عمرو الخياط يكتب: كلمة السر.. الجيش المصري

عمرو الخياط يكتب: كلمة السر.. الجيش المصري
عمرو الخياط يكتب: كلمة السر.. الجيش المصري

انظر حولك فتش فى الحقيقة تجول فى إقليمك، اتجه إلى سوريا الحبيبة والتقط صور الأطلال المطموسة بالدماء، استكمل نحو العراق واصحب قصائد رثائك لحضارة بلاد الرافدين التى تبددت بفعل الطائفية البغيضة، اجعل لليمن الذى كان سعيدا نصيبا من رحلتك ولا تتغافل عن رائحة البارود التى ملأت شوارعه، واصل جولتك متجها إلى ليبيا وارصد مشاهد القتال الدائر وصراع القوى الأجنبية على مقدرات شعبها، ابحث عن الجيوش وأعلن الحقيقة التى تقول إنه إذا تم تسييس الجيوش وتلويثها بالطائفية فإننا نكون قد زرعنا بذور الانقسام فى صفوفها وتشكيلاتها فسقطت الأوطان وتقاتل أبناء الشعب الواحد، ثم عد إلى وطنك المتماسك بصلابته وسط أنواء الإقليم العاتية وابحث عن كلمة سر الوطن ورددها بقلبك قبل لسانك.. كلمة السر «الجيش المصرى».

عن الجيش المصرى نتحدث، عن قاعدة ارتكاز الدولة المصرية المدنية نتحدث، عن عقيدة الدولة المدنية المسيطرة على ثقافة هذا الجيش نتكلم، لنجد أننا أمام منظومة مدهشة لقوات عسكرية مسلحة تلتزم مبادئ المدنية الحديثة فى إدارة مؤسساتها وعلى رأسها إقصاء الطائفية والمذهبية من بين صفوفها.

نبذ الطائفية هنا ليس اجراء سياسياً بل اجراء وجودى يمارسه هذا الجيش اعتقادا فى كونه قاعدة ارتكاز الدولة المدنية وبالتالى يظل حريصا على الدوام لأن يكون نموذجا لمؤسسية الحالة المدنية، ليثبت أن صفته العسكرية هنا هى صفة نظامية وتنظيمية وليست نهجا سياسيا مقابلا لبنيان الدولة المدنية.

إذن العلاقة هنا بين الجيش والدولة الوطنية هى علاقة وجود تبادلى، أى أن هذا الجيش هو الحافظ لمدنية الدولة، كما أن هذه الدولة هى الحاضن الدستورى لتموضع الجيش فى بنيانها المدنى القانونى.

كلمة السر التى أدركها هذا الجيش تتجسد فى كون مهمته المقدسة هى حماية فكرة الدولة الوطنية، لكنه كما ادرك ذلك فإن قوى الشر قد أدركت حقيقة هذا السر فوضعت الجيش المصرى هدفا لمرمى نيرانها من أجل تفكيك القاعدة العسكرية لارتكاز الدولة المدنية وثبات وزنها النسبى فى محيط إقليمها.

عملية استهداف الجيش ارتكزت على مايلى:

- استدراجه لمساحات السياسة

- استدراجه لمساحات تنافس اقتصادى ليست موجودة، لأن الجيش لا يمارس مهام الاقتصاد الاستثمارى بل مهام الاقتصاد الإنقاذى فى وقت يدرك الجميع فيه أوضاع الدولة.

- إعادة صياغة صورة ذهنية للجيش من حماية الدولة المدنية إلى ند سياسى لها.

- إظهاره بمظهر مؤسسة ما فوق القانون.

- استباحة هذا الجيش فى مساحات الإعلام.

هذا المخطط المتكامل هدفه خلق معارضة مجتمعية للجيش داخل ظهيره الشعبى الذى يعتبر المصدر الرئيسى لشرعية حركة الجيش فى القطاعات المدنية من أجل خدمة هذا الظهير الذى تعتبر حماية إرادته هدفا أساسياً للجيش، وبالتالى تحدث عملية العزلة بين الجيش وحاضنه الشعبى، بعد أن يتم تصوير حمايته للإرادة الشعبية باعتباره عملا سياسيا وليس عملا حمائيا من أجل إجباره على الانسحاب من مهمة الحماية حتى لا يوصم بالتغول السياسى فتحدث عملية انفراد قوى الظلام بالإرادة الشعبية التى لم تعد تجد من يحميها.. تذكر عندما وقف الإخوان داخل برلمانهم المنحل مطالبين بعودة الجيش للثكنات، لقد كان الهدف هو تشفير كلمة السر فتصبح غير صالحة للاستخدام الشعبى فيفقد الجيش قيمته داخل وجدان أصحاب هذه الإرادة.

لكن مؤسسية هذا الجيش حالت دون تورطه فى هذا المخطط فظل بعيدا عن السياسة لكنه قريب من الممرات المؤدية إلى قواعد حماية الإرادة الشعبية إذا ما اضطر إلى التحرك نحوها حال تعرض هذه الإرادة لأى تهديد.

هنا ظهرت عبقرية مؤسسة الجيش التى اثبتت قدرتها على الاندماج القانونى فى البنيان الدستورى للدولة المدنية الوطنية.

وبرغم تموضع الجيش فى قاعدته القانونية إلا أن محاولات دفعه للانسحاب التام من المشهد لم تتوقف بل راحت تروج لصورة ذهنية مغلوطة تصوره سلطة فوق الدولة تضم فئات تسعى لتمييز نفسها اجتماعيا لخلق وهم يمكن تسميته بالطبقية العسكرية التى تُمارس استعلاء على أصحاب الإرادة الشعبية لمجرد كونهم لا ينتمون للمؤسسة العسكرية.

انظر حولك وارصد تناحر الجيوش واحصر جثث الضحايا التى قتلت بأيدى جيوشها التى تفككت بفعل الطائفية فانهارت فكرة الدولة الوطنية على اثر انهيار تلك الجيوش.

تذكر عندما أصبح الجيش مادة للتناول الإعلامى غير المسئول، فراح يطرح تساؤلات عن جدوى عمليات التسليح التى ينفذها الجيش وعن جدوى عمليات التطوير والتدريب وتكلفتها، ثم تسويق فكرة وجوده شبهة اهدار للمبالغ المنصرفة وان أصحاب الإرادة الشعبية كانت لهم متطلبات أولى بالإنفاق عليها، بهدف خلق ومراكمة غضب فى الصدور.

الآن تظهر الحقيقة بأن عمليات التسليح لم تكن بذخا عسكريا عشوائيا بل عملية استثمار قومى لإعادة تأهيل البنية العسكرية القادرة على التصدى لمسئوليات الحماية.

العملية العسكرية الشاملة من أجل الحماية المدنية ارتكزت على تنويع مصادر التسليح بنية تضخيم الاستثمار فى أدوات الحماية، أى أنها منذ البداية عملية استثمار فى الإرادة الشعبية.

ولأن هذا الجيش لا يحيد عن توصيفه كأحد المكونات الدستورية للدولة الوطنية فإنه راح يتموضع كمكون داعم للسياسة الخارجية للدولة وأداة قوة فى ملفها الدبلوماسى.

جزء من هذه المنظومة حجم المناورات التى أجراها هذا الجيش مع العديد من القوات الأجنبية والمدارس العسكرية المتنوعة ليمارس دورا غير مسبوق لقوة الدبلوماسية العسكرية للدولة الوطنية.

بالتوازى مع عملية التطوير العسكرى الشاملة راح الجيش يمارس عملية ادراك عسكرى شامل فرضت نشر قواعده العسكرية على أطراف جغرافيا الوطن وفِى اتجاهات ومسارات أمنها القومى الذى يبدأ من مصب النيل فى الحوض الإفريقى وحتى باب المندب مرورا بالمدخل الجنوبى لقناة السويس وعلى امتداد سواحل البحرين الأبيض والمتوسط.

عملية انتشار القواعد ارتكزت على مفهومى الجاهزية والردع.

فى قاعدة برنيس تجلت نتائج منظومة العسكرية المصرية الوطنية، قدمت غيضا من فيض، وجهت الرسائل الاستراتيجية نحو مستقبليها، استعرضت قبسا من القدرة المصرية على إدارة القوة الرشيدة.

باسم مصر قال الجيش إن مصر قادرة على الردع تمسكا بالسلام، باسم مصر قال الجيش إن مصر المحبة للسلام هى ذاتها مصر التى لايمكن أن تفرط فى حقوق شعبها وأنها ستدافع عنها بكامل مخزونها الاستراتيجى من الحكمة والقوة.

 

 

 

 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي