فيض الخاطر

«إييييييه»

حمدى رزق
حمدى رزق

يرحمه الله، رحل شعبان عبد الرحيم، غادرنا شعبولا فى هدوء بلا ضجيج، أخشى لم يترك أغنية وداعية فى أثره، كيف كانت ستكون، كيف كلماتها، هل كان قادرا على قولة إييييييه» لزمته الذائعة التى ميزت غناءه، حتى النفس الأخير لم يصدق شعبولا أنه مريض المرض الأخير، حتى غنى على كرسى متحرك فى « ليالى الرياض»، كان يقاوم مرضه العضال بالغناء، كان ينطق الآااااااه.. إييييييه».
حياة عريضة عاشها « قاسم « الاسم الحقيقى لشعبان المكوجى، منذ أن اقتحم حقل الغناء على أيدى أبيه الروحى أنور العسكرى،التقيته باكرا بعد ضجيج شريطه « أحمد حلمى اتجوز عايدة « الذى سيطر على الآفاق، ذهبت إليه فى بيته على حافة القاهرة باتجاه القليوبية، وكان محاطا بالخضرة، وجلسنا فى وسنة ضاحكة، يومها كان يجهز لشريطه الفاجورة « كداب ياخيشة «، يومها صك عنوانا مثيرا « لونزلت السوق شريط فاضى عليه صورتى سيوزع الملايين «.
وعزمنى بعد حوار صاخب على أكلة فسيح بالبصل الأخضر والليمون، فكان حريا السؤال، الفسيخ خطر على أحبالك الصوتية يا فنان، فرد مازحا، كل واشكر، حبالى الصوتية متينة، تجر جرار زراعى، مشيرا إلى جرار زراعى كان يحرث الأرض من حولنا ( الحوار منشور فى مجلة المصور ).
رحل شعبولا تاركا ظاهرة غنائية شعبوية جاوزت ظاهرة أحمد عدوية الشعبية، شعبان لم يكن عاديا بل استثنائيا فى طرحه الغنائى، صوت أجش، من حنجرة غليظة، يؤديها مطرب جاوز فى تفاصيل شخصيته « مطرب العواطف» من اختراع الثنائى العبقرى أحمد رجب ومصطفى حسين، يرحمهما الله.
صوت أنفه المثقفون قبل أن يولفوا عليه، وأحبه الصنايعية واقتنوا شرائطه، ونال منه نفر من المتحذلقين ولم يفقهوا رسالته، أغانيه السياسية كانت عنوانًا للوطنية وقت كانت خيانة الوطن تتم فى الأنفاق السرية مع جماعة الإخوان الإرهابية .
يرحمه الله، شعبان غنى كما أحب هو، وليس كما أحب البعض، شعبان مطرب شعبى لم يدع علمًا ولا ثقافة، فنان بسيط لم يحلق فى أوهام العالمية ولا تذكرة حفله تعز على الفقراء، وقف مكانه بالضبط على خريطة الغناء، مطرب الحرفيين، قنع بتأدية دوره الذى يكسب منه عيشه، حالة غنائية حلقت سياسيا بأغنية « أنا بكره اسرائيل»، واتهم بالازدراء مرارا، واستقبل تهديدات داعش ساخرا، ولم يتصنع بطولة زائفة .
هناك من أحب شعبان، وليت من تهكم على شعبان يترحم عليه، وعزاء لأسرته ومحبيه، أخشى رحل وفى نفسه غصة من المتحذلقين المنظرين، المسفهين، شعبان كان نبيلا وهو يزور أطفال السرطان، ويقصد الجامعات طلبا للتبرعات ليس طلبا للتكريمات، ورسم بسمة على الوجوه، شعبان حكاية مصرية حقيقية، ألف رحمة ونور.