حكايات| «عم أشقية الكوميديا».. أسرار عن حياة سامي سرحان

سامي سرحان
سامي سرحان

ربما لو كان سامي سرحان، خرج من أسرة أخرى غير تلك التي ولدت ليبقى اسمها ملازمًا لذاكرة السينما، كان سيلقى نصيبًا عادلاً مما تستحقه موهبته العظيمة، فشقيقه الأكبر صلاح سرحان، كبيره الذي علمه «سحر الفن» وقدوته الذي حاول أن يسير على نهجه، وشقيقه الأوسط شكري سرحان الذي كان بمثابة «عقبة قدرية» في طريقه، وسرعان ما بزغ نجمه متفوقًا على الكبير ليصبح أحد أيقونات السينما المصرية.

 

«أن تأتي الشهرة متأخرة خير من ألا تأتي أبدًا»، ربما كان هذا لسان حال «سامي»، الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده الـ89، بعد نحو أكثر من 60 عامًا من عمره عاشها في الظل بأدوار ثانوية فرضتها عليه ملامحه الحادة وصوته الأجش ليبقى حبيس أدوار الشر، يبحث عن جزء مما طال أخويه من نجومية، ولكنها "لعنة المقارنة" التي تلاحق من قدر لهم أن ينتموا لأسرة فنية.


 

 

ولأنه يمتلك من الموهبة ما يؤهله لأن يوجد لنفسه مكانًا خاصًا لدى جمهوره، لم يقف "سامي" طويلاً أمام مقارنات الجمهور وعلاقة الأخوة بنجمين سينمائيين، فسرعان ما طوع أدواته ليخلق لنفسه كيانًا فنيًا خاصًا مستقلاً عن شقيقيه بالتجسيد الكوميدي لأدوار الشر.

 

صحيح أنه ظل محصورًا في تلك الأدوار الفترة الأكبر من مسيرته الفنية، إلا أن تراكم تلك الخبرات صنعت من تلك الأدوار "أيقونة" للكوميديا ليس فقط في الثلث الأخير من حياته، ولكن حتى بعد رحيله بعقود، وكأن القدر قد اختار له الفراق وهو في قمة مجده، بعد سنوات عاشها في الظل.

 

متهم بجريمة قتل

 

الطريف، أن سامي سرحان عُرف اسمه على شاشة السينما قبل ظهوره بنحو 3 سنوات، وتحديدًا في فيلم "إحنا التلامذة" 1959، وجسد شخصيته شقيقه شكري سرحان، والعمل مأخوذ عن قصة حقيقية لـ3 شباب - كان «سامي» أحدهم- ارتكبوا جريمة قتل واقتحموا «مقهى شهير»، وحكم على "سامي" بالسجن المؤبد وأفرج عنه بعد 10 سنوات لحسن السير والسلوك، بعدما قدم «شكري» التماسًا إلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر خلال تكريمه في «عيد الفن» عن دوره في فيلم «رد قلبي».

 

 

هذه التجربة المريرة ساهمت في تأخر ظهور سامي سرحان فنيًا، إلى أن أتاح له "شكري" الفرصة بمشاركته في فيلم "الحقيبة السوداء" في العام 1962، وتوالت بعدها أعماله الفنية التي لم يتمكن خلالها من تحقيق ما كان يطمح إليه، فقط ظل وجهًا يعرفه الجمهور دون بصمة، إلى أن جاءه دور صغير بفيلم "الإرهاب والكباب"، ليكون نقطة تحول في مسيرته.

 

في رحاب «الزعيم»

 

ولأن للبدايات الحقيقية لذة مختلفة ومميزة، خاصة إذا كانت بجوار أحد أعمدة الكوميديا، ظل اسم «سامي» ملازمًا للزعيم عادل إمام في الكثير من أعماله بعد ذلك، بداية من «النوم في العسل» في شخصية مدير الأمن، التي أصبغها بصبغة كوميدية خاصة، مرورًا بـ «الواد محروس بتاع الوزير"، وصولاً إلى «التجربة الدنماركية»، وصار «الزعيم» أقرب نجوم الوسط الفني إليه.


 

 

 

ومن بداية انطلاقته الفنية الجديدة، أو ما يمكن أن يطلق عليه حقبة ما بعد شريف عرفة، أُعيد اكتشاف موهبة سامي سرحان، ليس بطلا مطلقًا أو "نجم شباك"، فكان يكفي ظهوره بأدوار صغيرة وحتى لو بمشهد واحد فقط، ولكن أثره يظل طاغيًا بفضل "عبقرية الإفيه"، إذ كان لديه القدرة على تحويل جملة حوار عادية إلى "صريخ ضحك" بطريقة أدائه التلقائية وبصمته المختلفة ليصبح بحق "عم أشقية الكوميديا".

 

ابن بلد

 

قد لا يكون غريبًا على سامي سرحان عفويته وأسلوبه "السهل الممتنع" في الضحك، فهو بحسب حفيده محسن سرحان، كان ابن منطقة شعبية يعشق أهلها السخرية، فهو عاش لفترة من حياته في منطقة بولاق، وظل يتردد على منطقة السيدة الزينب التي نشأ فيها، حتى بعد شهرته: "قعداته كلها كانت من خارج الوسط الفني، مع الناس البسيطة، كان ابن بلد، ويعشق الأكل الشعبي فيروح يقعد في المطاعم الشهيرة بالمنطقة زي (بحة) و(حبايب السيدة)".

 

 

شخصية "سامي" على الشاشة لم تختلف كثيرًا عن شخصيته الحقيقية، بحسب "محسن": "كان كوميدي جدًا في حياته العادية، بعكس شكري سرحان كان (برنس) الهزار والكلام بحدود، كانت حياته ماشية بالشوكة والسكينة، فكان يجلس في المنزل بكامل أناقته ومنظم جدا، لكن (سامي) على النقيض تمامًا، لذلك كان لـ(شكري) العديد من التحفظات على حياة شقيقه الأصغر الشخصية، وهو ما أثر قليلا على علاقتهما".

 

هكذا عاش "سرحان" حياة سهلة لم يحسب لها حساب، قبل أن يختتم مشواره الفني الذي يحمل في جعبته نحو 122 عملاً ما بين سينما ومسرح وتلفزيون، بأيقونته المعلم "جابر الشرقاوي" في "فول الصين العظيم"، وكأنه يودعنا بجرعة كوميديا تظل محفورة في الذاكرة لسنين ترسم البسمة على وجوه الصغير والكبير.