يوميات الأخبار

عصا الجفرى وسحر كلامه

د.محمد أبو الفضل بدران
د.محمد أبو الفضل بدران

هذه أصوات تأخذك من هموم الدنيا إلى عالم أرحب عطرى النفحات.

منذ أن أعلنت جامعة جنوب الوادى عن استضافة الحبيب على الجفرى حتى بدأ الهجوم على استضافته، كيف تستضيفون شيعيا؟ ويجيء الرجل وسط طوفان من الطلاب ظلوا واقفين منذ الرابعة مساء حتى التاسعة.. يجيء الرجل الموهوب كاريزما قيادة الجمهور فى ثوبه الأبيض وعصاه التى يبدو السرّ فيها فرع شجرة لا يتجاوز المتر طولا فى أعلاه ثنية يتكئ عليها فى مشيته. العجيب أنه لم تبرح عصاه يده طيلة الندوة، كان يتحرك على المسرح والميكروفون والعصا فى يده، كنت أنوى أن أسأله عن سر عصاه بعد الندوة، لكن تدافع الطلاب نحوه وحوله بُعيد الندوة جعلنى أوثر أن يمضى بسلام دون أن أسأله.
الجفرى: لستُ شيعيا
فى معرض إجابته عن أسئلتى وأسئلة الطلاب الورقية التى تجاوزت ألف سؤال انتقيت منها عشرة أسئلة كاملة، وكان منها سؤال: هل أنت شيعى، وهل أنت صوفى؟ ابتسم الرجل وقال: أنا رجل سُنى شافعى أشعرى ولستُ شيعيا وأتمنى أن أكون صوفيا، وبدأ يشرح الخلاف العقدى بين السنة والشيعة وأن هذه الخلافات لا تبرر الحرب بين السنة والشيعة التى صنعها الساسة الغربيون ووقع العالم الإسلامى فى أسْرها..
ثقافة الجفرى مدهشة، يبدو أنه قارئ نَهم وعى ما قرأ ويشرح الأمور الفلسفية الشائكة فى جمل بسيطة يفهمها الشباب وهذا من ذكائه فهو لا يتفلسف على المتلقى ولا يتعالى عليه والجميل أنه حاور الشباب وكأنه واحد منهم، ربما تبدو ثقافته مغايرة أحيانا، قد تتفق معه أو تختلف لكنه يسعى إلى لمِّ الشمل والتسامح وهذا الالتفاف حوله من الشباب يجعل عليه دورا كبيرا فى تثقيفهم وحثهم على ترك التطرف والتشدد.
الشيخ عمر الجيلانى
بدعوة من الأخ ياسر عمار اجتمع جمع من الأحبة محتفين بالشيخ عمر بن حامد الجيلانى، شيخ فى السبعينيات من سنيّه، وقور ذو مهابة، نحيف الجسد يمسك بعصاه التى لم تبرح كفه، كان قادماً من الرضوانية حيث ساحة الشيخ أحمد رضوان (رحمه الله) وبمعيّة أحفاده وأحبابه جلس الشيخ عمر الجيلانى المكى يستمع إلى المديح النبوى وتحدث عن مصر وعن حبه لمصر وعن خير أجناد الأرض وكيف هم فى رباط إلى يوم القيامة.. تحدث عن أهمية الحب بين الناس فى تعاملهم وفى عملهم وبين أسرهم.. كان المادح رضوان جمعة ينشد فى صوت شجى، كان الجميع فى حالة فرح لجمال صوته ومختارات شعره وبدت الليلة جمالاً فى جمال.
المنشد محمود هلال
حين تسمع المنشد محمود هلال الشاب الصغير ابن محافظة القليوبية تشعر أن الشيخ النقشبندى مايزال صوته حاضرا، هذا الصوت الجميل تحس فيه بالجمال وتلمس مدى تمكنه من المقامات وقد حباه الله حنجرة ذهبية جعلته قادرا على اجتذاب الجمهور، وعندما أنشد مع المبتهل محمد جمال القاضى آل النابى كانا صوتين جميلين، ولمحمد القاضى خشوع؛ كانت ليلة فى مديح النبى صلى الله وسلم، كم تجلّت فيها أصوات صادقة تبتهل إلى الله فى خشوع وطمأنينة، وتشكو من أحوال الناس وتنتظر إصلاحهم.. ما أجمل أن تستمع إلى تلك الأصوات المعبرة فى صحبة المنشدين الجميلين د.محمد سلاّم ومحمد حامد، هذه أصوات تأخذك من هموم الدنيا إلى عالم أرحب عطرى النفحات.
فى أمور المعيدين بالجامعات
من الأمور المستقرة فى جامعات أوربا ألا يُعين معيد أو عضو هيئة تدريس فى كليته أو جامعته بل يتقدم فى مسابقة عامة علنية ليعيّن فى جامعة أخرى وقد سمعت من أستاذى الألمانى مصطلحا غريبا عندما قال لى لو حدث ذلك فهذا أشبه «بزواج المحارم» والهدف من ذلك ألا تحدث شللية بين الأساتذة وتلامذتهم ومن ثَم تتحول إلى مراكز قوى فى الجامعات كما أن المشرّع رأى أن توظيفهم فى جامعات أخرى يجعلهم يتشرّبون مدارس علمية أخرى تزيدهم رؤية وعلما بحيث يستقى العلم من جامعته ثم من أساتذة الجامعات الأخرى.
وليست هناك وظيفة دائمة فى الجامعات التى درستُ بها ودرّسْت فيها مثل جامعة بون وجامعة بوخوم بألمانيا، وإذا أجاد يُجدّد له العقد وإذا تقاعس لم يجدد وعليه أن يبحث عن مكان آخر، وقد يكون لدينا تخوف من شيئين: مدة السنوات الثلاث فهى غير كافية للحصول على الماجيستير لاسيما أن الأولاد سيذهبون إلى خدمة الوطن بالتجنيد فى القوات المسلحة والسنتان الباقيتان غير كافيتين للحصول على الماجيستير لذا أقترح أن تكون خمسة أعوام وليست ثلاثة.
ثانيهما: التخوف من الهوى فى التجديد أو عدمه فقد يكون عدد أعضاء القسم 4 أعضاء هيئة تدريس وقد يميل بهم الهوى أو الجور، وهنا لابد من مرور هذا القرار على مجلس الكلية وحصوله على أغلبية ثلثيْ الأعضاء على الأقل حتى نضمن عدم المحاباة أو الظلم أيضا ويبقى لمجلس الجامعة القول الفصل فى التجديد من عدمه عبر وضع أسس معرفية ولجان علمية تتحرى الدقة والعدل وهذا أساس مطمئن للمكلّفين معيدين ومدرسين مساعدين؛ ومن الشروط اللازمة أيضا أن يكون التكليف وفق المجموع وترتيب الأوائل وحاجة الأقسام.
لم تعد الجامعة تكية للذين لا يريدون التقدم ويجهلون أبجديات البحث العلمى، ولا يودون الترقى لأن وظائفهم (ملاكى) لا يتزحزحون عنها، ولو أن معيدا حصل على درجة الماجيستير فى موعده فلن يستطيع أحد عدم تجديد عقده فلماذا الخوف؟ والأمر كذلك إذا حصل المدرس المساعد على درجة الدكتوراه فى السنوات الخمس.. ولن يكون عدم التجديد سيفا على رقابهم بل حفزا لهم على إنجاز رسائلهم الجامعية وبحوثهم وإسهامهم فى خدمة مجتمعهم والتفانى فى إفادة طلابهم..
ولماذا يقبلون العقود المؤقتة فى دول الخليج ويتفانون هناك.. أظن أن مصر فى حاجة إلى عقول هؤلاء ولا مكان للكسالى فى وطن أحوج ما يكون للمخلصين من أبنائه.
فى بيت الشعر بالأقصر
ليلة جملية قضيتها فى بيت الشعر بالأقصر، أشعر براحة جملية عندما أخطو فى شوارع طيبة، صليت صلاة الجمعة فى مسجد سيدى أبو الحجاج الذى آثر بعد طول ترحال أن يقيم ويُدفن فى طيبة على قمة أعمدة معبد الأقصر، الجميل فى المسجد أنك ترى النقوش الفرعونية فى أعمدة الجامع المرتفعة، وهناك مئذنة الجامع القديم، وبقايا كنيسة على مقربة منه.. كيف انصهر الجميع فى العبادة؟ يبدو جلال المكان راقيا، نفحات يشعر بها المحبون، وأتذكر قولهم:

قل لذى المعرض عنا
لو أردناكَ لأضحى

 إن إعراضك منَا
كل ما فيك «يردنا»

فى مهرجان الشعر الذى أقامه بيت الشعر بالأقصر رأيت كيف يستطيع مدير البيت الشاعر حسين القباحى وثلة صغيرة معه أن يقيموا المهرجانات والندوات والمسرحيات والأمسيات الشعرية، وكيف يلتف جمهور عريض حول أنشطتهم المتميزة، قضيت وقتا جميلا وسمعت شعرا؛ فشكرا للشيخ د.سلطان القاسمى حاكم الشارقة على إقامة بيوت الشعر فى العالم العربى وتحية إلى طيبة الحاضر والتاريخ.
نبش القبور لإخراج السحر
فجأة هبّ الشباب متجهين إلى إحدى المقابر بسوهاج، فتحوا القبور لإبطال السحر وكانت المفاجآت وجدوا أقمشة وأوراقا عليها أسماء يعرفونها، يطلب كاتبوها من الجان التفريق بين فلانة وفلان زوجها، وأن تظل هذه الفتاه من العانسات كل حياتها وأن يمرض فلان بداء عضال، وأن تظل فلانة حزينة مهمومة ما تبقى لها من عمر؛ أحرقرا كل هذه الأوراق والأقمشة التى التفت وخُبئت فى عظام هشة وجماجم جوفاء للموتى وعادوا منتصرين. ربما يعرفون السحرة منهم، وربما تخلصوا من عملهم الشرير، لكن ماذا عن حُرمة الموتى؟
فى النهايات تتجلى البدايات

نورٌ أتى يا فوز من لبّاهُ
قمرٌ أنار الكون من تشريعه
أكرمْ به وحيا ونورا قد أتى
قلمى مسكتُ براحتى ورجوته
أفأمدح المختار إنى عاجز
خلقٌ عظيمٌ قال فى قرآنه
ماذا ستكتب أنت فى أوصافه؟
فتراقص القلم المحطم فى يدى
ورأيت حزنا قد علا قسماته
فأجابنى والدمع بلّل صوته
كم جامع قد زينوه مزخرفا
القدس هوّدها اليهود فظاظة
هذى فلسطين الجريحة قصتى
ياســيدى: عربٌ يفجّرُ أهله
أما العراق فلا عراق ! تقاتلوا
أما العراق فكربلاء أرضــه
قد جئت أصرخ يا حسين رأيته
وأتى الحسين يزورهم فى كربلا
يا سيدى عربٌ تقتّل عرْبها
والليل مهما طال وامتد الدجى

ما كان آدم مرسَلا لولاهُ
فغدا لسـان الحق فى يمناهُ
والناس فى ليل يطول دجاه
ليخطَّ مدحا صاح بى: ويلاه
من بعد أن مدح النبيَّ اللهُ
سبحانه، وهو الذى سوّاه
واللهُ يشهد - سيدى - وكفاه
طربا؛ أتاب المذنب الأوّاه
فسألته سببا لحزنك ما هو؟
المسلمون بعصـرنا أشباهُ
والحق يُوأد صارخا: قدساه
والشعب يقتل بعضَه بعصاه
وأنا المتيم فى هوى مسراه
غطّى الحسين دماءهم بدماه
ســـننا تشيَّع كلهم لهواه
بدم الشهيد تضمخت دجلاه
عند الرصافة قطَّعوا يُمناه
قتلوا الحسين وأهله وأباه
والله يعصم سيدى وكفاه
فالفجر من خلف الغيوم أراه