الاكتئاب.. القاتل الصامت!

الاكتئاب.. القاتل الصامت!
الاكتئاب.. القاتل الصامت!

- خبراء علم النفس: المراهقون الأكثر عرضة للانتحار
- خبراء يطالبون تنظيم حملات للثقافة النفسية والتوعية الدينية
- مبادرة بجامعة القاهرة للتصدى للظاهرة.. ومشاهد العنف تزيد المرض النفسي
- المريض صاحب الميول الانتحارية يجب حجزه في المستشفى وعلاجه


حوادث متتالية وأرقام صادمة حول معدلات الانتحار في مصر، مؤخرًا ألقى شاب في ريعان شبابه نفسه من أعلى برج القاهرة، وآخر انتحر أسفل عجلات مترو الأنفاق بمحطة أرض المعارض، كلها حوادث انتحار نتيجة لأسباب نفسية أهمها الاكتئاب الذي أصبح بمثابة «القاتل الصامت».. وكشفت دراسة سابقة لوزارة الصحة أن 21.7% من طلبة الثانوية العامة يفكرون في الانتحار.

«الأخبار» ترصد حالات الانتحار في الفترة الأخيرة؛ ووجهت الأسئلة للخبراء والمتخصصين لمعرفة أبعاد هذه الظاهرة وكيفية القضاء عليها.

كانت أبرز حوادث الانتحار الأخيرة هي لشاب يدرس بكلية الهندسة جامعة حلوان؛ «نادر» الذى صعد إلى الطابق الأخير لبرج القاهرة برفقة صديقه، ثم فاجأ الجميع وألقى بنفسه ليسقط على الأرض جثة هامدة.

وقال صديقه: إن الشاب المنتحر «يعاني من أزمة نفسية حادة»، وإنه خرج معه للتنزه «لمحاولة إخراجه من حالته»، إلا أنه غافله وألقى بنفسه من البرج ليضع نهاية لحياته.. وفي نفس اليوم وقع حادث انتحار آخر لشاب عشريني ألقى بنفسه تحت عجلات قطار مترو الأنفاق بمحطة أرض المعارض بالخط الثالث للمترو بمصر الجديدة، حيث لقي مصرعه في الحال، وأعقب هذه الحادث بيومين فقط حالة انتحار أخرى حيث لقي شاب مصرعه دهسًا تحت عجلات محطة مترو «أرض المعارض» بالخط الثالث، بعدما ألقى بنفسه أمام القطار لحظة دخوله للمحطة، فلفظ أنفاسه في الحال.

وشهد المجتمع في الآونة الأخيرة حوادث انتحار عدة كان أبطالها من الشباب الذين يعانون من مشكلات نفسية متنوعة، من بينها الاكتئاب والأزمات العاطفية.. وشهد شهر يونيو الماضى واقعة انتحار شاب عشرينى، ألقى بنفسه فى نهر النيل بالقاهرة، لفشله فى إتمام الخطوبة من فتاة كان يرغب فى الزواج منها، وعثر الأمن على جثة الشاب فى منطقة الوراق بالجيزة، بعدما أبلغ والده قسم شرطة روض الفرج بغيابه عن المنزل.

ومن هذه الواقعة إلى أخرى حيث تلقت مباحث قسم حدائق القبة، بلاغًا بوفاة فتاة تدعى «دنيا»، فى الثانوية العامة، بعد انتحارها لرسوبها بمجموع 48%، وتبين من التحريات أن الفتاة ردت على سؤال والديها عن مجموعها فى الصف الثالث بالثانوية العامة، فأجابت: «أنا نجحت صافى»، فيما ظلت تردد تلك العبارة، إلى أن قفزت من الطابق الثالث من داخل منزلها.

انتحار «أونلاين»

وفى حادثة أخرى فوجئت أسرة بمدينة السلام، بانتشار فيديو لنجلهم متعاطى المواد المخدرة، وهو يُقدم على الانتحار بشنق نفسه داخل غرفته بالمنزل، واكتشفت الأسرة الواقعة، بعدما أخبرهم أصدقاء ابنهم بأنه بثّ فيديو يوثق انتحاره على فيسبوك، وحاولت الأسرة نقل الشاب للمستشفى محاولين إنقاذه لكن دون جدوى، وقالت الأسرة فى التحقيقات إن المتوفى كان يتعاطى مخدر «الإستروكس»، مما أدى لإصابته باكتئاب.. ومنذ فترة استقبل مستشفى كوم حمادة العام بمحافظة البحيرة، ربة منزل مصابة بتسمم فسفورى جراء تناولها قرص غلال سام، وذلك لمرورها بحالة نفسية سيئة وتم تحويلها لمركز السموم بمستشفى إيتاى البارود العام.

وعقب الحادث الأخير لانتحار شاب من برج الجزيرة، أطلقت جامعة القاهرة مبادرة للتصدى لظاهرة الانتحار بين الشباب والخريجين، كما أعلن د.محمد عثمان الخشت، رئيس الجامعة عن إنشاء مركز للدعم النفسى وإعادة بناء الذات، للتصدى لحالات الانتحار بين الشباب.. ويتكون المركز من أربع وحدات أساسية هى وحدة البحوث الميدانية وجمع البيانات، ووحدة دعم الحوار بين أعضاء هيئة التدريس والطلاب، ووحدة المساندة النفسية والتنمية الذاتية، ووحدة المساندة والإرشاد الأسرى.

النظرة السوداوية

تعلق د. رحاب العوضي، أستاذ علم النفس، أن ارتفاع معدل الانتحار مرتبط بالعديد من الأسباب منها التأهيل النفسى الخاطئ للشباب، ومشاكل الحياة التى يمكن أن تؤدى إلى ارتباك فى التفكير يترتب عليه البعد عن القرارات السليمة واختيار الأسوأ، بالإضافة إلى الجهل فى التصرف عند مواجهة الأزمات والمشاكل.. وتضيف أن حالة الانتحار الأخيرة للشاب فى برج الجزيرة قد تكون بسبب النظرة السوداوية تجاه الحياة.

وتتابع بأنه لابد من وجود تربية نفسية للأطفال تعتمد على عدم الالتفات إلى كلام الآخرين وانتقاداتهم السلبية تحت مبدأ «ثقافة القطيع»، لأن ذلك يمكن أن يؤدى إلى التفكير الخاطئ وعدم الثقة فى النفس وبالتالى سهولة الاتجاه للانتحار.

وتؤكد العوضى ضرورة التطوير فى الثقافة من خلال البرامج التليفزيونية وشبكة الإنترنت، بالإضافة إلى التوعية الدينية السليمة، وأشارت إلى ضرورة النظر إلى الفتاوى، حيث ظهرت أقاويل سابقة تؤكد أن الانتحار غير محرم دينيا، وعلى الرغم من نفيها إلى أنها تركت أثرا سلبيا.

مرض عضوي

ويقول د. جمال فرويز، أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة، إن هناك الكثير من الشباب ينجذبون لفكرة الانتحار بسبب تسليط الضوء عليها من الإعلام، ويتابع بأن المنتحر قد يكون مصابا بالفصام أو مرض عضوى.

ويضيف أن فئة المراهقين الذين يصابون بالقلق من أبسط الأمور بطريقة مبالغ فيها يكونون أكثر عرضة للانتحار، فعلى سبيل المثال تردد خبر فى وقت سابق بأن شابا أخبر شقيقته بالمزاح أنها رسبت فى الدراسة فقامت بالانتحار.

ويشير فرويز إلى أن هناك نوعا من الاكتئاب يسمى «الاكتئاب السودوى» وهو ناتج عن تراكم المشاكل والأزمات مما يدفع الشخص للاتجاه إلى الانتحار والتخلص من حياته.

ويضيف أن المريض النفسى الذى لديه ميول انتحارية يجب عدم تركه وحجزه فى المستشفى حتى يكون تحت الرعاية.. مشيراً إلى أن مرضى الفصام يتعرضون لهلاوس سمعية ويمكن لهذه الأشياء أن تدفعهم للانتحار ولذلك يجب أن يكونوا تحت المراقبة.

عقاقير طبية

وتؤكد د. سوسن فايد، أستاذ علم النفس الاجتماعى بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية، أن الاكتئاب نوعان اكتئاب عقلى وهو الذى يحتاج إلى عقاقير طبية لتصحيح مسار العقل واكتئاب نفسى ويكون بسبب أزمة نفسية موقتة ويكون مرتبطا بامراض ذهنية مثل الانفصام العقلى ويكون بسبب الخذلان ويعانى من آلام نفسية حادة.

وتضيف أنه لابد من وجود حملات تثقيفية للعلاج النفسى وندوات توعية للتعرف على اهمية الطبيب والعلاج النفسي، حيث إنه لا يوجد وعى كافٍ فى المجتمع، بالإضافة إلى أهمية دور الأسرة فتوجد بعض الأسر تضغط على أبنائها أثناء مرحلة الثانوية العامة، مما يولد لديهم يأساً شديدا ولا يراعون طموحاتهم التى تتناسب مع قدراتهم وتشير إلى وجود حلول كثيرة للتصدى للمشكلة بشرط أن يكون هناك تكاتف بين مؤسسات الدولة.

وتتابع فايد: إن هناك عوامل تساعد فى زيادة المرض النفسى أهمها مشاهد العنف التى تبثها وسائل الاعلام وكذلك عدم التوعية بشكل كافٍ فى المدارس والمؤسسات الدينية فلابد من وجود رموز إسلامية ومسيحية للتوعية وتنمى معانى الصبر وقوة التحمل والرضى خاصة ان الانتحار لا يأتى من فراغ.

وأوضحت أستاذ علم النفس الاجتماعى أن للاكتئاب أعراضا تتمثل فى الهلاوس السمعية والبصرية والوسواس القهرى وما يزيده هو عدم ادراك المحيطين بالمريض بتلك الأعراض ولابد من التعامل السليم معه وضرورة علاجه النفسى فورا.

علاج نفسي

من جانبه يؤكد د. إبراهيم عبد الرشيد، استاذ علم النفس، أن للانتحار والمرض النفسى مثل الاكتئاب أعراضا كثيرة ومنها ما ينتج عن ممارساتنا الطبيعية التى تنشأ نتيجة خلافات الزوجين أو الأهل وهذا يكون فى حدود الطبيعى طالما لم يتطور، وهناك نوع آخر ويكون مرحلة أصعب وهو الذى يعوق الشخص عن العمل وعن الحياة وينطوى على ذاته، لكن الأمر إذا زاد على أسبوعين يلزم علاج نفسى فى الحال ويصنف مرضا.

ويضيف عبد الرشيد أنه يوجد مرحلة أخرى لاحقة أكثر تعقيدا تسمى بـ «التروما» وهى الحالة التى تنتج عن الصدمة وتكون بعد فقدان شخص عزيز او الخيانة من الزوج او الزوجة ويرفضها العقل الباطن ويرفض الحياة نفسها ومن الممكن أن تؤدى إلى الوفاة، لذلك نجد من يموت حزنًا بعد وفاة شخص غال فيلحق به ونجد من يصاب بأمراض خبيثة سرطانية بعد صدمة كبيرة بعدها بسنوات لأن العقل أمر خلايا الجسم بالتحور، لذلك يجب على الإنسان أن يحافظ على نفسه.

ويؤكد أن المراهقين هم الأكثر عرضة للانتحار بسبب عدم تعامل الأهل معهم بشكل سليم وكافٍ لخروجهم من هذه المرحلة بشكل آمن وأن حسن الخلق والتعامل الجيد مع مريض الاكتئاب هو أفضل حل ويمكن الاستماع إليه لتفريغ ما بداخله من هموم موضحًا أن مريض الاكتئاب يمر بنوبات ضحك هستيرية ومشاعره تكون فى أوجها ويجب الانتباه إلى مثل تلك الأعراض جيدا وعمل مجموعة من الأطباء النفسيين على نشر الوعى فى المجتمع.

حرام شرعاً

قالت دار الإفتاء فى منشور لها على «فيسبوك»، إن الانتحار كبيرة من الكبائر وجريمة فى حق النفس والشرع..وأشارت الدار إلى أنه لا ينبغى التقليل من ذنب هذا الجرم، وكذلك عدم إيجاد مبررات وخلق حالة من التعاطف مع هذا الأمر، وإنما التعامل معه على أنه مرض نفسى يمكن علاجه من خلال المتخصصين.

في هذا الصدد يؤكد د. محمد وهدان، أستاذ جامعة الأزهر والداعية الإسلامى أن الانتحار حرام شرعًا لما ثبت فى كتاب الله عز وجل وسنة النبى صلى الله عليه وسلم، وإجماع المسلمين، حيث قال الله تعالى: «ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما»، ويقول إن السنة النبوية أكدت على ما جاء فى القرآن فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: «ومن قتل نفسه بشىء عذب به يوم القيامة».

ويشير الأستاذ بجامعة الأزهر إلى أن المقدِم على  جريمة الانتحار ظالم لنفسه، مهما حاول أن يلقى باللائمة على الظروف المعيشية والحياتية فهذا ليس مبررًا للانتحار.

واختتم بأن النفس ليست ملكًا للإنسان والأصل المحافظة على النفس فهى مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية.