من دفتر الأحوال

السيرك..

جمال فهمى
جمال فهمى

العنوان المشعلق أعلى هذه السطور ليس لى فضل فيه، وإنما يعود فضله أساسا لعبقرى السينما العالمية شارلى شابلن الذى أبدع فيلما من روائع إبداعاته يحمل هذا الاسم «السيرك»عُرض قبل أقل قليلا من قرن (فى العام 1929) لكن تلك الكلمة، كما الفيلم نفسه، تكاد تنطبق وصفا على حال عالمنا الراهن الذى يبدو «سيركا» حقيقيا بكل ما فى هذا المكان الذى يغشاه جمهور جله من الأطفال عذارى العقل، من «نمر» لمهازل مضحكة لكنها لا تستطيع بصخبها ستر مآس ومصائب كثيرة.


وعلى ذكر المآسى والمصائب (لكى لا أقول الكوارث) التى تلبس ثوب المساخر المثيرة للضحك فى دنيانا الحالية، أن شيئا عجيبا مثل المدعو «دونالد ترامب»يحكم الآن فى امريكا أقوى أمبراطورية على ظهر الكوكب، بينما هو لا يكف ولو يوم واحد (هو وأشباهه وأتباعه فى مناطق أخرى من العالم) عن إنتاج مهازل رهيبة، ربما لا يفوق كارثيتها إلا قدرتها المعجزة على إثارة ضحك الكبار والصغار معا، لكنه، كما قال عمنا المتنبي: الضحك الأمر من البكاء.


وأعود إلى «سيرك» شابلن، ذلك الفيلم الذى كان بمثابة بداية لقائمة طويلة من تحفه الخالدة التى تستعصى على النسيان ومنها على سبيل المثال أفلام: «أضواء المدينة» و«الأزمنة الحديثة» و«الديكتاتور» و«أضواء المسرح».


يبدأ فيلم السيرك بمشهد لحرامى نشال انتهى لتوه من نشل محفظة رجل من المارة فى الشارع، لكن هذا الحرامى إذ يلاحظ أن شرطيا قد شاهده وهو يسرق الرجل، يلجأ بسرعة إلى خلاص مؤقت من المحفظة المسروقة فيدسها فى جيب الصعلوك الفقير شارلو (شابلن نفسه) من دون أن يشعر، وعندما يمضى الشرطى خائبا يعود النشال إلى شارلو لكى يستعيد المحفظة منه، غير أن الشرطى ينتبه هذه المرة ويأخذ المحفظة من الحرامى ويعيدها لبطلنا الذى لم يكن يعرف أنها كانت فى جيبه، عندئذ يظهر صاحب المحفظة الحقيقى معلنا أنها محفظته وهنا تبدأ المطاردة المعروفة فى أفلام شابلن بين المتشرد «شارلو»وآخرين، ولا يجد البطل الصعلوك مهربا إلا الدخول فى حلبة سيرك يصادفه فى طريق الهرب، حيث كانت عروضه وفقراته بدأت فيما جمهور الحضور غارق فى حال تثاؤب وملل شديدين من تلك «النمر» المعادة والمكررة.


لكن عندما يدخل شارلو الحلبة مهرولا وهو مرعوب يظن جمهور الحضور أنها مجرد فقرة جديدة فى عروض السيرك ويتعالى صخبهم وضحكهم، وعندما يرى المدير أن الجمهور أسعده منظر «شارلو»، يسارع بالتعاقد مع هذا الصعلوك البائس ليكون عضوا فى فريقه، غير أن شارلو يفشل فى تأدية «نمرته» المفتعلة فى العرض فيرفده المدير فورا ليعود بائسا مشردا كما كان.


غير أن المعجزة سرعان ما تتكرر من جديد عندما يتصادف ذلك مع دخول عمال السيرك فى إضراب عن العمل ويكون من ضمن نتائج هذا الاضراب عندما ينتهى أن يعاد تعيين شارلو فى السيرك ولكن هذه المرة كعامل اكسسوار، وبينما هو يمارس عمله الجديد ويحمل أدوات الحاوى لمساعدة هذا الأخير على تأدية «نمرته»أمام الجمهور، يتعثر ويفقد توازنه ويتدحرج فى شكل مضحك ما يثير عاصفة من التصفيق والإعجاب من جمهور كان قد عاد يتثاءب زهقا ومللا.. هكذا يتحول شارلو، من دون أن يدرى ومن دون أى قصد، إلى نجم هزلى ساطع ومطلوب جدا فى سوق المهرجين.