صور| الفلفل أسمر بـ«صبغة الأحذية» و«الشطة» نشارة خشب.. التوابل المغشوشة.. سموم في مطابخنا

التوابل المغشوشة سموم في مطابخنا
التوابل المغشوشة سموم في مطابخنا

- تجار الحمزاوي: أسعار التوابل الطبيعية عالية جداً..والزبون بيحب الرخيص

- أصحاب محلات عطارة: الفلفل الأسود مائل للرمادي وقلبه أبيض.. والهندي والسنغافوري الأفضل

- ربة منزل: البهارات المغشوشة ضيَّعت حياتي وأصابت أمعائي بالتقرحات

- أطباء: تضم مواد مسرطنة وتصيب الإنسان بأمراض مزمنة

 

كتب: حسام عبدالعظيم

 

على مدار فترة تنفيذ تلك المغامرة لم يغب عن خاطري الأغنية القديمة للمطربة أحلام "يا عطارين دلوني الصبر فين أرضيه..ولو طلبتوا عيوني خدوها بس ألاقيه" مع استبدال التوابل غير المغشوشة بالصبر حيث إن التوابل لا غنى عنها في أي بيت مصري، فهى المتحكم الأول في مذاق الأطعمة وتهتم ربات البيوت بوجودها في مطابخهن لمساعدتهن على الطهي بطريقة المطاعم الكبرى، ومع ارتفاع الأسعار قامت شياطين الإنس من التجار الذين باعوا ضمائرهم بخلط مواد غير غذائية على هذه التوابل، لجني الأموال وتحقيق أرباح طائلة، غير عابئين بما تسببه تلك المواد من أمراض.

 

إطلالة على المكان

 

بمجرد اقترابنا من ناصية الطريق الموصل للشارع هبت علينا مزيج من روائح التوابل المختلفة والأعشاب والزيوت، تشاكس الأنف بروائحها النفاذة فهو شارع ضيق على مدخل الصاغة وموازي لشارع الأزهر والحمزاوي الكبير حتى وصولنا إلى تقاطع شارع بورسعيد وشارع الأزهر القريب من شارع المعز لدين الله الفاطمي بحي الجمالية في القاهرة، حيث تتوزع محال العطارة على جانبي ممر ضيق يطلق عليه "الحمزاوي" لا يتعدى عرضه ثلاثة أمتار فقط لا يتبقى منها سوى متراً واحداً للمارة بعد فرش البضاعة أمام تلك المحلات.

 

 ومن داخل أحد المنازل المتفرعة من شارع الحمزاوي في غرفة مظلمة اكتشفنا وجود مطحنه للتوابل، ولكنها تعمل بطريقة غير شرعيه حيث يتم إضافة الحنة الحمراء إلى الكمون بمقادير ثلث كمون وثلثين حنة حمراء.

 

 

ريَّح الزبون بالسعر المعقول

 

وبالحديث مع العاملين "إحنا بنريح الزبون ونعمله اللي هو عاوزه" بهذه الكلمات بدء الأسطى محمد حديثه معانا عن طريقة خلط بعض المواد على التوابل، واستطرد ساخرا "يا عم كيلو الكمون الأصلي بيعدي الـ 80 جنيها والشطة بيتخطى الـ 100 جنيه، إحنا بنوصله لـ20 و 30 جنيه، شوفت الخير اللى بنعمله للناس" محدثاً صبيه كمل شغل يابني خلينا نخلص ورانا طلبيات كتير، وتابع كلها مواد طبيعيه لا تضر البني ادمين إضافة إلى أن معدة المصريين بتهضم الزلط، أهم حاجه أننا بنريحهم في السعر، موجهاً أوامره للصبي الجديد "كاتب التحقيق" قائلاً مهمتك أنت تضيف 5 كيلو من  "تفل زيت حبه البركة ودقيق الذرة على 5 كيلو من الفلفل الأسمر، أما الكمون تضع على كل 5 كيلو 4 كيلو من العيش ناشف والأرز، وعلى كل 5 كيلو شطة تضيف 5 كيلو رده وزيت ولون أحمر.

 

القياس على الأسوأ

 

وعندما أخبرناه أن تلك الصناعة تضر بصحة الإنسان، قال نحن الأفضل  فهناك تجار معدومو الضمير يقومون بوضع الحجر الأسود الذي يستخدم في صناعة الحنة البغدادي والهندي السوداء على الفلفل الأسمر وللأسف هذا الحجر سام ويسبب السرطان والعديد من الأمراض الجلدية والفشل الكلوي والكبدي، أما نحن فلا نضيف إلا مواد غذائية أخرى اقل سعراً من أسعار التوابل "، وحاولت إخفاء علامات الاندهاش والاستغراب لعدم افتضاح أمري ولكنه قرأ في عيني ما لم أقوله "الإدانة الكاملة للطرفين" وتابع قائلا "نحن لا نغش الزبون والجميع يعلم أن هذه البهارات عليها إضافات خارجية، لذلك سعرها رخيص، بس إحنا مش بنضيف مواد سامة، كلها مواد طبيعيه وتستخدم في الطعام.

 

 

توابل.. قنابل

 

 ومع مرور الأيام بدأ "محرر هذه السطور" في اكتشاف المكان والصناعة بنفسه خلال ممارسته مهنته كعامل هناك، بالعمل داخل المطاحن وفوجئ أن التجار يضعون بطاس وزيت شطة ونكهات مضرة بالصحة علي نشارة الخشب ويوزعونها في الأسواق الشعبية ومحال البقالة والعطارة علي أنها شطة.

 

وأتضح أن الفلفل الأسمر يتم تصنيعه من عجينة مكرونة وصبغة أحذية وبطاس، كما كان للكمون نصيب الأسد من فساد تجار التوابل، حيث يتم تصنيعه من العيش الناشف المعفن والأرز والبقسماط، فيما يصنع الزنجبيل من البطاطا الناشفة.

 

رواج المغشوش

 

ولاستكمال المغامرة وجب على "المحرر" مراجعة أصحاب محلات العطارة للتعرف على موقفهم مما يحدث والتقينا بالحاج "أبو عبده" تاجر عطارة بمنطقة البساتين بدار السلام، والذي كشف عن أكبر كارثة تهدد حياة المصريين، بالتلاعب في الخامات المستخدمة في تصنيع التوابل وخصوصا الفلفل الأسمر.

 

حيث يقول إن التوابل المغشوشة تصنع داخل مطاحن كثيرة بمنطقة الحمزاوي الصغير بالجمالية، ويعمل بها أصحاب النفوس الضعيفة من التجار مشيرا إلى أن الزبون لا يستطيع التميز بين الأصلي والمغشوش إلا بعد ظهور النتائج السلبية عليك سواء إعياء شديد بالأمعاء أو أية أعراض أخرى، رغم أن حالات الغش  منتشرة بقوة بسبب ارتفاع الأسعار وقلة خبرة الزبائن، كما أن الإقبال على البضائع رخيصة الثمن  تجعل ضعفاء النفوس يلجاؤن للتلاعب.

 

 

نصيحة وقطيعة

 

وتواصلنا مع عطار بسوق الأميرية رفض ذكر اسمه، يعمل شقيقه في تلك التجارة المشبوهة بمنطقة الحمزاوي، حيث قال حاولت مرارا وتكرارا نصيحة شقيقي بالابتعاد عن المغشوش والعمل بما يرضي الله، ولكنه رفض بحجة أن مكاسب تلك التجارة كبير وأن المواطنين يعلمون بأن تلك المنتجات غير أصلية، ومع تكرار نصيحتي له تشاجر معي وقاطعني، وطلب مني تركه والتركيز في تجارتي.

 

الغش دخيل على المهنة 

 

وأوضح  تاجر الأميرية أن تقليد الأصناف من الفلفل الأسمر أو الكمون أو غيرهما من التوابل لم يكن في الماضي،ولكنها حديثة ودخيلة على المهنة، متابعا على سبيل المثال الفلفل الأسمر يتم تصنيعه من عجين يتم تحضيره في الشمس، وتركه لفترة حتى يجف تماما، وبعد ذلك ترش عليه صبغة سمراء فيأخذ شكل الفلفل، وعند طحنه يكون أنعم من الفلفل السليم، وهو ما يجعل السيدات يرتحن للمغشوش بدلا من السليم، كما يقوم بعض العطارين بتبديل الفلفل الأسود بـ "كسر المكرونة" الناتج من المصانع، ويقومون بطحنه، عن طريق آلات صغيرة وتحميصه ليكتسب لون الفلفل الأسود.

 

نكهات صينية

 

كذلك الكمون يتم طحن ورق شجر الجزوارين وإضافة محسنات بيضاء يتم صبغها فيما بعد وخلط كل هذه المواد سويًا داخل خلاط أسمنت لإنتاج الشكل النهائي، وما زاد الطين بلة  قيام الصين باختراع نكهة للتوابل وهى عبارة عن بودرة رخيصة الثمن يتم استيرادها من الخارج ويتم وضعها على تلك التركيبة لتصبح ذات رائحة نفاذة مثلها مثل التوابل السليمة.

 

نصائح الشراء

 

وفى النهاية وجه تاجر الأميرية العديد من النصائح لمساعدة المواطنين في التعرف علي التوابل المغشوشة، مطالبا الزبون بعدم شراء الفلفل الأسمر شديد السواد لأنه مخلوط بلون،مشيرا الى أن اللون الطبيعي للفلفل هو اللون المائل للرمادي، ثانيا عند شراء الفلفل ذو الحبة الكاملة يجب تكسريه، فإذا كان لونه من الداخل أبيض فهو جيد، ولكن إذا كان شديد السواد فهو فاسد، فضلا عن الابتعاد عن شراء الفلفل الباكستاني والإيراني لأنهما من أسوء أنواع الفلفل الأسمر، مشيرا إلى أن الفلفل السنغافوري والهندي من أفضل الأنواع وأجودها.

 

العشق الممنوع

 

"حياتي انتهت بسبب الفلفل الأسمر".. بتلك العبارة بدأت ذات الأربعين عاماً حليمة منصور حديثها في سوق الحمزاوي بوسط البلد قائلة يوجد بالسوق كل ما لذا وطاب من التوابل، اشتري جميع أصناف التوابل من سوق الحمزاوي بشكل مستمر بأسعار رخيصة، اعشق وضع التوابل على الطعام لما يعطي من مذاق رائع، وفي يوم من الأيام شعرت بإعياء شديد في الأمعاء، وبعد الكشف الطبي لدى أكثر من طبيب نصحوني بعدم وضع التوابل علي الطعام، وخاصة الفلفل الأسمر إذ تسبب في إصابتي بتقرحات بالأمعاء من الدرجة الثالثة.

 

لا غنى عنها

 

وعلى جانب آخر أكد الدكتور نبيه عبدالمجيد مدير المركز المصري لسلامة الغذاء بالبحوث الزراعية أن السبب الرئيسي للإصابة بأمراض الأمعاء وأعراضها، غياب الرقابة وعدم إحكامها على المصانع التي تقوم بغش التوابل، موضحا أن ارتفاع الأسعار جعل المواطنون يتوجهون إلى  المنتجات مجهولة المصدر لانخفاض ثمنها، متابعا: التوابل واحدة من الأشياء التي لا غنى عنها داخل كل منزل في مصر، ونعتمد عليها بشكل كبير فى تحضير الطعام لإضفاء طعم ورائحة، ولكن يجب البحث عن مصادر موثوق بها لشراء تلك التوابل، فمثل تلك المنتجات تصيب الإنسان على المدى القصير بتقرحات وربما يتطور الأمر علي المدى البعيد إلى الإصابة بأمراض أخرى مزمنة.

 

وأوضح "عبد الحميد" بعض وصفات التخسيس معتمدة على نوعيات من التوابل، ولكنها تصيب بعضهم بمضاعفات طبية نتيجة تناولهم تلك الأشياء مجهولة المصدر ليلقى بالتهمة على الطبيب ووصفاته، والحقيقة هو وجود خامات مسرطنة ومحظورة دوليا يتم استيرادها من الصين لتصنيع تلك التوابل محليا، ومن هنا تظهر المشكلة.

 

مسؤولية مين؟

 

قالت المهندسة عنان هلال استشاري ورئيس جمعية عين مصر لحماية المستهلك والبيئة، إن المسوؤل عن رقابة الأسواق وسلامة الغذاء من أول ما تخرج من المصدر حتى وصولها للمستهلك هى هيئه سلامة الغذاء، لما تمتلكه من صلاحيات ويتبعها وزارة الصحة والتموين.

 

وأشارت هلال، إلى أن دور الجمعية وضع خطط وبرامج لحماية المستهلكين وتلقي الشكاوى والتحقيق فيها، وكذلك التنسيق مع الأجهزة المختلفة لتطبيق القانون.

 

وأوضحت أن الجمعية حاولت مرارا وتكرارا عمل الأبحاث والدراسات على المنتجات والسلع ولكن ارتفاع ثمن البحوث الذي يتخطى 50 ألف جنيها حال دون ذلك.

 

واختتمت هلال قائلة سنقوم بمتابعه سوق الحمزاوي والطلب من الجهات المعنية النزول إلى السوق للكشف عن التلاعب ومحاسبه جميع التجار الذين باعوا أنفسهم للشيطان من اجل جني الأموال.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي

 
 

 
 
 

ترشيحاتنا