يوميات الأخبار

الثوب القديم

صالح الصالحى
صالح الصالحى

وماله الحمار.. أنا شخصيا أعرف أناساً كثيرين الحمار أفضل منهم فى إخلاصه وحبه للعمل.

قديماً كنا ندرس فى كتاب القراءة الحرة فى المرحلة الابتدائية درساًعن ثوب قديم.. ترتديه طفلة كل يوم.. ومن شدة قدمه لم يفلح معه أى نوع من التنظيف أو الكى أو أى أمر يضفى عليه أى نوع من البهاء.. حتى إن المدرسة فى نهاية القصة اشترت للطفلة ثوباً جديداً.
والسوال لماذا أتذكر هذه القصة الآن؟ .. وعلى الرغم من مرور أكثر من ٤٠ عاماً على دراستى لهذا الدرس إلا أنه ظل عالقاً بذهنى.. وتعلمت منه أنه لا يشفع ولا ينفع أى إصلاح لثوب قديم.. فهو قديم وبال.. وإذا حاولنا إصلاحه أصبح مرقعاً.. والترقيع وإن ستر التقطيع، لكنه يشوه المنظر ويجعله مقززاً.. ولا يجعل منه ثوباً جديداً.
الثوب القديم لا سبيل سوى التخلص منه بإلقائه فى سلة المهملات.. فلا يمكن أن تعطيه لأحد ينتفع به، أو حتى تصلحه.
كل شىء قديم عمره الافتراضى انتهى.. أصبح بالياً وانتهى عمره وشبابه.. وإن ظل فترة فإن مشاهدته لا تسعدنا.. وما يجوز على الثوب يندرج على أمور كثيرة فى حياتنا، فى مؤسسات وإدارات وهيئات ومشروعات ونماذج حولنا كثيرة.. لا ينفع معها الترقيع.. بل يجب أن تنتهى هذه الأمور وهذه السياسات.. ونأتى بثوب جديد له بريقه ولمعانه.. حتى وإن كان التغيير مؤلما.. فمعناه التخلى عن أمور اعتدنا عليها فقط.. هو التعود.. مجرد التعود..
التغيير والمرحلة الانتقالية قد تكون صعبة لكنها مهمة وضرورية.. نتحول فى التعليم من نظام قديم بال كلما أدخل عليه تعديل زاده غباء وابتلاء حتى تم تشويهه وأصبح من الغباء إدخال تعديلات تزيده ترقيعاً.. النظام الصحى الحالى حان الوقت لنسفه بنظام جديد مثل نظام التأمين الصحى الجديد.. يجب حتى ينجح أن يكون جديداً بالفعل.. وكذلك نظام التعليم الجامعى، العالم كله يتقدم ويتحول للتعليم العملى ونحن مازلنا ننحصر فى التعليم النظرى والاتجاه للتعليم الأدبى.. فى الإعلام الكل يفهم التغيير على أنه سيكون محاولات لترقيع ثوبه القديم.. ولكن يجب أن يتم تفجير كل ما هو عقيم.. ويحل الجديد الذى يقدم ويضيف، بعدما انحنى كاهلنا من كثرة الترقيعات فى الإعلام..
الكل ينتظر دوره فى ارتداء نفس الثوب القديم. واهماً أنه بارتدائه سيصبح جديداً.. وماذا سيضيف حينها سوى رقعة جديدة فى ثوب مهلهل لم يعد يتسع لأى شىء حتى أنه امتلأ بالرقع التى شوهته..
إذا كنا قطعنا شوطاً كبيراً فى إصلاح مالى.. فيجب أن تتغير الوجوه لإحداث إصلاح اقتصادى يعتمد على كل ما هو جديد ومغاير.. وإذا كان هناك ظهور قوى للشباب فى الصف الثانى والثالث فيجب أن يتم التغيير فى الصفوف الأولى أيضا حتى تكتمل الصورة من جميع جوانبها ويرتدى الجميع ثوباً جديداً مبهراً.. فكما أن الثوب لابد وأن يكون جديداً.. فإن كل ما فى الصورة ممن يرتدى الأثواب الجديدة يجب أن يكون جديداً أيضا.
.. وماله الحمار
كم أنت مظلوم أيها الحمار.. هذا الحيوان الطيب الحمول.. الذى يحمل أسفاراً ولا يكل ولا يبكى.. ولا حتى يشكو من كثرة الحمول وسوء معاملة الإنسان له.. وبدلا من أن يشكره الإنسان يقسو عليه ويجعله رمزاً للغباء، سباً لأى إنسان لا يفهم..  فى حين أن الحمار يفهم أكثر من العديد من البشر.. فالحمار حيوان ذكى يستطيع أن يذهب ويعود لمسكنه أو مكان إقامته دون مساعدة من صاحبه.
ودائما ما كنت أتساءل وأنا طفل صغير لماذا يصبر الحمار على كل هذه القسوة التى يراها من البشر.. حتى إذا تعثر فى الصعود فى المطالع تجده يجسد حالة من الضرب المبرح التى تتردد فى الأمثال.
وإذا تأملنا حياة الحمار نجدها حياة مثالية بلا شكوى أو أنين أو حتى تمرد.. فهو صابر طول الوقت ويعمل بتفان.. ولا يعرف سوى الإخلاص.. فهو لا يعرف العنف أو الخيانة.. ولا يستطيع أن يدافع عن نفسه.. يتحمل ويتحمل ويصبر ويصبر.. ومع ذلك نطلق على أى إنسان يحمل هذه الصفات بأنه حمار.. باختصار لأنه فى نظر بنى الإنسان حمار، مثار للتهكم والسخرية.. فنقول فلان حمار شغل كناية عن التفانى فى العمل وكأنها سبة.
الحمار صديق وفىِّ لصاحبه.. ولا يتحلى بصفة الغدر مهما نال من قسوة صاحبه.
الحمار يتعرض دائما لاضطهاد بين أقرانه من الحيوانات.. فتجد الإنسان يطلق الأسماء اللطيفة على القطط والكلاب وحتى الحصان.. ويدللها أحياناً.. ولا يطلق أياً من هذه الأسماء على الحمار..  وحتى هذه اللحظة لم يعرف قيمة الحمار سوى جحا فى حكاياته الأسطورية.. التى اتخذه فيها صديقاً وفياً.
لماذا لم نقدِّر الحمار رغم ما يحمله من صفات حميدة؟.. ألكثرته حولنا.. فكنا دائما ما ندرس فى كتب الجغرافيا أن لدينا أعدادا كثيرة من هذا الحيوان.. أم لأنه طيب لا يخيفنا.. فى حين نعمل حسابا للحيوانات المفترسة والشرسة، ونسعى لمشاهدتها.. أم لأنه غير متواجد فى حديقة الحيوانات..ويقتنيه الفلاحون وأصحاب المهن المتواضعة.. فهو موجود بكثرة حولنا.. أم لأنه يعطى دائما ولا يأخذ شيئاً.. باختصار لأنه حمار.
شعبولا
رحل شعبولا.. صاحب الظاهرة الفريدة فى كل شىء.. فى الفن والملبس والسلوك والكلام.. شعبولا ظهر فى التسعينات من خلال برنامج «حوار صريح جداً» وظهر معه عبدالباسط حمودة فى نفس الحلقة.. وكان عفوياً للغاية.. حيث تحدث ببساطة عن أنه يحب أن يرتدى ملابس من قماش المفروشات.. ويرتدى ساعتين فى يديه.. ولفت الأنظار عند حديثه عن أصدقائه الحرامية الذين يحبهم.. وزاد الأمر إثارة حينما تحدث عن مهنته الأصلية.. حيث كان يعمل مكوجياً..
ومن وقتها وأصبح ضيفاً على العديد من البرامج.. حيث كان من الذكاء ما يجعله يُظهر جهله الذى يثير فضول المشاهدين.. فهو لا يتجمل مثل باقى النجوم.. فهو حالة مختلفة.
استطاع شعبولا أن يحقق حالة فريدة فى الغناء لم يسبقه فيها أحد.. وأعتقد أنه لن يأت بعده أحد.. فشعبولا لا يتمتع بأى درجة من حلاوة الصوت.. وقال عنه الراحل محمد رشدى: سبحان الرزاق.. هذا الشخص كان يطلق عليه فى الموالد «أوال».. وأن ما يحدث معه من شهرة وانتشار هو رزق ليس أكثر.
شعبولا شارك فى فيلم «مواطن ومخبر وحرامى».. وأثار ضجة بأغنية «بأكره إسرائيل»..
شعبولا كان دائما يؤكد على وطنيته بأغان وطنية فى مناسبات عديدة.. وأغان تحمل نصحاً للشباب مثل أغنية «هبطل السجاير»..
حينما يتحدث تحب أن تسمعه.. فالأمر لا يخلو من نكتة.. بل نكات عديدة صنعتها عفويته وذكاؤه.. فقد اختار طريقاً أثار العديد من الآراء المتناقضة.. ولكنه صنع نجومية وترك رصيداً من أغنيات ذات لحن واحد لم يتغير.
ظاهرة شعبان عبدالرحيم الغنائية فتحت طريقاً أمام العديد من المطربين الشعبيين الذين لم يكن من الممكن أن يتقبلهم الناس إلا بتقبلهم لشعبان عبدالرحيم.. فظهوره على الساحة أفسح المجال للطرب الشعبى فى شكله الجديد.. والكل أصبح يأكل عيش.. أغان وحفلات وسلاسل من الأفلام لمنتج بعينه.. فقبل شعبان عبدالرحيم لم يكن سوى أحمد عدوية والذى يعتبر مثلا أعلى لشعبولا نفسه.. وحبا له أطلق اسمه على أحد أبنائه..
شعبولا ظاهرة كان عمرها قصيرا.. رحل سريعاً لأنه لم يحافظ على صحته.. فكم من المرات ما دخل المستشفى يعانى من مشاكل صحية.. ويحذره الأطباء.. إلا أنه كان يعود لما يضر بصحته ولم يع الدرس.. حتى انتهى به المطاف.. رحل شعبولا صاحب الصوت الأردأ والشهرة الأوسع والنجومية التى بلا أسباب مقنعة أو منطقية.. رحمه الله.
أشكو لمين
أشكو أمس واليوم.. حالى من الشكوى للشكوى.
وماذا تفيد الشكوى مادام لا يسمعها سواى.
أعرف أنك حين تشكو لغيرك فإنها تزيدك هماً وتعساً..
الكل مهموم ولديه ديون.
الصدر ضاق بالأنين.. فلا تحمل غيرك أنينك.
إذا اعتدت الشكوى.. فأنت ضعيف منكسر.
وماذا يفيد إذا انكسرت.. فالشامتون منتظرون.
سقوطك يسعدهم.. وأنت فى الدوامة تغرق.
إنهض وقم فأنت مثل غيرك تشكو الأقدار.
إذا شكوت حالك لصديق.. أحزنته.
وإذا شكوت لعدو أسعدته.
الخاسر أنت فى الأمرين..
فتلك هى الحياة فى الأمرين وقوعك.