مستقبل الصدام بين إيران والولايات المتحدة.. «حـرب الوكـلاء»

إطلاق الصواريخ الإيرانية على قاعدة عين الأسد الأمريكية
إطلاق الصواريخ الإيرانية على قاعدة عين الأسد الأمريكية

دراسة - حسين عبدالراضي

حصرت «زينب» ابنة قائد فيلق القدس قاسم سليمانى قائمة من سيثأرون لوالدها من الولايات المتحدة التى قامت باغتياله (يناير 2019) فى (6) شخصيات وهم: زعيم حزب الله اللبنانى «حسن نصر الله»، والرئيس السورى «بشار الأسد»، والقيادى بحركة حماس «إسماعيل هنية»، والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامى «زياد نخالة»، وزعيم مليشيا بدر العراقية «هادى العامري» وكذلك زعيم جماعة الحوثى اليمنية «عبد الملك الحوثي». وتشير تلك التأكيدات إلى أن الرد على ضربة واشنطن والتى استهدفت «سليماني» ستلعب فيها الأطراف المدعومة إيرانيًا ووكلاء طهران دورًا محوريًا. 


وعلى الرغم من أن هناك خريطة واسعة من المليشيات الموالية لإيران فى العراق، إلا أن هناك البعض منها ستشكل عملية الانتقام من الولايات المتحدة بمثابة ثأر شخصى فى المقدمة بها مليشيا حزب الله العراقى، وعصائب أهل الحق، والنجباء، وبعضها الآخر يتفق معها فى إنهاء التواجد الأمريكى فى العراق، وهى «سرايا السلام» التابعة لرجل الدين الشيعى البارز مقتدى الصدر، والتى أعيد إحياؤها فى أعقاب عملية اغتيال سليمانى. وهو ما يمكن تناوله على النحو التالى :- 


- مليشيا حزب الله العراقي: وهى من أبرز الميليشيات التى ظهرت خلال تطور التصعيد بين طهران وواشنطن، بل يمكن القول إنها هى التى أخذت زمام المبادرة لاستهداف التواجد الامريكى فى العراق حيث استهدفت قاعدة (k1) الأمريكية قرب كركوك، والذى ردت عليه الولايات المتحدة باستهداف معسكرات الميليشيا فى القائم والتى أسفرت عن مقتل القيادى بها «أبوعلى الخزعلي» الذى يعد من أبرز الشخصيات المقربة لكل من سليمانى وأبو مهدى المهندس، كما كانت المليشيا هى القوى الأبرز فى أحداث السفارة الأمريكية فى بغداد والتى انطلقت فى أعقاب تشييع ضحاياها فى القصف الأمريكى. ولهذه المليشيا تحديدا تاريخ فى المواجهات مع الولايات المتحدة كانت سبباً فى ادراجها على قوائم الارهاب فى عام 2009. ومن المتصور أنه سيكون لها دور رئيسى فى المواجهة مع القوات الامريكية فى العراق، وهناك مؤشرات عديدة على ذلك لعل أبزرها أنها أول مليشيا تبادر باعتبار القواعد الأمريكية فى العراق اهدافاً، ونصحت المواطنين بالابتعاد عنها. 

- عصائب أهل الحق: وهى أحدث مليشيا أدرجت على قوائم الارهاب الأمريكية، حيث أدرجت فى أعقاب العملية، وهو ما يعكس دورها فى مرحلة التصعيد الأخيرة، ومن المتصور أن حضور زعيمها «قيس الخزعلى» فى مشهد التحريض ضد الوجود الأمريكى فى العراق يعد أبرز من الدور الذى تلعبه الميليشيا، كما ظهر مصاحباً فى الكثير من المناسبات لكل من أبو مهدى المهندس وهادى العامرى زعيم مليشيا بدر لاسيما فى أحداث السفارة الأمريكية. 

- مليشيا بدر: والتى يترأسها هادى العامرى، والتى ستكون رأس الحربة فى المواجهة، لاسيما فى ضوء ترشيح هادى العامرى زعيم المليشيا لخلافة أبو مهدى المهندس نائب قائد الحشد، ويعتقد أنه سيتولى الموقع بالفعل. ومن ثم سيكون لديه بخلاف الارتباط العضوى بطهران موقف الثأر الذى توعد به الولايات المتحدة لدى تشييعه «المهندس».

ومن المتوقع أن مسارات الحركة لهذه المليشيا ستتبلور فى ضوء الاصطفاف الجديد لتلك المليشيات والذى دعيت له أغلب المليشيات المقربة من إيران، وفقا لما أعلنت عنه حركة «النجباء» أحد المليشيات التى ستشارك فى الاجتماع. والتى أعلنت فى بيان رسمى أن الهدف من الاجتماع فى تشكيل قيادة للمجموعة التى ستتولى «المقاومة» ضد التواجد الأمريكي، من جهة وتحديد ساعة الصفر لبدء «الحرب» ضد الوجود العسكرى الأمريكي. 

 أما على الصعيد الاقليمي، خارج العراق فمن المتصور أن وكلاء طهران الآخرين، مثل حزب الله اللبنانى والمليشيا الحوثية فى اليمن سيكون لهم دور فى أى سيناريو للتصعيد، وفقا لما ستحدده ايران، حيث يعتقد أن ايران ستقرر بشكل مركزى كيف ستكون عملية الانتقام ومن سيشارك فيها من الوكلاء، وما هو حجم ونمط دورهم، فضلا عن التوقيت والأهداف التى سيتولاها كل منهم. 

 الأدوار المُحتملة للوكلاء فى التصعيد

لعبت أذرع إيران دورًا بارزًا فى التصعيد ضد الولايات المتحدة، ويُرجح أن تتصاعد ممارساتها ومهامها فى جولات التصعيد مستقبلًا. ويمكن استشراف أبرز تلك المهام التصعيدية فيما يلي:

- تقويض الأسس القانونية للوجود الأمريكى فى العراق: فمنذ استهداف القوات الأمريكية لمقرات تلك الفصائل فى العراق بدأت الدعوات تتوالى لإنهاء العمل باتفاقية التعاون الاستراتيجى التى جرى إبرامها مع الجانب الأمريكي. ومع استهداف مقرات حزب الله العراقى بمنطقة القائم غرب محافظة الانبار فى ديسمبر الماضي، تبلورت اتجاهات منادية بتفعيل دور البرلمان العراقى فى الرد على ما تم اعتباره «انتهاكًا للسيادة»، وبالفعل انعقد البرلمان فى يناير الجارى، لمناقشة إقرار نهاية العمل بالاتفاقية سابقة الذكر، وإنهاء التواجد الأمريكى بالعراق. وقد لعبت تلك الفصائل دورًا محوريًا فى حشد الكتل الشيعية لدعم القرار، وتهديد الكتل البرلمانية السنية والكردية من تعطيل مسار هذا الاجراء. وصرح «قيس الخزعلي» زعيم (عصائب أهل الحق) بأنه «مقابل دماء المهندس، زوال كل الوجود العسكرى الأمريكى فى العراق. وقد وافق البرلمان العراقى بالفعل على إنهاء الوجود الأمريكي، واعتبره حزب الله العراقى «انتصارًا كبيرا فى مسيرة تحرير العراق من الأعداء».

- استهداف القوات والمصالح الامريكية: ويتضمن هذا الاستهداف ضرب القواعد الأمريكية، وغيرها من المنشآت الدبلوماسية والحيوية، والمواطنين الامريكيين. واستبقت واشنطن ذلك بمطالبة مواطنيها بمغادرة العراق، فيما حذرت كتائب «حزب الله» العراقى قوات الأمن من الاقتراب من القواعد الأمريكية لمسافة تقل عن 1000 متر، وهو تصريح كاشف عن نيتها باستهداف الوجود الأمريكي. كما أعلن مسئول عسكرى بالحزب عن وجود خطة لاستهداف القواعد الجوية الامريكية وتحويلها إلى ركام، إذا أصرت القوات الامريكية على البقاء فى العراق. ويعتقد أن تشن «جماعة الحوثي» ضربات على أهداف إستراتيجية داخل الأراضى السعودية، أو أن تتبنى أية عمليات ينفذها النظام الإيرانى بالمنطقة، كما حدث مسبقًا فى الهجمات على منشآت شركة أرامكو بالسعودية، وفقًا لتقارير.

- تهديد الملاحة بالخليج العربى والبحر الأحمر: وهو تطور كبير يعد استهدافًا لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها، حيث هددت كتائب «حزب الله» العراقى بمنع تدفق النفط الخليجى إلى أسواق واشنطن؛ إذا ما وقعت أية عقوبات على بغداد، وهو التهديد الذى اقترن بأن هناك «أصدقاء» لها ستساعد الحزب على تنفيذ تهديده. وتمتلك جماعة الحوثى منظومة صاروخية طورتها طهران، كذلك طائرات مسيرة وقوارب سريعة مفخخة، والتى يمكن أن يتم استخدامها فى هجمات على السفن التجارية والنفطية واسعة كانت موجودة مع نظام الرئيس السابق على عبد الله صالح، وطوَّرها خبراء إيرانيون، وبالإمكان استخدامها فى هذه الهجمات.
ومُجمل القول، فإن التصعيد القادم ستسعى إيران إلى أن يكون بذات الصدى الذى خلفه اغتيال «قاسم سليماني» وستسعى لتوظيف مقتل «أبو مهدى المهندس» نائب رئيس هيئة الحشد الشعبى العراقى معه؛ لتضمن تصدير صورة أن الرد جاء من الهيئة العراقية وفصائلها. ويثير تصاعد دور وكلاء ايران إشكالية إطلاق سلسلة من الأنشطة مزعزعة لأمن المنطقة والخليج على وجه الخصوص، كون مليشيا عصائب أهل الحق قد أعلنت عن أن الطائرة التى نفذت عملية اغتيال المهندس وسليمانى قد انطلقت من الكويت وتحديدًا قاعدة «على السالم» الجوية، وهو ما يضع ضمن الحسابات أن هناك احتمالات يخشى معها توسيع دائرة الأهداف الخاصة بالمصالح الأمريكية فى الخليج.