صحف عالمية: واشنطن وطهران تبتعدان عن المواجهة المباشرة وتحققان مكاسب متبادلة

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

لا تزال تداعيات الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران على خلفية مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، وما تلى ذلك من ضربات إيرانية ضد قاعدتين أمريكيتين بالعراق تستحوذ على عناوين كبريات الصحف العالمية الصادرة صباح اليوم.

فمن جانبها، ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ابتعد خطوة عن شن عمل عسكري ضد إيران، وهو ما تجلى في تأكيداته بأن الولايات المتحدة لن ترد عسكريا على الهجمات الإيرانية على قواعدها العسكرية في العراق، وذلك من شأنه تهدئة الأزمة التي نشبت في الشرق الأوسط عقب اغتيال سليماني في ضربة لطائرة أمريكية بدون طيار بالعراق، بل وتحقيق بعض المكاسب المتبادلة أيضا.

وأشارت الصحيفة إلى تصريحات ترامب في يوم أمس بالبيت الأبيض بأنه لم تقع أية إصابات أمريكية أو عراقية جراء إطلاق إيران لأكثر من عشرة صواريخ باليستية على قاعدتين في العراق قبل ذلك بيوم واحد، وأن الهجوم لم يؤد إلا إلى "الحد الأدنى من الضرر".

وتعليقا على ذلك، قالت "فاينانشيال تايمز": إن تعليقات ترامب تشير إلى أن الولايات المتحدة وإيران تراجعتا عن مسار المواجهة المباشرة بعد خمسة أيام من الوقوف على حافة الهاوية التي أثارت شبح اندلاع حرب شاملة، وذلك في أعقاب مقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني.

وقال شخص مطلع على المسألة (في تصريحات خاصة للـ"فاينانشال تايمز") إن الولايات المتحدة وإيران تبادلتا رسائل؛ لخفض أعمال التصعيد خلال اليوم الماضي عبر قناة خلفية سويسرية.

وتابعت الصحيفة البريطانية تقول:" إنه على الرغم من أن قرار الرجوع عن شن عمل عسكري من شأنه أن يوقف النزاع بين الطرفين، إلا أن بعض الخبراء حذروا من أن المواجهة بين واشنطن وطهران لم تنته بعد!".

من جانبه، قال عميد كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز فالي نصر،:" إن قرار ترامب في هذا الشأن لا يمكن اعتباره انتصاراً على الإطلاق، إلا إذا تمكن ترامب من ترجمته إلى مبادرة دبلوماسية...وإلا فإنه سوف يظل يحبس أنفاسه ترقبا لمزيد من أعمال التصعيد، والمزيد من القوات والحرب - وهي نفسها الأشياء التي نبذها من قبل".

أما صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأمريكية فتساءلت عما إذا كانت إيران تجنبت عن عمد إحداث إصابات بين صفوف الأمريكيين في ضرباتها على القاعدتين الأمريكيتين بالعراق؟!، قائلة- في تقرير لها نشرته على موقعها الإلكتروني- إن صورا لأقمار صناعية تجارية أظهرت حجم الأضرار التي خلفتها الصواريخ الإيرانية على قاعدة "عين الأسد" الجوية - وكانت مجرد أنقاضا متفحمة لموقف طائرات أو منشآت أخرى كانت مشيدة ذات يوم، في حين أن المباني القريبة كانت سالمة.

 وأضافت الصحيفة:" أن الأمر الأقل وضوحًا تمحور حول نية إيران ودوافعها في استهداف قاعدة الأسد الجوية، التي تضم القوات الأمريكية، فضلا عن القدرات الدقيقة لترسانة الصواريخ الإيرانية الضخمة".

ورجحت الصحيفة أن تكون إيران تعمدت شن ضربة محدودة؛ لاستهداف مواقف الطائرات بشكل خاص، وليس الثكنات أو المباني الأخرى التي من المحتمل أن تحتوي على قوات أمريكية أو قوات تحالف في ساعات الفجر المبكرة من يوم أمس /الأربعاء/، وهو ما قد تؤكده أنباء عدم وقوع إصابات بعد الهجوم.

كما أشارت الصحيفة إلى تصريحات وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبير بأن الضرر لم يكن واسعًا - "ولا يوجد شيء يمكن وصفه بالمهول"، فيما قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال مارك ميلى إن وابل الصارويخ الإيرانية "كان يهدف إلى إحداث أضرار هيكلية وتدمير المركبات والمعدات والطائرات وقتل الأفراد".

وأضاف ميلي:" أن حقيقة أن أحداً لم يُقتل له علاقة أكثر بأساليب الدفاع التي استخدمتها القوات الأمريكية، بدلاً من نية طهران في ذلك".

وفي هذا، أكد بعض المحللين أن إيران استخدمت ضرباتها الأخيرة لعرض قدراتها في التصويب على أهدافها بمنتهى الدقة، وفي هذا، توجيه تحذير للغرب من أنها تستطيع أن تلحق أضرارا أكبر بكثير في حال اندلع صراع أكثر خطورة!.

وعنونت صحيفة "الجارديان " البريطانية تقريرها في هذا الشأن بأن "الهجوم الإيراني على القواعد الأمريكية في العراق ربما ساهم في إرضاء الطرفين المتحاربين"، مضيفة:" على الرغم من أن الهجمات الإيرانية الأخيرة يمكن أن توفر ذريعة للصقور داخل إدارة ترامب لبدء حرب شاملة مع إيران، إلا أنها على الأرجح رسمت طريقا للخروج من الأزمة".

وأضافت:" أن الضربات الإيرانية كانت ثقيلة في رمزيتها... فقد تم إطلاق الصواريخ في حوالي الساعة الواحدة والنصف صباحًا بتوقيت العراق، وهو نفس الوقت تقريباً الذي نفذت فيه طائرة بدون طيار عملية اغتيال سليماني خارج مطار بغداد صباح /الجمعة/ الماضية... وضربت القذائف الأولى أهدافها بعد وقت قصير من إنزال نعش الجنرال الإيراني على الأرض في مدينة كرمان الإيرانية... فيما أطلق الحرس الثوري عملية "الشهيد السليماني"... وقاموا بتوزيع مقاطع فيديو للصواريخ التي يتم إطلاقها للبث المباشر عبر وسائل الإعلام الإيرانية".

وتابعت الصحيفة:" أنه على الرغم من هذه المسرحية، يبدو أن الهجمات قد تم تصميمها بعناية؛ لتجنب إحداث إصابات الأمريكية: فقد أُطلقت الصواريخ على قواعد كانت في حالة تأهب قصوى، ولم تسجل حتى الآن أي وفيات مؤكدة"، متابعة " أنه وبغض النظر عن التحذيرات الخطيرة التي أصدرها ترامب ضد طهران في الأيام الأخيرة، إلا أن تعليقاته الأولى بعد الهجوم كانت غير مسبوق وتعمدت التقليل من أهميتها".

وأخيرا، رأت الصحيفة البريطانية" أنه إذا استمرت واشنطن في تأكيدات عدم وقوع إصابات، فقد تمنح ضربات الأمس فرصة لكلا الجانبين، من أجل تخفيف حدة الأزمة بينهما دون أن يفقدا زخمها بين شعبيهما، بحيث تستطيع إيران أن تدعي بأنها انتقمت بعنف لمقتل سليماني وتزعم، كذباً، أنها قتلت العشرات من الأفراد الأمريكيين، بما يتيح لها استئناف نوع القتال الذي تفضله: وهو حملات بالوكالة وشن حروب سرية، ويمكن لإيران أيضًا أن تضغط على نجاح قضيتها مع العراقيين؛ لطرد القوات الأمريكية من العراق، وهو هدف كان عزيزًا على قلب سليماني ومثل أولوية لطهران".

أما بالنسبة للولايات المتحدة، فيمكن لها أيضًا أن تتراجع، وتتجاهل انتقام إيران باعتباره غير مهم - مع احتمال أن يتمكن ترامب من الحصول على نقاط سياسية في الداخل تعزز حجته ومبرراته في اغتيال خصم رئيسي للولايات المتحدة من دون التعرض لعواقب كبيرة.