الاصطناعي" AI وحده ما يزيد على 7ر15 تريليون دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بواقع 6ر6 تريليون دولار في صورة زيادة في الإنتاجية، و1ر9 تريليون دولار كتأثيرات ناتجة من الاستهلاك.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل تشير دراسات صادرة عن الاتحاد الدولى للاتصالات إلى أنه علاوة على ذلك، فإن النماء التكنولوجي المرافق لتلك الظاهرة والذي سيتيح للناس والذكاء الاصطناعي العمل سوياً لتحفيز الأداء "سوف يولد 9ر2 تريليون دولار من قيمة الأعمال المشغلة إضاة إلى 2ر6 مليار ساعة إنتاجية للعمال على مستوى العالم".

وتؤكد التقارير أنه في عالم يتسم بـ"التواصل المحفز" وتطغى فيه المعلومات بقيمتها ونفوذها، فإن أفريقيا لديها فرصة فريدة وغير مسبوقة لتسخير التكنولوجيات الرقمية الجديدة لتقود القارة إلى عملية تحول هائلة وتنافسية شديدة الفعالية، مشددة على ضرورة انتهاز الفرصة، لأن "أفريقيا ليس لديها رفاهية، ولا ينبغي عليها، أن تتخلف عن هذا الركب"، حسبما حذرت دورية "افريكا ريبورت".

واستعرضت دورية "افريكا ريبورت" المجالات التكنولوجيات العشرة التي يمكن لأفريقيا استخدامها في مسيرة الاقتصاد الرقمي وتشمل الأمن السيبراني، الحواسب السحابية، وتحليلات المعلومات الهائلة، وسلاسل الكتل، وإنترنت الأشياء، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والتقنيات الحيوية "البيوتكنولوجي"، والروبوتات، وتخزين الطاقة، والذكاء الاصطناعي AI.

ويحظى مجال الذكاء الاصطناعي AI باهتمام خاص من جانب المراقبين الذين أكدوا أنه يحمل في طياته فرصاً هائلة ودروبا لا تحصى، بالنسبة للقطاعين العام والخاص، لتعظيم وتفعيل الحلول الناجعة لمعظم الإشكاليات والأزمات التي تواجهها القارة في وقتنا الراهن، خصوصاً بالنسبة للصناعات المتعثرة. فعلى سبيل المثال، في قطاع الرعاية الصحية، بوسع الذكاء الاصطناعي، في ظل ندرة الكوادر الطبية والمنشآت والمرافق الصحية، أن يقدم خدمات هائلة باستخدام قليل من الكوادر والمرافق، وذلك من خلال الإسراع في الإجراءات، والكشف، والتشخيص، والتجريب، ومتابعة ما بعد العلاج.

علاوة على ذلك، فإن استخدام التطبيقات الجينية الدوائية، التي تركز على الاستجابة المحتملة لفرد ما تجاه استخدام أدوية علاجية معينة استناداً إلى بعض العلامات الجينية، بما يسهل إمكانية تفصيل العلاجات للأفراد.

واخذا في الاعتبار ذلك التنوع الجيني الهائل الذي اكتشف في القارة الأفريقية، فإن هناك احتمالات كبيرة أن تثمر تطبيقات تلك التكنولوجيات عن حدوث تطور مهم وجوهري في مجالات العلاجات الطبية لتقترب من المستويات العالمية.

فعلى صعيد الزراعة، رصد تقرير "أفريكا ريبورت" تجربة ، عبدالله بانيري دياللو ، وهو المؤسس المشارك وكبير العلماء في شركة "آلتي الذكية" حديثة الإنشاء والمتخصصة في الذكاء الاصطناعي والذي تعمل شركته على نماذح لوغاريتمية متطورة وطرق ماكينات تعليم للاستفادة من مفهوم الاتقان الجيني في مجالات إنتاج الثروة الحيوانية.

فمن خلال مفهوم الاتفاق الجيني يمكن إنشاء برامج ذكية لتربية الثروة الحيوانية والتي تقلص من الأمراض والأوبئة، التعاطي مع تغيرات طلبات المستهلكين، وتسهم في تحسين حياة البشر والثروة الحيوانية على حد سواء، وذلك من خلال اختيار الصفات الوراثية الحميدة في مراحل مبكرة من عمليات الإنتاج الحيواني.

وتقول "افريكا ريبورت" إن تلك النماذج ما هي إلا أمثلة قليلة للغاية لامكانات التحول الهائلة التي يمكن أن تؤثر بها تطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في القارة الأفريقية.

ورغم التفاؤل الواضح الذي تبديه المؤسسات الانمائية الدولية في رصدها لامكانات لحاق أفريقيا بمسيرة الثورة الصناعية الرابعة، فإنها توقفت أمام عدد من التحديات الهيكلية التي يمكن أن تحد من تبني أو تنفيذ برامج الذكاء الاصطناعي وتوكنولوجياته في أفريقيا، وفي مقدمها نقص البنية التحتية الأساسية والرقمية، منبهة أنها قد تؤدي إلى تبديد الجهود الرامية لتفعيل خطط الذكاء الاصطناعي وحلوله لأنها تقلص من عصب التجرية المتمثل في التواصل الجوهري.

ومن العراقيل الأخرى، التي تشير إليها التقارير الدولية يأتي الافتقار إلى أنظمة تشريعية مرنة وفعالة، وهو ما يحبط مستويات النمو في البيئة الرقمية، التي تعد لبنة أساسية لتطبيق تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي.

علاوة على ذلك توجد معوقات أخرى منها نقص المهارات الفنية المواتية، ولاسيما بين الشباب، وهو ما يعتبره المراقبون عنصراً مهدداً للتجربة بشكل متنام، إذ إن اتساع فجوة المهارات تعني أن الكوادر والأفراد المؤهلين لكي يكونوا في مقدمة المسيرة لبناء أنظمة ذكاء اصطناعي يهربون إلى الخارج، وهو ما يحرم القارة من الكوادر والمهارات ويعرقل إمكانات التحول التكنولوجي والصناعي الشامل.

وعلى نفس المستوى، تأتي معوقات عدم كفاية الاستثمارات في البحوث والتنمية باعتبارها عقبة كؤودا يتعين على الحكومات والمشرعين العمل على إزالتها وإيجاد الحلول لها. وتوصي المجلة بأن على أفريقيا تنمية أدوات مالية مبتكرة وشراكات عامة وخاصة من أجل تمويل تنمية رأس المال البشري، مع التركيز على البحوث الصناعية ومنصات الابتكارات التي ترأب الصدع وتسد الفجوات بين مؤسسات التعليم العالي والقطاع الخاص لتأكيد أن منتجات الذكاء الاصطناعي تخرج من "المعامل إلى الأسواق".

ويؤكد تقرير "افريكا ريبورت" أن الذكاء الاصطناعي يعد بفرص واسعة النطاق بوسعها أن تضع القارة الأفريقية في طليعة الثورة الصناعية الرابعة، لكن قبل الحديث عن إمكانات التحول التكنولوجي فإن هناك خطوتين مهمتين؛ أولاهما، أن القارة بحاجة ماسة إلى صياغة معايير إرشادية شاملة لإعداد استراتيجيتها الخاصة بالذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال إشراك كافة المؤسسات عبر القارة، والأكاديميات، والقطاعين العام والخاص في وضع مفاهيمها وملامحها، وعلاوة على ذلك يتعين على الجهات المعنية والمختصين بتلك المجالات الاستثمار في إنشاء منصة هوية رقمية لجموع الأفارقة مع بنوك معلومات موثوقة لتطبيقات الذكاء الصناعي وبرامجه لكي يصبح خياراً اقتصاديا فعالاُ.

أما الخطوة الثانية التى أشار اليها التقرير فتتلخص في ضرورة تحقيق التناغم بين السياسات التشريعية المشجعة لإقامة أنظمة الذكاء الاصطناعي وأخلاقياتها لضمان تحقيق تنمية اقتصادية شاملة لقارة أفريقيا. وتؤكد أن تحقيق هاتين الخطوتين تمثل أفضل ضمانة بأن يصبح العقد المقبل بالنسبة لأفريقيا "عقداً ذكياً" تتمكن فيه من اقتناص تريليونات الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة.