حكايات| متلازمة ستوكهولم.. حين تعلقت الضحية بـ«خاطفها ومغتصبها»

 متلازمة ستوكهولم.. حين تعلقت الضحية بـ«خاطفها ومغتصبها»
متلازمة ستوكهولم.. حين تعلقت الضحية بـ«خاطفها ومغتصبها»

عاشت طفولة بائسة بعد انفصال والديها وكثرة المشاكل بينهما، حاولت جاهدة أن تعيش مثل أي فتاة عادية لكن القدر جعلها تتعرض لمعاناة لا يمكن لطفلة مثلها تحملها.

 

لم تعلم أن شخصاً كان يراقبها استعدادًا لاقتناص تلك اللحظة؛ حيث استيقظت كعادتها واستعدت إلى الذهاب لمدرستها، تخفى خاطفها كالذئب بين الأشجار في انتظار اللحظة الحاسمة، وحين تأكد خلو الشارع  من المارة، انقض عليها في لمح البصر، فتحت الصغيرة عينيها لتجد نفسها محبوسة في قبو صغير، وهنا بدأت «ناتاشا كامبوش» رحلة من العذاب لـ8 سنوات.

 


واقعة اختطاف ناتاشا لم تكن صدفة عابرة؛ بل خطة محكمة أعدها «ولفجانج بريكلوبيل»، الذي يبلغ من العمر 36 عامًا؛ إذ ظل على مدار أيام وأسابيع يبني غرفة سرية تحت منزله من أجل تلك اللحظة التي سيقتنص فيها ناتاشا، ويجعلها أسيرة لسنوات، ثم بدأ معها رحلة ضرب وتعذيب واغتصاب متكرر لها، ومنع الطعام عنها كعقاب لها إذا لم تطع كل أوامره.

 


متلازمة ستوكهولم

 

بمرور الوقت، بدأت علاقة «بريكلوبيل» تتحسن بـ«ناتاشا»، بعد ما يقرب من 4 سنوات، فبدأ يتناول معها الطعام ويتحدث إليها، في الوقت التي كانت تبحث عنها الشرطة في كل مكان، ووجهت إلى والدتها اتهام بخطفها بسبب مشاكل كثيرة مع والدها، لكن لاحقًا ظهرت براءتها، وأعلنت الشرطة فشلها في العثور عليها.

 

تمكنت ناتاشا بعد 8 سنوات من الاختطاف من الهروب من قبضة الخاطف عندما طلب منها أن تقوم بتنظيف سيارته في حديقة المنزل، حيث قامت بالتقاط المكنسة الكهربائية وبدأت في تنظيف السيارة، ووقف المختطف يراقبها، وبعد دقائق قليلة تلقى اتصالاِ هاتفياً فاضطر إلى الدخول للمنزل لتغيب ناتاشا عن أنظاره للحظات.

 

 

انتهزت ناتاشا اللحظة الحاسمة وألقت بالمكنسة وبدأت بالركض خارج المنزل، حتى وصلت للشارع وتوجهت إلى أقرب منزل وطرقت الباب ففتحت لها عجوز، وقصت عليها ما حدث على مدار سنوات.

 

سارعت السيدة إلى الاتصال بالشرطة والتي وصلت على الفور لمنزلها، وحققت في القضية وتأكدت من صحة رواية ناتاشا، من خلال تحليل«دي إن أيه» وجواز السفر الخاص بها الذي تم العثور عليه في القبو عندما قاموا بتفتيشه، وعندما تأكد «بريكلوبيل» من هروب ناتاشا قام بالانتحار تحت عجلات القطار.

 

 

لماذا أحبت ناتشا خاطفها؟.. سؤال إجابته في قصة أخرى، ففي عام 1973، وبعد هجوم بعض اللصوص على بنك «كريديتبانكين» بالسويد بقصد السرقة، واحتجازهم 4 رهائن لمدة ست أيام متواصلة، وبعد مجهود من الشرطة تم القبض على المجرمين، ولكن فوجئ الجميع برد فعل الرهائن، حيثُ رفضوا الشهادة ضد المجرمين.

 

لم يكتف الرهائن بهذا فحسب بل جمعوا أموالا من أجل دفعها إلى أفضل المحامين للدفاع عنهم، وبالطبع حلل الأخصائيين هذه بأن خلال أيام الاحتجاز تم ارتباط عاطفي بين المجرمين والرهائن، وخلق مشاعر لدى الضحايا بسبب سلبهم للإرادة، فوصل بهم الأمر بشكل تدريجي إلى تقديم فروض الولاء والطاعة لهم والارتباط بهم، وبسبب هذه الحادثة تم اكتشاف هذه المتلازمة الغريبة جداً، وتم تسميتها متلازمة ستوكهولم لارتباطها باسم عاصمة السويد.

 

 

3096 يوما 

 

في 2010 قامت ناتاشا كامبوش بنشر كتاب يحمل عنوان «3096 يومًا» تناولت فيه سيرتها الذاتية وقصة اختطافها  للمرة الأولى تفاصيل العذاب الذي عانته كامبوش على يد مختطفها فولفجانج بريكلوبيل، كما توضح استراتيجيات الرعاية النفسية التي أعدتها للتخلص من آثار هذه التجربة.

 

وفي مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية قبل نشر كتابها، أكدت كامبوش أنها تريد التحكم في قصتها، قائلة إنها كانت مروعة بشكل كاف ولا تحتاج لتنميقها، وأنها تحاول استعادة حريتها كاملة من الناحية النفسية، بعد 4 أعوام من فرارها من خاطفها.

 

 

وأمام ذلك قررت شركة كونستانتين إنتاج فيلم بالتعاون مع المنتج بيرند ايشينجر عن قصة اختطاف ناتاشا، وحينها قال المنتج: «أنا ممتن جدا لأن ناتاشا كامبوش وضعت ثقتها فينا لإنتاج فيلم عن قصتها»، إلا أن الفيلم لم ير النور.

 

وفي 28 فبراير 2013 صدر فيلم الألماني «3096 يومًا» من إخراج شيري هورمان وإنتاج مارتان موسكوفيتش والذي جسد حكاية ناتاشا كامبوش، وهو آخر سيناريو كتبه بيرند إيشنجر قبل وفاته المفاجئة في سن الحادي والستين بسكتة قلبية، ولعبت دور كامبوش الممثلة البريطانية أميليا بيدجيون عندما كانت فتاة، وأنطونيا كامبيل هيوز كمراهقة، حيث خسرت 18 كيلوجراماً من وزنها لتستطيع تأدية الدور.

 

وبعد الفيلم بثلاث سنوات، قام الصحفي بيتر رايشارد من صحيفة بيلد الألمانية، بنشر مقتطفات عن خطف ناتاشا كامبوش، تناول فيه جوانب خفية جديدة لفترة اختطافها، وكشف الكتاب عن أدلة تم جمعها عن طريق شرائط فيديو عثر عليها في منزل الخاطف فولفجانج بريكلوبيل، الذي اختطف ناتاشا.

 

وتظهر مقاطع الفيديو لقطات من حفلات أعياد الميلاد، التي كان يقيمها فولفجانج لناتاشا، ولقطات لناتاشا وهي تؤدي تمرينات رياضية، إضافة إلى لقطات تبرز إجبار فولفجانج لناتاشا على القيام بقائمة من الأعمال المنزلية المرهقة بالرغم من التعب البادي عليها.

 

خسرت ناتاشا كامبوش، معركة قضائية لمنع نشر الكتاب بعد أن رفضت المحكمة بمدينة كولونيا الألمانية، إصدار إنذار قضائي ضد الصحفي بيتر رايشارد لمنع النشر، مستندة في حكمها إلى أن ناتاشا وصفت مشاهد مماثلة في كتابها الخاص الذي ألفته عن محنتها.