حبر على ورق

الجوكر ورسائله الملهمة

نوال مصطفى
نوال مصطفى

هل يمكن أن تتحول شخصية الإنسان من الضعف والاستسلام للإهانة والتنمر إلى العنف واستباحة القتل بل والاستمتاع برؤية دماء هؤلاء الذين أهانوه أو اعتدوا عليه وآذوه تنفجر فى وجهه، وتبلل ملابسه؟.
هذا هو التحول الدرامى الذى حدث فى شخصية آرثر فليك بطل فيلم «الجوكر» والتى لعبها ببراعة الممثل البورتوريكى الأصل أمريكى الجنسية «خواكين فينيكس». آرثر عاش حياة قاسية إلى حد العذاب منذ طفولته المبكرة، تلقى الاعتداء اللفظى والبدنى من كل من حوله، لكنه موهوب يحلم بأن يصبح ممثلا كوميديا، فيلتحق بفريق مهرجين يقدمون بعض العروض الكوميدية، ويمثل هو دور الجوكر.
لحظة فارقة تحول حياته رأسا على عقب، عندما يتنمر عليه ثلاثة من الشباب فى مترو الأنفاق، وهو فى حالة إحباط كاملة بسبب طرده من عمله، يضربونه ضربا مبرحا، ويتصادف أن يكون معه مسدس فيصوبه نحوهم واحدا تلو الآخر.
تهز الجريمة مدينة «غوثام» وتصبح حديث الناس، يتناولها الإعلام من أكثر من زاوية، ويصدر تصريح من توماس واين السيناتور المرشح لمنصب عمدة المدينة، بأن الجريمة تمثل حقد المهرجين على طبقة الأثرياء وهذا يمثل خطرا على المجتمع. يحول هذا التصريح القاتل إلى بطل، ويرتدى الشباب المتمرد قناع الجوكر تعبيرا عن مساندته وتأييد أفكاره التى تنتقد عجرفة المسئولين والأثرياء وانفصالهم عن الفئات الكادحة من الشعب التى تحتاج دعما ومساندة لتلبية احتياجاتها الإنسانية الأساسية. ويستمر آرثر فليك فى قتل كل من استهزأ به أو آذاه، وترك زميله فى الفرقة القزم الذى كان طيبا معه ولم يؤذه أبدا.
الرسائل التى يحملها الفيلم قوية جدًا، وملهمة، فهو يسلط ضوءًا أحمر أمام الحكام والسلطات المختلفة فى العالم يقول لهم «انتبهوا إلى الضعفاء، والمرضى النفسيين والعقليين والفئات الأقل حظا فى مجتمعاتكم». ويركز على المرض النفسى بقوة ويوضح خطورة الاستهانة به من قبل الحكومات، أو عدم تقديم الخدمة الطبية للمصابين به. البطل فى الجوكر مريض نفسى وعقلى.
كذلك ينبه الأثرياء فى العالم كله إلى أنهم لن يهنأوا بحياة سعيدة، هادئة إذا عاشوا بمعزل عن مسئولياتهم الاجتماعية تجاه الفقراء والضعفاء، فهؤلاء سينفجرون يوماً ما فى وجوهكم كالقنبلة الموقوتة.
فيلم «الجوكر» أثار جدلا واسعا فى العالم كله، المخرج تود فيليبس شارك فى كتابة السيناريو مع سكوت سيلفر واستلهم الاثنان فكرة «الكوميكس» من شخصيات السبعينيات وأعمال مارتن سكورسيزى؛ وبالتحديد فيلم باتمان: النكتة القاتلة (1988) لكن فيليبس وسيلفر لم يلجأوا إلى القصص المصورة.
تم عرض الجوكر للمرة الأولى فى مهرجان فينيسيا السينمائى الدولى النسخة 76 فى 31 أغسطس 2019، حيث فاز بجائزة الأسد الذهبى، وهى أعلى جائزة فى المهرجان. حقق الفيلم نجاحًا كبيرًا فى شباك التذاكر الأمريكية، حيث سجل أرقامًا ملفتة منذ إصداره فى شهر أكتوبر. حيث حقق الفيلم إيرادات فاقت المليار دولار أمريكى، مما جعله أول فيلم يجتاز حاجز مليار دولار فى شباك التذاكر فى جميع أنحاء العالم، وهو سابع أعلى فيلم تحقيقاً للإيرادات فى عام 2019، وهو كذلك فى المرتبة الثانية والأربعين فى قائمة أعلى الأفلام دخلا.