حكايات| «الفركة النقادية» إلى السودان.. روايات عن أياد أكلها «النسيج»

الفركة اندثرت ولا توجد إلا في نقادة
الفركة اندثرت ولا توجد إلا في نقادة

عم أمانة نجيب، السبعيني، صفته من اسمه ظل منذ نعومة أظافره على النول الخشبي ينسج الخيوط بمختلف ألوانها ليخرج من تحت يديه شال «الفركة» التراثي الذي لا يصنع إلا في بلده القناوي «نقادة»، قبل أن يذهب إلى السودان.

تلك الحرفة اليدوية الفرعونية، ما زالت تحتفظ برونقها على مدار 7 ألاف عامًا، إلا أنها اقتصرت على أهل نقادة بمحافظة قنا، يعملها من بقى من صناعها ما بين السبعيني والستيني والخمسيني من بينهم عم «أمانة»، ويشرفون على قلة من الفتيات في مقبل عمرهن.

يقول صاحب الـ 72 عاما إنه يعمل في مهنة صناعة الفركة منذ 50 عاما، مضيفا أن علم أولاده من تلك المهنة التي يعشقها، ويأمل أن تورث لجميع الأجيال القادمة حتى لا تنقرض مع الزمن.

عم أمانة يرى أنها «رياضة» وليست مهنة فقط إذ يقول وهو يحرك يديه: «دي بتحرك البدن كله يابني».

اشتهرت حرفة الفركة في فترة الخمسينات من القرن الماضي حيث تعتبر الفركة، إحدى أساسيات جهاز العروسة السودانية وتعتبر دليلا على ثراء العروسة حيث تصدرها مصر دائما إلى السودان.

زينة السيدات أو مهنة الستر، كما يُطلق عليها هنا في نقادة، لأنها تستر أصحابها لما تقدمه من مبالغ بالكاد تكفي أصحابها ولا يجنون من ورائها مبالغ، مؤكدين أنها مهنة عائلية تجمع كل أفراد الأسرة بالمنزل للعمل على إنتاج قطعة الفركة.

قديسة جندي إسكندر 52 عاما تقول: «باشتغل من 20 سنة في الفركة، وتعلمتها من جارتي عندما كانت شابة».

وتكمل: «عندي ثلاث أولاد عملتهم وأنفقت عليهم من هذه المهنة، طالبوني أن أتركها، لكنني رفضت كي أدبر مصاريفي الشخصية ولا أطلب أموالا من أبنائي»، وتؤكد أنها تحصل على 150 جنيها أسبوعيا من تلك المهنة، إذ تعمل يوميا 5 ساعات.


تصنع الفركة من خيوط «فبران» حريرية، يتم استيرادها من الصين أو الهند أو خيوط من القطن أو الصوف، تبدأ مراحل التصنيع بصبغ الخيوط في «عجانية»، مصنوعة من الألومنيوم، يتم بها وضع ما لا يقل عن 10 كيلو جرام من الخيوط في المرة الواحدة وبعدها يتم مرحلة لف الخيوط، وغيرها من المراحل حتى تصل لمرحلة المكوك الأخيرة، ثم "النول الخشبي"، وهو الألة التي يًنع منها منتجات "الفركة والتي منها الملاية والإيشارب والتحجيبة والشال وغيرها».

 

ومن شيوخ الحرفة إلى الشباب الذي يتعلمون «أصول الصنعة»، تحدثنا آمنة محمود (18 عاما) إنها حصلت على شهادة الدبلوم الفني، ثم تعلمت حرفة الفركة في الوحدة المحلية لقرية نقادة، مشيرة إلى إنها تعلمتها خلال عام ونصف، مضيفة أن المهنة لها مستقبل باهر في حالة اهتمام الدولة بها.

بينما أكدت فاطمة عبد اللطيف 45 عاما أنها كانت لا تعمل منذ 6 سنوات، وعندما سمعت عن تلك المهنة تعلمتها على الفور وأصبحت توفر دخلا ثابتا تستطيع من خلاله مساعدة زوجها في مصاريف المنزل ومساعدة في الإنفاق على تعليم أولادها.

ويعاني الكثيرون من «الصنايعية» من ضعف الامكانيات، أو عدم الاهتمام بهذه الصناعة المحلية، حتى أعلن اللواء عبد الحميد الهجان محافظ قنا، أن المحافظة تعمل على تطوير هذه الصناعة التي تشتهر بها المحافظة دون غيرها، مما أعطى قليلًا من الأمل لعشاق هذه الصناعة.

لم يعتمد أهالي قرية نقادة على وجود الورش من أجل صناعة تلك المهنة ولكن يمكن ممارسة تلك المهنة من المنازل حيث يعمل 60% من السيدات في تلك المهنة من أهالي القرية و40% من الرجال.

مرت تلك المهنة الحرفية بالعديد من الصعوبات كان من أهمها عدم مواكبة التصميمات لذوق العام الحالي، والتصميمات العالمية كما يوجد عدم إقبال على تعليم تلك المهنة من أبناء الجيل الحالي وعدم إرثها من الآباء، كما وجهت صعوبة التسويق.

 

حازم توفيق مدير وحدة صناعة الفركة بمحافظة قنا، إن حرفة الفركة هي حرفة يدوية فرعونية، مؤكدا أن يوجد آثار فرعونية بمعابد أخميم تشهد على صناعة تلك الحرفة.

وأضاف توفيق أن ستينات القرن الماضي برزت حرفة الفركة، حيث كانت مصر تصدر للسودان والدول الأفريقية تلك الصناعة بقيمة  2 مليون دولار ، مؤكدا أن الفترة الحالية نعمل على تشجيع الفتيات خريجين الدبلومات الفنية لتعلم تلك الحرفة والعمل فيها، كما تم عقد ورش تدريب لهم.

 الحكومة المصرية قامت بتدعيم تلك المهنة من خلال قرض برنامج تنمية الصعيد، حيث يدعم البرنامج تكتلات الحرف اليدوية في قنا وسوهاج بملغ 575 مليون جنيه وسيتم تخصص جزء من ذلك لدعم حرفة الفركة من أجل قيام منتج سياحي ضخم  يضم مركزا لتعليم الحرفة وفندقا ومركز لتدريب على صناعة الحرفة، وذلك على مساحة 24 فدان بقرية نقادة

وفقًا لدراسة أعدها محمود عبود، بجامعة جنوب الوادي بقنا، أشارت إلى أن هذه الصناعة معرضة للاندثار، لعدة أسباب منها غلاء المواد الخام وعدم وجود حركة للسياحة ، فضلًا عن عدم وجود اهتمام من الدولة في تسويقها كغيرها من الصناعات المحلية التي تشتهر بها قنا، مثل صناعة العسل الأسود والفخار.

وتشير الدراسة إلى أن الأفارقة يرتدون المنتجات المصنوعة من الفركة، في الحفلات ويتباركون بها، لافتًا أن نقادة من أشهر المراكز التي تصنع هذه المنتجات، والتي تعتمد في صناعتها على عدة مراحل مثل شراء خيط الحرير الصناعي الأبيض وتلوينه حسب الطلب بالأصباغ المختلفة، ثم لف الخيط وشده على النول تمهيدًا لعملية النسج، ثم مرحلة لف الخيوط، ثم تمر الصناعة بعدة مراحل، وتأتى المرحلة الأخيرة وهي التصنيع بالمكوك على النول، وهو الجزء الذي يحدد الشكل، حسب الطلب والرغبة في إدخال أشكال جديدة، وتتطلب عملية شد النول دقة متناهية وصبرًا طويلًا، حيث يقوم بهذه العملية أكثر من شخص، وقد تستغرق من ثلاثة إلى أربعة أيام، تبدأ بعدها عملية نسج الفركة التي تستغرق يومًا واحدًا على الأكثر.

وأوضح الباحث في دراسته أن عدد منشآت صناعة الفركة في مركز نقادة بلغ قرابة 98 منشأة، أعلاها في قرية الخطارة، التي تتميز بهذه الصناعة، ويبلغ عدد العاملين بهذه الصناعة قرابة 400 عامل، ينتج العامل الواحد قرابة 4 أو 4 منتجات من الفركة يوميًا، لافتًا إلى أن صناعة الفركة، تواجه منافسة شرسة من الصين والهند ومناطق أخرى داخل مصر، من حيث كم الانتاج واستخدام التقنيات الحديثة.

وأشار إلى أن الأسعار جعلت المواطنون يلجأون إلى الأقل سعرًا، فالصناعات المستوردة تباع بـ 20 جنيه للشال على سبيل المثال، ولكن في قنا يباع بـ 35 جنيه، لجودته ومشقة صناعته اليدوية، لافتًا أن الفركة تعد زي تراثي يتباهى به الرجال والنساء، مطالبًا بالاهتمام بهذه الصناعة.