فواصل

استراتيجية جديدة فى البحر الأحمر

أسامة عجاج
أسامة عجاج

اتمنى الا تكون التوترات الحاصلة فى منطقة الخليج، او مايجرى فى الجارة ليبيا، قد صرف أنظار المراقبين عن حدث مهم وذو طابع استراتيجى مهم على الساحة العربية، انطلق من العاصمة السعودية الرياض منذ اقل من أسبوعين،عندما قام وزراء خارجية ثمانى دول، هى مصر والسعودية، والأردن، والسودان، وجيبوتي، واليمن، والصومال وإريتريا بالتوقيع على ميثاق مجلس الدول العربية والافريقية، لانشاء مجلس الدول العربية والافريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن،التوقيع لم يكن مفاجئا للمتابعين للشأن الاستراتيجى والامنى فى تلك المنطقة الحساسة من العالم، خاصة وانه سبقته اجتماعات ومشاورات لم تأخذ - للأسف - حظها من التناول الإعلامي، رغم انه نتاج عامين من العمل الدءوب، مابين مصر والسعودية، وهما اصحاب الفكرة، وأكثر المتحمسين لها واصحاب الجهد الرئيسى فى إتمام إجراءاته، حيث كانت البداية من اجتماع على مستوى كبار المسئولين بالقاهرة خلال النصف الاول من ديسمبر عام ٢٠١٧،وتم خلاله الاتفاق على المبادئ الأساسية للتعاون بين هذه الدول، وشكل اللبنة الأولى على طريق وضع أسس التعاون المشترك بينها فى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، وبعد عام بالتمام والكمال جاءت اجتماعات وزراء الخارجية فى الرياض، فِى الاجتماع الاخير، وقع الجميع على الميثاق الذى سيرفع إلى قادة الدول الموقعة للتصديق عليه، فى اجتماع قمة سيدعو لها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز خلال الفترة القريبة القادمة.
وتبدى القاهرة حماسا واضحا لانطلاق المجلس الوليد، وتفعيل عمله،ورغم وجود العديد من المشاريع المطروحة لضمان أمن واستقرار المنطقة، الا انها جمدت - ودون اعلان - مشاركتها فى الناتو العربى على سبيل المثال، ولم تحضر الاجتماع الاخير الذى عقد فى الرياض فى الصيف الماضى،والذى اقترحته الإدارة الأمريكية، وكان يضم دول الخليج وعددا من الدول العربية، لغياب الرؤية وغموض الأهداف، وبعضها متعلق بمواجهة ايران، وكذلك رفضت منذ البداية الانضمام إلى القوة المقترحة امريكيا تحمل اسم «عملية الحارس»، والذى نتج عن المؤتمر الدولى لدعم الأمن والسلام فى الشرق الأوسط، الذى انعقد بمبادرة من واشنطن فى مدينة وارسو فى فبراير الماضي،وغابت عن اجتماع مهم لها فى البحرين فى اغسطس الماضى بمشاركة ٦٥ دولة، ويستهدف حشدا دوليا ضد ايران،كما ان مشاركة مصر فى تحالف دعم الشرعية فى اليمن، كانت قاصرة فقط على مايخص حماية مصالحها، وهو الحفاظ على أمن باب المندب،لتأثيره الحيوى والوجودى على قناة السويس وضمان المرور منها. وتبدو اسباب ذلك الاهتمام المصرى بالاتحاد ماثلة للعيان، منها ان العضوية قاصرة فيه على سبع دول عربية ومعها ارتيريا، وهى دولة عضو مراقب فى الجامعة العربية، كما ان الاتحاد لَيْس فى خدمة اجندة إقليمية او دولية، بل تنحصر اهدافه فى رفع مستوى التعاون والتفاهم وتنسيق المواقف السياسية بين دول المجلس، وتوثيق التعاون الأمنى بينها للحدّ من المخاطر التى يتعرض لها البحر الأحمر وخليج عدن، بما يعزز أمن وسلامة الملاحة الدولية فيها، ومنع كلّ ما يهددها أو يعرضها للخطر، وحتى الآن لم يتم حسم قضية التعاون العسكرى وهو ماكشف عنه وزير الخارجية السعودى عندما قال «لا يوجد تصور لإنشاء قوة عسكرية جديدة، لا أتصور دون استبعاد ذلك فى المستقبل، واتصور ان قاعدة برنيس الجوية والبحرية يمكن ان تكون أساسا فى هذا البعد الإقليمى.
ومن المهم ان الكيان الجديد يمكن ان يكون بداية حقيقية للتعامل بشكل جدى مع الاخطار التى يمثلها الوجود الايرانى والتركي، واطماع الطرفين فى التواجد بكثافة فى المنطقة، سواء فى البحر الأحمر او خليج عدن ودول القرن الافريقي، فطهران نجحت فى تأسيس ذلك عبر الحضور فى الساحة اليمنية من خلال الحوثيين ، وإقامة قواعد عسكرية لها فى ميناء عصب وجزيرة دهلك الإريتري، كما ان تركيا تسعى إلى إقامة قواعد عسكرية للتدريب فى جزيرة سواكن السودانية، وإنشاء قاعدة عسكرية فى جيبوتى، هذا إلى جانب القاعدة التركية فى الصومال. فالبديل هنا الدعم الاقتصادى والتنموى فى الدول الأعضاء، وزيادة معدلات الاستثمار، كبديل للتخلى او التوقف عن اى مشاريع لقواعد عسكرية ايا من دوله.