حروف ثائرة

الذوق العام.. من هنا نبدأ

محمد البهنساوى
محمد البهنساوى

تابعت ما أثير بالبرلمان حول مشروع قانون الذوق العام الذى تقدمت به النائبة غادة عجمى وانتهى برفض المشروع.. لن أتعرض لما دار بالبرلمان.. أقول فقط إنه ربما خان التعبير القانون والنائبة.. فالذوق العام ليس بملبس أو تصرف مرفوض.. كل هذا جزء لا يتجزأ من الذوق العام لكن ليس أصله.
ياسادة الذوق العام بمصر لا يحتاج لتشريع أو دستور لكنه أكبر من ذلك بكثير.. فإذا فهمناه فهما صحيحا سندرك أنه لابد ان يصبح هدفا قوميا تتكاتف لتحقيقه كافة مؤسسات المجتمع..نضع له فترة زمنية محددة.. وآليات تنفيذية واضحة ومنطقية.. لا يتم فرضها بالأمر إنما ببناء الوعى الجمعى للمصريين.. ليس بناء جديدا إنما إعادة إحياء ما عرفت به مصرطوال تاريخها بأنها بلد الفنون والأدب والآداب والإبداع والوسطية الدينية السمحة.. وهذا مربط الفرس كما نقول.
وبلا تهويل أو تهوين نجيب على السؤال الملح.. هل نحن بحاجة لبناء الذوق العام؟.. وهل انهار المصريون اخلاقيا وذوقيا وحضاريا ؟ الإيجاب التام على السؤال الأول والنفى القاطع على الثانى.. فمصر التى قادت تشكيل وعى الأمتين العربية والإسلامية لعقود وقرون لا نرضى أن يكون هذا حالها.. لكن أن نقول إن هناك انهيارا أخلاقيا.. تلك مبالغة ليست بمحلها.. فالخير فينا باق حتى وإن استتر.. والشهامة والإبداع بجيناتنا حتى وإن خملت.
الأمر لا يتوقف على ارتداء بنطال ممزق أو تصرفات عشوائية بالشارع.. لكن إعادة بناء الذوق العام وإحياء ما خمل من فضائلنا يجعلنا لا نقبل على فعل مخل.. ونتقبل من يفعله ونقومه بذوق وتحضر.. هذا البناء لن يتم وشيوخنا يفشلون فى تغيير الخطاب الدينى وإعادته إلى جادة الوسطية والسماحة ليغوص إلى أعماق المسلم وليس السعى إلى تغييرات سطحية هشة تسئ للدين والوطن وتشتت المواطن.. من هنا نبدأ فعلا من الأزهر والكنيسة وعودة لسماحة الأديان وتعايشها وتجانسها وقوة تماسكها.. فلا تحدثنى عن وعى دينى وهناك من يحرض من الجانبين على تكفير الآخر والنيل منه.واعتبار هذا جزءا أصيلا من الدين ورمزا للتدين.
لا تحدثنى عن ذوق عالم وشبابنا قدوتهم بأفلامنا البلطجى وتاجر المخدرات واللص والنصاب وزير النساء.. وقمة سنان استرخائهم أغانى المهرجانات و»الشبشب أبو صباع « !!.. ونجمهم المفضل من يرتبط اسمه بالحمام.. فعندما يقف فى الشارع متبولا فلا عجب.. ولا تحدثنى عن الذوق العام والقراءة تحتضر والأدب الحقيقى ينازع والفنون المختلف بلا هوية أو راع.. وأساتذتنا الأجلاء بجامعاتنا يصارعون من أجل ما يقيم قوت يومهم.. وإعلامنا يلهث وراء التيرند ويسير بلا ضمير وطنى يدفعه لبناء الوجدان وليس هدمه.
بناء الذوق العام كما قلت لن نخلقه من عدم.. إنما نبدأ من مصر الجميلة.. نضع أمامنا شيوخنا وقساوستنا أوائل القرن الماضى وأفلامنا وفنوننا وأدبنا بالستينيات.. ونراجع كيف عاد اليابانيون مبهورين بالشارع المصرى رافضين كل النماذج إلا نموذجنا ليطبقوه فى طريقهم لبناء دولتهم.. فهل نفشل نحن أن نعيد نموذجنا هذا.. بكل صدق الفرصة مهيأة تماما الآن.. فقط نحتاج إرادة التنفيذ.