يوميات الأخبار

أغلفة المجلات موسيقى تصويرية لنبض الشعوب

داود الفرحان
داود الفرحان

وترد فى ذهنى أن أغلفة مجلة «نصف الدنيا» كانت لافتة للنظر فى عهد رئيسة تحريرها المبدعة سناء البيسى.

ليس سراً أن هناك مجلات عربية وأجنبية تلعب أغلفتها دوراً مهماً فى زيادة توزيعها. وتقضى هيئات تحرير هذه المجلات وقتاً طويلاً فى اختيار صورة الغلاف والعناوين التى تغرى القراء بالشراء. فالمسألة ليست من اختصاص شخص واحد، لكنها تحتاج إلى خبرات متراكمة لدى فريق عمل مهنى يُدرك أهمية الغلاف فى التوزيع. وكان بعض المجلات العالمية ينظم مسابقات بين الجميلات تحت عنوان «فتاة الغلاف» وفى الغالب تنهال عليها الفرص للعمل فى التمثيل أو عرض الأزياء.. مع عروض أكثر للزواج! وقد لجأ الكاتب الراحل أنيس منصور حين كان رئيساً لتحرير مجلة «الجيل» الإسبوعية التى كانت تصدرها دار أخبار اليوم إلى تنظيم مثل هذه المسابقة بين الفتيات الجميلات لاختيار «فتاة الغلاف». ويتذكر قراء تلك الأيام أن فتاة جميلة اسمها زبيدة ثروت فازت فى المسابقة وتحولت من يومها إلى نجمة سينمائية يسقط فى غرامها عبد الحليم حافظ.
رجاء الجداوى فتاة الأغلفة
ولما كان الشىء بالشىء يُذكر، فإن عارضة الأزياء السابقة والنجمة السينمائية والتليفزيونية والمسرحية لاحقاً رجاء الجداوى كانت تحتل فى تلك السنوات معظم أغلفة مجلة «حواء» التى تصدرها دار الهلال. وكانت هناك عارضة أزياء جميلة أخرى اسمها ليلى شعير نجمة غلاف «حواء» لفترة طويلة. ومثلما تصدرت أغلفة المجلات المصرية فى تلك السنوات نجمات السينما المصريات، احتلت أغلفة المجلات الفنية اللبنانية نجمات الغناء والتمثيل اللبنانيات. لكن الجمال ليس دائماً سيد الموقف؛ فقد كانت صورة كوكب الشرق السيدة أم كلثوم على غلاف «المصور» أو «آخر ساعة» كفيلة بنفاد جميع النسخ ليس فى مصر وحدها وإنما فى الدول العربية أيضاً.
سناء جميل غلاف «الكواكب»
ويقول أحد رؤساء تحرير مجلة «الكواكب» فى الستينات من القرن الماضى أن الكاتب السياسى الراحل أحمد بهاء الدين الذى كان رئيساً لمجلس إدارة مؤسسة دار الهلال التى تصدر عنها «الكواكب» سأله فى أحد الأيام عن صورة غلاف العدد المقبل من «الكواكب»، فرد عليه بحماس: إنها الممثلة سناء جميل بطلة فيلم «فجر يوم جديد» من إخراج الفنان يوسف شاهين. فقال له بهاء الدين: أنت حر فى اختيار سناء جميل للغلاف فهى ممثلة عظيمة وعبقرية.. ولكنى أؤكد لك مهنياً أن توزيع مجلة «الكواكب» سيتراجع فى هذا العدد أربعة آلاف نسخة فى الأقل. وبالفعل هبط توزيع عدد المجلة الذى تصدرته صورة سناء جميل 4500 نسخة عن العدد السابق من المجلة الذى احتلت غلافه هند رستم.
أغلفة عبد الناصر ترفع التوزيع
وسألت ذات يوم فى أواخر السبعينات الصحفى اللبنانى على بلوط، وكان يُصدر فى تلك الفترة من باريس مجلة «الدستور» الأسبوعية، عن توزيع المجلة فقال إنه جيد. ثم سألته: ألا تخشى هبوط التوزيع بعد منع المجلة فى بعض الدول العربية؟ فقال: فى اليوم الذى ألمس فيه تراجع التوزيع أضع على غلاف العدد التالى صورة للزعيم الراحل جمال عبد الناصر، فيرتفع التوزيع إلى أرقام مميزة.
فى الستينات أيضاً كانت وكالة أنباء الشرق الأوسط تصدر مجلة شهرية اسمها «بناء الوطن» وظلت محدودة التوزيع إلى أن عرفت أسرار لعبة الأغلفة، فبدأت تنشر على غلافها بين فترة وأخرى صورة عبد الناصر.. والنتيجة المرتجعات صفر!
نصيحة السادات لأنيس منصور
أتذكر أن الرئيس الراحل أنور السادات قال بعد صدور العدد الأول من مجلة «أكتوبر» فى السبعينات من القرن الماضى لرئيس تحريرها الكاتب الراحل أنيس منصور: «لا تُكثر من العناوين على الغلاف»، وهى نصيحة ثمينة لكل مصمم فى أية مجلة عربية أو أجنبية. والنصيحة الثانية من قارئ مثلى تتلمذ على الصحف والمجلات المصرية: «لم تعد صور الفنانات تجذب القراء، إذا أردت أن تبيع كل النسخ لا تتثاءب». وأنا أتفق مع من يقول «إن أغلفة المجلات أكثر من بوستر وأقل من لوحة»، وأتفق أيضاً مع من يرى أنه «لا وجود لمجلة جيدة بغلاف سيئ». وترد فى ذهنى أن أغلفة مجلة «نصف الدنيا» كانت لافتة للنظر فى عهد رئيسة تحريرها المبدعة سناء البيسى.
«روزا» تودع القهقهات.. وتبتسم
أما مجلات الكاريكاتير فتعتبر خارج لعبة أغلفة المجلات العامة؛ فهى تعتمد على الكاريكاتير الناجح ونموذجها فى هذا المجال «روز اليوسف» و«صباح الخير». والمجلتان قلصتا للأسف الكاريكاتير فى أغلفتهما ولجأت الأولى إلى الصور والعناوين الكثيرة، والثانية إلى لوحة فنية جميلة وعنوان واحد. كان خروج الكاريكاتير من جلباب أغلفة المجلتين (إلا نادراً) ارتداداً غير مقنع عن تاريخ من الكاريكاتير الرفيع المستوى الذى صار قدوة لكل مجلات الكاريكاتير فى الوطن العربى. كانت هذه المؤسسة، ولازالت، تضم باقة من أفضل رسامى الكاريكاتير فى الوطن العربى، وكان كاريكاتير صاروخان السياسى الذى يتصدر غلاف معظم أعداد مجلتى «الصرخة» و«روز اليوسف» حديث الشارع المصرى فى النصف الأول من القرن العشرين، كما كان كاريكاتير «رخا» الاجتماعى على غلاف «آخر ساعة» فى تلك السنوات يضحك الشارع. ويعود لـ«رخا» الفضل فى إبراز جمال «الملاية اللف» على أجساد المرأة فى القاهرة والإسكندرية. وأكاد أقول إنه من الخطأ إجراء عملية تجميل لوجه هو جميل أصلاً.
شخصية العام فى «تايم»
عالمياً، فإن مجلات الأغلفة المؤثرة فى الولايات المتحدة هى «لايف» التى توقفت منذ سنوات و«تايم» و«نيويوركر» و«ناشيونال جيوغرافيك»، وفى ألمانيا «دير شبيجل» و«شتيرن»، وفى فرنسا «بارى ماتش». طبقاً للمعايير المهنية تعتبر هذه المجلات أهم المجلات المصورة فى العالم. بل إن الغلاف السنوى لشخصية العام الذى تصدره مجلة «تايم» فى نهاية كل عام هو نفسه «حدث عالمى» تتناوله أجهزة الإعلام بالتحليل والتفسير. ومنحت المجلة قبل أكثر من عشر سنوات جميع القراء حق الظهور فى صورة تتصدر غلاف «تايم» السنوى، وذلك عن طريق نشر غلاف فارغ للمجلة عبر موقعها على الإنترنت، وكل ما على القارئ أن يفعله هو أن يضع صورته داخل الإطار الأحمر إلكترونياً خلال وقت حددته المجلة، قبل أن تتوقف عن هذا الابتكار الذى لم تكرره! وقد جربته بنفسى ووجدت صورتى مع أسرتى تحتل غلاف المجلة العالمية تحت عنوان: «شخصية العام» أسوة بأينشتاين والرؤساء الأمريكيين وجمال عبد الناصر ومانديلا ومحمد على كلاى وتشرشل وماو تسى تونج وديجول ومارلين مونرو ومادونا ومايكل جاكسون وآلاف غيرنا (عفواً أقصد غيرهم)!
ويخضع غلاف «تايم» لشروط ومواصفات قاسية. وقبل أكثر من عشرة أعوام استخدمت المجلة فى غلافها نوعاً من الورق مثل المرآة يعكس وجه القارئ عليه وكتبت فى أسفل الصفحة الأولى كلمة واحدة كبيرة هى «أنت» You أى أنها اختارت القارئ ليكون شخصية العام! وكانت مجلات أمريكية أخرى مثل «لايف» و«لوك» و«نيوزويك» تعتمد أيضاً فى أغلفتها على صورة الغلاف التى ليس ضرورياً أن تكون فتاة كما يتبادر إلى ذهن البعض. صحيح أن غلاف المجلة الفنية أو النسائية أو الاجتماعية يفضل أن يكون لوجه فتاة جميلة أو ممثلة فاتنة، لكن المجلات العامة، والسياسية على وجه التحديد، لا تعنيها كثيراً صور النساء الجميلات.
أكثر من غلاف
ولجأت مجلات عالمية فى السنوات الأخيرة إلى إصدار أعدادها الأسبوعية بعدة أغلفة متتالية فى النسخة الواحدة. ونجد أحياناً أن مجلات بريطانية أو أمريكية سينمائية أو نسائية تصدر شهرياً بطبعتين متشابهتين باستثناء غلافين مختلفين لزيادة التوزيع بين هواة جمع الأغلفة النادرة (وهى هواية بدأت بالانتشار). وكانت مجلات لبنانية فنية تلجأ قبل إغلاق معظمها إلى حيلة مشروعة لضمان عدم منع أعدادها فى بعض الدول العربية بوضع غلاف خاص للبنان وغلاف آخر مختلف عن الطبعة اللبنانية لبقية القراء العرب.
القمر.. رايح جاى
على أى حال، ليست هناك قاعدة ثابتة للغلاف الناجح، لكن الغلاف الفاشل يتحدث عن نفسه. فكل مجلات العالم نشرت صور هبوط أول إنسان على القمر، لكن الغلاف الذى تصدر مجلة «لايف» هو الأفضل لأنه لم يتضمن غير صورة رائد الفضاء ببدلته المميزة والى جانبه نص مَثَل أمريكى يعادل ما يجيب به العريس على سؤال العروسة: «كم تحبنى؟» قائلاً: «أد الدنيا». فالأمريكيون يقولون بهذا المعنى:
TO THE MOON AND BACK أى بقدر «مسافة الذهاب إلى القمر والعودة». وصار هذا الغلاف درساً تاريخياً للغلاف الناجح. المعنى؟ المعنى أن اختيار صورة الغلاف وتقدير أهميتها حرفة صحفية يجيدها قليلون ليس فى الوطن العربى فقط، ولكن فى العالم أيضاً. وروى أحد رؤساء تحرير مجلة «وايلد أنيمالز» الإنجليزية التى تهتم بالحيوانات البرية أن مجلس التحرير كان يقف حائراً فى كل أسبوع؛ فأغلفة الطيور والفراشات والكلاب والقطط والقرود والخيول والدلافين والباندا تحقق أعلى معدلات التوزيع، بينما يتأثر التوزيع مع أغلفة الحشرات والصراصير والجراد والفئران.
على هامش أحد اجتماعات اتحاد الصحفيين العرب قبل عشرين عاماً اقترح الصحفى اللبنانى ملحم كرم رئيس تحرير مجلة «الحوادث» التى كانت تصدر فى باريس تنظيم ورشة لأغلفة المجلات أسوة ببقية ورش التدريب على التقنيات الحديثة. فاعترض زميل ليبى قائلاً: نحن لا نعانى من مشكلة، فنحن لا ننشر على الغلاف إلا صورة واحدة لشخص واحد، تتغير الصورة إسبوعياً ولا يتغير الشخص إلا بعد عمر طويل. وتم رفض الاقتراح بالإجماع.
وأخيراً.. ما أجمل عرض المجلات العربية والأجنبية فى أكشاك حى الزمالك!
< كاتب عراقى مقيم بالقاهرة