9 سنوات من «الخريف» العربي.. «ليبيا» ضحية طعنات التدخلات الخارجية

ليبيا
ليبيا

«الإخوان» حولوها لملاذ للإرهابيين ومهدوا الطريق للاحتلال التركي

كانت ليبيا من المحطات المبكرة التى وصلها قطار «الربيع العربي» الداهم للعديد من العواصم العربية فى ذلك الشتاء الصاخب من عام ٢٠١١.

ورغم أن ليبيا عاشت فترات قاسية خلال حكم العقيد معمر القذافى نتيجة العقوبات الدولية عليها، إلا أن كل ما عانته ليبيا خلال تلك السنوات لا يقاس بما شهدته من معاناة خلال السنوات التسع الأخيرة، والتى تكاد تهدد كيان الدولة نفسها والتماسك التاريخى للأراضى الليبية.

وقد دخلت ليبيا فى دوامة هيمنة الميليشيات الإرهابية المسلحة، وباتت العناصر الإرهابية من كل أنحاء الأرض ترتع على أراضيها نتيجة مساندة حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج لتلك الميليشيات، واستدعاء تلك الحكومة للاحتلال التركى، لتدخل ليبيا فى الذكرى التاسعة لاندلاع ما يسمى بـ»ثورة ١٧ فبراير» فى مرحلة جديدة قد تعصف بكيان ليبيا التى نعرفها، والتى استطاعت الصمود فى وجه الاحتلال الإيطالى ومن قبله الاحتلال العثمانى.

ربما كان الليبيون مأخوذين بأحلام الديمقراطية والتغيير، عندما انطلقت تظاهراتهم فى 17 فبراير 2011 فى سياق أحداث الربيع العربى، لكنهم لم يتخيلوا يوما أن تلك الأحلام المشروعة يمكن أن تسرقها منهم «طيور الظلام» التى سرقت كل انتفاضات الشعوب العربية، ودفعت ببلادهم إلى حافة الهاوية، فتحولت ليبيا الدولة الغنية بمواردها النفطية ومساحتها الشاسعة إلى مطمع للكثير من القوى الإقليمية والدولية، التى رأت فى الاضطرابات فرصتها للسطو على الثروات الليبية.

كما استغل تنظيم «داعش» وغيره من التنظيمات المتطرفة الفوضى والانقسامات لترسيخ موطئ قدم له فى البلد وتمكن خلال أشهر من السيطرة على مدينة سرت مسقط رأس القذافى حتى إخراجه منها فى أواخر 2016.

غياب الاستقرار

وقد شهدت ليبيا على مدى السنوات التسع الماضية حالة عميقة من عدم الاستقرار السياسى والأمنى، فقد أدار المجلس الوطنى الانتقالى البلاد بداية من 27 فبراير 2011، برئاسة الوزير السابق فى نظام القذافى، مصطفى عبد الجليل، حتى تسليمه السلطة للمؤتمر الوطنى العام، المنتخب فى أغسطس 2012، وكان لصعود المتأسلمين للحكم أثره السلبى فى استقرار البلاد، فقد قاموا بتشجيع الجماعات الإرهابية المسلحة لتجد لها موضع قدم فى الأراضى الليبية، ليكونوا أذرعهم العسكرية، ولفرض إرادتهم على الشعب، أو لتحميهم من أية تقلبات سياسية، واستمر الإخوان فى الحكم إلى أن تمت انتخابات مجلس النواب، وهى أعلى سلطة تشريعية فى البلاد، والتى كان من المفترض أن تعين حكومة جديدة.

خسرت جماعة الإخوان هذه الانتخابات، ممثلة فى حزب «العدالة والبناء»، المسيطر على المؤتمر الوطنى العام، فأعلنوا رفضهم لنتائج الانتخابات، وتمسكوا بالحكم، واستخدم الإخوان جماعات متطرفة، مثل: غرفة عمليات ثوار ليبيا، ودرع ليبيا، المسلحتين، للسيطرة على العاصمة طرابلس، إذ أعلنت هذه الميليشيات المتحالفة مع الإخوان أن المؤتمر الوطنى العام هو البرلمان الوطنى، وأرادت فرض كلمتها بقوة السلاح.

وأعلن مجلس النواب المنتخب تكوين حكومة جديدة، برئاسة عبد الله الثنى، واتخذ مقراً مؤقتاً له فى طبرق، كما أعلن المشير خليفة حفتر انحيازه لمجلس النواب المنتخب حماية للمسار الديمقراطى، ورفض وصاية الجماعات المتطرفة المسلحة.
ومنذ ذلك الحين أصبح فى ليبيا حكومتان، الأولى فى طرابلس يؤيدها الإخوان والجماعات الإرهابية المسلحة، والحكومة الثانية فى طبرق، ويؤيدها الجيش الوطنى الليبى.

واستمر الصراع بين الحكومتين، من 2014 حتى عام 2015، عندما تم التوقيع على اتفاقية الصخيرات بالمغرب، بتاريخ 17 ديسمبر 2015، وتحت إشراف المبعوث الأممى، مارتن كوبلر، ونص الاتفاق على تكوين حكومة وفاق وطنى تدير المرحلة الانتقالية لمدة ثمانية عشر شهراً، ومنح صلاحيات رئيس الحكومة لمجلس رئاسة حكومة الوفاق الوطنى.

ومن أهمها قيادة الجيش والقوات المسلحة، مع الاعتراف بمجلس النواب، وفى حال عدم انتهاء الحكومة من مهامها، يتم تمديد الفترة ستة أشهر إضافية، ونص الاتفاق أيضا على تشكيل المجلس الأعلى للدولة من أعضاء المؤتمر الوطنى العام الجديد، وتم تسليم المهام لحكومة الوفاق، فى 1 أبريل 2016.

وكان من المفترض أن تنتهى الفترة الانتقالية لحكومة الوفاق (حكومة السراج)، فى أكتوبر 2017، ومع التمديد ستة أشهر، يكون انتهاء المرحلة الانتقالية، فى أبريل 2018، وكان على حكومة الوفاق أن تقوم بسن قوانين تقلص وجود الجماعات المتطرفة، إلا أن المراوغة كانت هى النهج الذى اتبعته حكومة السراج، فلم تقم بأى من التزاماتها، بل والأخطر أنها استخدمت الجماعات الإرهابية لتتمكن من السيطرة على البلاد ومواجهة الجيش الوطنى.

معارك شرسة

ويقود الجيش الوطنى الليبى حاليا معارك شرسة من أجل تطهير البلاد من تلك الميليشيات التى تسيطر على مساحات واسعة من الأراضى الليبية، فضلا عن إعلانه النفير العام لمواجهة أى غزو تركى محتمل للأراضى الليبية بعد موافقة البرلمان التركى على إرسال قوات للتدخل فى ليبيا.

الأطماع التركية فى الأراضى والثروات الليبية ليست الوحيدة، فقد أغرت سنوات الإضطراب والفوضى فى ليبيا العديد من القوى الإقليمية والدولية على السعى لالتهام نصيبها من الكعكة الليبية، وقد بدأت تلك التدخلات مبكرا منذ تدخل حلف شمال الأطلسى «الناتو» للإطاحة بالعقيد القذافى، وبمرور الوقت تحولت ليبيا إلى فريسة يجرى التنافس عليها بين القوى الإقليمية والدولية ومن أبرز تلك القوى فرنسا وإيطاليا اللتان اتسم سلوكهما طوال السنوات الأخيرة بالتحول حسب خريطة مصالحهما وبما يحقق أهدافهما فى هذا البلد الغنى بالذهب الأسود.

كما تحولت ليبيا إلى ساحة مفتوحة للتحركات القطرية المشبوهة عبر تمويل العديد من الجماعات الإرهابية بالمال والسلاح لتحقيق مصالحها، واتخاذ الأراضى الليبية للإضرار بمصر وتهريب الإرهابيين إلى أراضيها.

نزيف اقتصادى

وإذا كانت ليبيا واحدة من أغنى الدول العربية بثرواتها النفطية، فإن تلك النعمة تحولت نتيجة الصراع الإقليمى والدولى على ليبيا وامتداد سنوات الصراع الداخلى إلى نقمة على هذا الشعب الشقيق، فضلا عن استنزاف تلك الثروات بصورة غير مسبوقة، حتى باتت ليبيا واحدة من الدول المهددة بالانهيار الاقتصادى.