كل يوم

وماذا بعد واقعة المنصورة؟

ياسمين جويلى
ياسمين جويلى

التحرش من أشد انتهاكات حقوق الإنسان صعوبةً، لما يحمله من حساسيّة خاصة فى المجتمعات المحافظة، وهو ظاهرة انتشرت فى مصر بشكل سريع ولم تعد الظاهرة محصورة فى المدن فقط بل امتدت إلى القرى الريفية والنجوع وأصبحت الأنثى كبيرة أو صغيرة محجبة أو سافرة، كلهن يتعرضن للتحرش حتى باتت الظاهرة تؤرق المهتمين بها المدركين لخطورتها، يسعون لإيجاد علاج لها، ولكن الكثيرين منهم، يعالج نتائج الظاهرة فقط، بناء على رؤيته القاصرة، وقليلا منهم من يتطرق إلى أسبابها، ويتعمق فى تحليلها، ليصل إلى العلاج الكامل الصحيح، الذى يعالج جذور المشكلة ونتائجها وتداعياتها فى آن واحد.
واقعة التحرش التى شهدتها مدينة المنصورة ليلة رأس السنة وما صاحبها من ضجة اجتماعية وإعلامية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة.. طالما لا يوجد حل جذرى وعقاب رادع لمرتكبيها.. هذه الظاهرة التى أصبحت تطل علينا بوجهها القبيح من وقت لآخر وتعكر الصفو العام وتثير اشمئزاز قطاع كبير من المجتمع المصرى الذى يرفضها تماما بسبب الطابع الدينى فى المقام الأول والعادات والتقاليد الشرقية فى المقام الثانى.
ولاشك أن التحرش قد يحدث فى أى بلد فى العالم، ولكن من المستحيل أن نجد كم هذا الهجوم على الفتاتين ولا أظن أن أى بلد فى العالم لديه هذه الكمية من الكائنات التى تبرر التحرش لأن ملابس الضحية وشعرها وجسدها عارية، فبمجرد ظنهم أنها قادمة من حفل لـرأس السنة جعلها وجبة شهية مستباحة للتحرش بل ويحق لهم التعدى على حريتها بذريعة أنها هى من أرادت ذلك، فقط كونهم ارتأوا أن ملابسها حسب وجهة نظرهم غير مناسبة.
ما حدث فى أرقى أحياء المنصورة لم تكن جريمة عشرات من الشباب الضائع التائه إنما هى جريمة شارك فيها ملايين من الذين اعتنقوا التبرير والدفاع عن التحرش كمبدأ وعقيدة عند حدوث أى حادثة مشابهة، فكلهم مغتصبون متحرشون لم تواتهم الفرصة بعد.
حادثة المنصورة ليست مجرد حادثة تحرش عابرة ولكنها عقيدة عند فئة من المواطنين فى ظل غياب الوازع الدينى والقيم الاجتماعية والعادات والتقاليد التى ذهبت أدراج الرياح ويتوارث ذلك الأجيال الصاعدة وهو ما ينذر بحالة من الخلل الاجتماعى خلال السنوات المقبلة ما لم يحدث علاج سريع ووضع حل جذرى لهذه الظاهرة.