صور| هنا يرقد «أبو حصيرة».. تاريخ «مثير» لثاني أقدم مقابر يهودية في العالم

هنا يرقد «أبو حصيرة».. تاريخ «مثير» لثاني أقدم مقابر يهودية في العالم
هنا يرقد «أبو حصيرة».. تاريخ «مثير» لثاني أقدم مقابر يهودية في العالم

- مقابر اليهود ثاني أقدم مقابر يهودية في العالم بعد جبل الزيتون بالقدس

- «أبو حصيرة وكارمن وينشتاين وعائلة هارون».. أبرز الشخصيات اليهودية بها

- المقابر كانت وكرا للكلاب الضالة والمخدرات والرذيلة وتجارة الأسلحة والروبابيكيا

- الطائفة اليهودية في مصر قامت بتنظيف المقابر بالتنسيق مع الحي منذ بضعة شهور

- شحاته هارون كان معارضا لإسرائيل ورفض احضار حاخام منها يصلي عليه
 
ربما لا يدرك كثيرون أنه يوجد مقابر لليهود داخل مصر تمتد على مساحات شاسعة من منطقة البساتين بالقاهرة، والتي يعتبرها اليهود ثاني أقدم مقابر يهودية في العالم بعد جبل الزيتون بالقدس، وتضم رفات اليهود المقيمين في مصر قبل هجرتهم الجماعية منها مع اندلاع حرب 1948 ومشاركة إسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.

 

«بوابة أخبار اليوم» قامت بجولة في مقابر اليهود لرصد ما آلت إليه الآن، وأبرز العائلات اليهودية المدفونة بها، وتاريخها.

 

عند دخولك عزبة النصر الواقعة بمنطقة البساتين وسؤالك عن مقابر اليهود؛ يجيبك الأهالي بأن المنطقة كلها تسمى بـ«ترب يهود» وتم تشييد عزبة النصر على أطلالها، وعندما تقارب من الانتهاء من عزبة النصر وتتجه لطريق «الاتوتستراد» تجد ما تبقى من مقابر اليهود لا يزال على حالته، وعبارة عن أحجار من الرخام متراصة بجوار بعضها البعض، ومدون عليها بيانات المُتوفىّ ورمز النجمة، وبعضها له مقصورات وبهو وذات بناء مرتفع يشبه مقابر الفراعنة، وذلك حسب مكانة وشهرة المتوفى، وتبلغ مساحتها 120 فدانا، وقام الأهالي الوافدين من خارج القاهرة بتشييد المباني والمنازل وورش الرخام والروبابيكيا على أجزاء منها.

 

مقابر اليهود الآن

أقام سكان عزبة النصر بالبساتين العاملين في ورش الرخام بيوتهم وورشهم بالمقابر، واستولى عليها جامعو الروبابيكيا، وقام الأهالي بتفريغ الصرف الصحي فيها فنمت بها الأشجار بكثافة وسكنها الكلاب الضالة ومتعاطو المخدرات وتتم بها صفقات بيع الأسلحة غير المرخصة، وتُمارس فيها الرذيلة والأعمال المنافية للآداب، وانتشرت بها القمامة، وذلك بحسب رواية وشهود أهالي المنطقة لـ«بوابة أخبار اليوم».

لكن قامت الطائفة اليهودية، مؤخرا، بحملة تنظيف للمقابر بالتنسيق مع الحي ومحافظة القاهرة - كما يتضح بالصور من حالها قبل وبعد حملات النظافة- حيث تم رفع تلال القمامة والروبابيكيا والحجارة وأطنان الرخام منها، وإكمال تشييد السور لحمايتها من زحف الأهالي.

وقال محمد سليم، 55 عاما، أحد سكان المنطقة «الجزء المتبقي من مقابر اليهود يمثل ثلث مساحتها التي كانت موجودة حيث قام الأهالي بالإقامة بها وبنوا عششاً ومنازل وكانوا يفرشون خامات الرخام ومعداتهم عليها ويلقي الأهالي القمامة بها ويصرفون مياه الصرف الصحي عليها كما يقوم جامعو الروبابيكيا بفرز بضاعتهم فيها وحرقها ويتم إلقاء مخلفات البناء فيها، حتى قامت حملة من الحي والطائفة اليهودية برفع المخلفات منها وإزالة التعديات عليها».

يتابع: «الصرف الصحى فى المنطقة تم تنفيذه بشكل خاطئ ودائما الأهالي يوزعوا الصرف على مقابر اليهود حتى نمت بها الأشجار الكثيفة، وسكنتها الكلاب ومتعاطو المخدرات ليلاً، ويستخدمونها في أعمال الرذيلة، لكننا نأمل بعد حملة النظافة ألا تتكرر تلك المخالفات».

وبسؤال أهالي المنطقة أقروا بقيام محمد التربي المكلف بحراسة المقابر بتمكين جامعو الروبابيكيا وورش الرخام وبعض الأهالي من السطو على المقابر والبناء عليها مقابل مبالغ مالية، خاصة بعد مرض ووفاة كارمن وينشتاين، رئيس الطائفة اليهودية، التي كانت ترعى المقابر وتوليها اهتمام خاص، حتى تمت الحملة الأخيرة من النظافة لها، كما أوضحوا أنه كثيرا ما تتم حملات نظافة للمقابر ثم يعاود الأهالي التعدي عليها.

 

 


 
رئيس الطائفة اليهودية ترفض التعليق
 
قمنا بالتواصل مع ماجدة هارون، رئيس الطائفة اليهودية في مصر، للتعليق على وضع مقابر اليهود بالبساتين، وما تم اتخاذه من إجراءات، والحصول على بيانات منها بأعداد اليهود في مصر حالياً، إلا أنها رفضت الإدلاء بأي معلومات قائلة: «أنا ممتنعة عن الأحاديث الصحفية في الوقت الراهن».

كانت كارمن وينشتاين، رئيس الطائفة اليهودية فى مصر سابقا، قد أكدت فى أحاديث صحفية أن ما يثار عن أعداد اليهود في مصر بأنها لا تزيد على الـ100 يهودي غير صحيح، فعدد اليهود المصريين يفوق ذلك إلى حد كبير، غير أنهم يرفضون الكشف عن هويتهم، ولا تكتشف الطائفة أنهم يهود إلا عند وفاتهم، عندما يطالب أقاربهم بدفنهم في مقابر البساتين.

 


 
تاريخ مقابر اليهود  

تضع الجالية اليهودية تلك المقابر ضمن ممتلكاتها في القاهرة، فبحسب ما أقرته فإن مقابر البساتين كانت بتبرع من أحمد بن طولون في القرن التاسع التي كانت جزءا من الصحراء، ويعتبرونها ثاني أقدم مقابر يهودية في العالم بعد جبل الزيتون بالقدس.
 
وفى عام 1978 أطلقت كارمن وينشتاين، رئيس الطائفة اليهودية فى القاهرة سابقا، نداءاً لليهود في العالم من خلال وسائل الإعلام من أجل إنقاذ مقابرهم، وبالفعل استجاب اليهود في فرنسا من خلال «جمعية المحافظة على التراث» والتي تضم في عضويتها يهود مصريين، وأرسلوا أموالاً من أجل بناء سور حول المقابر بارتفاع 3 أمتار وطول بال 2000 متر، إضافة إلى تعيين 3 حراس لمقابرهم، إلا أن هذا السور حاليا تم هدم أجزاء منه. 

أهم العائلات اليهودية

رصدت «بوابة أخبار اليوم» مقابر أهم الشخصيات اليهودية المدفونة بها، والتي تستحوذ على مساحة كبيرة منها، وتلقى اهتماما بالغا من الطائفة اليهودية، وأبرزها «أبو حصيرة» وهو حاخام يهودي، توفي عام 1880، في قرية «دميتوه» التابعة لدمنهور بمحافظة البحيرة، والذي يعتقد اليهود أنه شخصية مباركة، ويحتفل اليهود بمولده في 26 ديسمبر، وتستمر طقوس الاحتفالات حتي الثاني من يناير من كل عام، ويزوره عدد من السائحين اليهود من إسرائيل، والدول الغربية سنويا، وذلك قبل قرار منع إقامة المولد من قبل السلطات المصرية.

 

وتدور الرواية حول حاخام يهودي صاحب كرامات، ومن أصل مغربي، استقل مركبا لزيارة الأماكن المقدسة اليهودية في فلسطين، فغرقت في عرض البحر المتوسط، فما كان من صاحب الكرامات إلا افتراش حصيرته فوق مياه البحر، والإبحار بها إلى سوريا، ومنها إلى القدس‏، وبعدها حملته هذه الحصيرة إلى مدينة الإسكندرية، وهناك راقت له الإقامة في شمال مصر، فاستقر في قرية «دمتيوه»، حتى توفي فوق حصيرته، ودفن في ضريحه الحالي، على حد زعمهم.

ودُفن أيضا «سعيد الفيومي» وهو من اليهود المصريين الذين كتبوا الكتاب المقدس باللغة العربية ووضع أسس النحو العبري، واعتبر دوليا بوصفه الشخصية اليهودية البارزة والأدبية والسياسية في العصور الوسطى.

وعائلة «موصيري»؛ والتي تم تسجيل قبره كأثر من قبل المجلس الأعلى للآثار، وهو اقتصادي تجله الطائفة اليهودية لتبرعه لزيادة مساحة المقابر بالبساتين، وكان يمثل المصالح الإيطالية في القاهرة، وكان قد لقى حتفه أثناء اشتراكه ضمن قوة البالماخ الألمانى فى حرب فلسطين 1948 ضد الجيش المصري.

كما دُفنت بالمقابر «كارمن وينشتاين»، رئيس الطائفة اليهودية بمصر سابقا، والتي أطلقت نداءً لليهود حول العالم لإنقاذ مقابرهم وبناء سور حولها.

ويوجد مقبرة لـ«ستة الماسفي» من أغنى أغنياء الجالية اليهودية عام 1900، ويأتي سبب شهرتها عندما تبرعت بقطعة أرض بمنطقة العباسية للجالية اليهودية، وعقب وفاتها جمع أبناء الطائفة مبالغ كبيرة من الأموال لبناء معبد لها بمبادرة من الحاخام طوبيا، رئيس الطائفة في مصر في ذلك الوقت، وبالفعل تم بناؤه عام 1925، وأطلق عليه اسم «موسى الدرعي».

أما أشهر مقابر اليهود لعائلة «هارون» وهم: شحاتة هارون، وهو يهودي مصري يساري معارض لإسرائيل، مات عام 2001 عقب إصابته في نهايات حياته بمرض الزهايمر، وعندما توفى رفضت عائلته أن يصلي عليه السفير الإسرائيلي بالقاهرة، واستأجرت حاخاماً من فرنسا ليصلي عليه حتى لا يحضر حاخام من إسرائيل، الذي ظلّ طوال حياته يهاجم وجودها ويرفضه.

ولحق به في 2014 ابنته نادية هارون، نائب رئيس الطائفة اليهودية، وهى بنت اليساري المصري شحاتة هارون، وتم دفنها داخل مقابر البساتين بجوار والدها، وشهدت مراسم جنازتها أحداث غريبة، كان أولها تأخر مراسم الجنازة خمسة أيام لتعذر حضور حاخام يهودي كي يصلي عليها قبل دفنها، بالإضافة إلى حالة البكاء والعويل الهستيرية، من قبل شقيقتها ماجدة هارون، رئيس الطائفة حالياً.