إنها مصر

حكاية زين ومروان

كرم جبر
كرم جبر

«زين» قاهر السرطان، الذى طلب منه الرئيس أن يصافحه، وصعد إليه واحتضنه وسط تصفيق الحضور، ووقفت والدته لترد تحية الجماهير التى وقفت فى المسرح الكبير تصفيقا لها.


الوالدة والابن، ثنائى رائع ونموذج للفخر، أم صابرة عاهدت الله أن تقف وراء طفلها ولا تتركه فريسة للمرض اللعين، وظلت تكافح سنوات طويلة، حتى منَّ الله عليه بالشفاء، بعد إصابته بالمرض أربع مرات.


«زين» واثق من نفسه، يتحدث الإنجليزية بطلاقة، حتى تصورنا أنه أجنبى وليس مصرياً، يتحرك فى قوة وإصرار، ويحكى قصته بمنتهى الحماس والعزيمة.


والدة زين لم تنكفأ على نفسها، فى رحلة علاج طويلة وقاسية، ولكن المظهر العام يقول إنها بجانب ذلك علمته ودربته وقامت بتأهيله نفسياً وبدنياً لينجو من السرطان ويتعافى من آثاره النفسية.


سيدة تستحق التقدير والاحترام، ونموذج مشرّف وهكذا المرأة المصرية الأصيلة، التى تدافع عن بيتها وأسرتها وأولادها بعمرها، ولا تبخل بأى شيء.


وفى نفس اليوم تناقلت مواقع التواصل الاجتماعى حكاية الطفل «مروان»، على النقيض تماماً، وهاجت الدنيا كلها بعد مشاهدة فيديو لوالدته تقوم بتعذيبه، فى لقطة لا تمت للإنسانية والرحمة بصلة.


والدة «مروان» استثناء من القاعدة الرائعة لعظيمات مصر، ولم يكن ضرورياً الإفراط فى الاهتمام بما فعلته، ويكفى أن الدولة تحركت بسرعة، واتخذت الإجراءات الكفيلة بتصحيح الوضع.


«مروان» ذهب إلى إحدى دور الرعاية التابعة لوزارة الشئون الاجتماعية، لإعادة تأهيله نفسياً وتربوياً، ليتخلص من كابوس الأم التى أساءت لأمومتها، ربما بفعل الجهل والحماقة.


والدة مروان ذهبت - أيضا - إلى إحدى دور الرعاية لتأهيلها على الأمومة وتقويم سلوكها المريض، حتى تكون مؤهلة لتربية أولادها، وتقدم للمجتمع أشخاصا صالحين، وليس مرضى أو يعانون من عقد نفسية.


وهكذا الدنيا نصفها مضيء ونصفها الآخر مظلم، والمجتمعات الرشيدة هى التى تبذل قصارى جهدها لمقاومة الظلام، الذى هو الجهل والتخلف والأمية وتفشى الآراء والأفكار الخاطئة.


فالأم الجاهلة تتصور أن تعذيب طفلها هو أنسب أسلوب لعلاجه، وقد لا تقصد زيادة أوجاعه وآلامه، ولكن ثقافتها المنعدمة لم تضع أمامها خيارات سوى هذا الطريق.


والأم الواعية، تؤمن بالله وتسلم أمرها للمولى عز وجل ولا تقنط ولا تيأس، وتسلك كل الطرق المتاحة لتحقيق الخير لأسرتها، فتقدم للمجتمع أبناء صالحين.


«زين» و»مروان» طفلان لم يختارا مصيرهما، ولكن الأول كان محظوظاً لأن القدر وضعه تحت رعاية أم رحيمة، والثانى كان تعيسا لوقوعه بين براثن أم متخلفة، وذهب الأول إلى شرم الشيخ ليكرمه الرئيس، والثانى إلى دور الرعاية لتأهيله للعودة إلى المجتمع.

المجتمعات المحترمة لا تنال مكانتها إلا بالوعى، وإنصاف المرأة وإعطائها حقوقها وفتح طرق التقدم أمامها، فيكسب المجتمع أمهات مثل «والدة زين»، ترتفع بشأن بلدها وأولادها الصالحين.