«ينصف المرأة»| «شومان» يكشف حكم الطلاق بدون سبب

الدكتور عباس شومان
الدكتور عباس شومان

قال وكيل الأزهر السابق الدكتور عباس شومان، إن الشريعة اهتمت بالأسرة، وأحاطتها بسياج من نار بغية منع مهددات استقرارها.

وأضاف، خلال مقال عبر بوابة الأزهر الشريف، أن «عناية شريعتنا بالأسرة تبدأ من بداية التفكير فى تكوينها، حيث بين لطرفيها مواصفات شريكه التي ينبغي أن يبحث عنها فيه إن أراد بناء أسرة قوية تحقق السكينة وتسود المودة بين أطرافها، وتنشئ نشئا صالحاً متمتعاً بحنان الوالدين، ومحاطا بعنايتهما وتربيتهما حتى يشب سوياً قادراً على تكوين أسرة جديدة».


- صفات صاحبة الدين:


وأوضح أن الدين حث الشاب على اختيار ذات الدين، لقوله صلى الله عليه وسلم «فاظفر بذات الدين تربت يداك»، وذات الدين ليس كما يحسب البعض كثيرة الصلاة والصيام المحتشمة في زيها وفقط، ولكن صاحبة الدين فوق ذلك هي الواعية بتعاليم دينها والمتخلقة بأخلاقياته، العارفة بواجباتها كزوجة وأم والمقدسة عندها قبل مطالبتها بحقوقها على زوجها وأولادها، وذات الأمر مطلوب من الطرف الآخر.

- صفات الخاطب الذي يجب قبوله:
واستكمل: أولياء المرأة عليهم قبول الخاطب صاحب الخلق قبل المال والحسب والجاه «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة وفساد كبير»، وقد كان سلفنا الصالح أكثر إدراكاً والتزماً بتلك المعايير منا بمراحل كثيرة.

واستشهد بقصة لسعيد بن المسيب - وهو من كبار التابعين- رفض تزويج ابنته رباب فائقة الجمال والعلم لأمير من أمراء بني أمية رغم إلحاحه؛ وزوجها أحد تلامذته الفقراء بعد أن ماتت زوجته وترك له عيالا لا راعي لهم سواه، وكان الحسن البصري بالغ الحكمة حين سأله سائل كثر خطاب ابنته أيهم يزوج؟ فأجابه زوجها تقى إن أحبها أكرمه وإن بغضها لم يظلمها.


- الشرع استحب تيسير الزواج
 وقال «شومان» إن الشرع استحب تيسير الزواج بتخفيف المهر وعدم التشدد فيه كما يفعل كثير من الناس في زماننا، ووضع أساساً تعيش الأسرة في كنفه وهو الاحترام المتبادل وخفض الجناح للشريك  لقوله تعالى:«وجعل بينكم مودة ورحمة»، فإن اعترض سفينة الحياة الزوجية بعض الأمواج فعلاجها ومحاصرتها بالوعظ والإرشاد وحتى الضرب الخفيف الذي هو دليل حرصه على حماية الأسرة واستمرارها.

- الدين رفض الانتقام من الزوجة 


 وأكد أ الدين لم يجعل للرجل سلطة تسلط على الزوجة ولا بابا لصب جام غضبه عليها، ولا للانتقام منها على مخالفة ارتكبتها، فالكاره لزوجته والذى ينوي فراقها ليس في حاجة إلى وعظها ولا هجرها ولا ضربها الضرب الإشاري الذي مثل له بالسواك ونحوه، وليس الضرب المعهود المؤلم بمراحله، فهذا الضرب المشروع دونه كله ولا يصل إلى أدنى درجات ضرب الغاضب، فكأنه يقول لزوجته بضربه الإشارى هذا والذى لا تشعر معه بأي ألم: «إن سفينة زواجنا تكاد تغرق بمخالفاتك المتكررة وعلينا إنقاذها، وقد وعظتك بالحسنى فلم تتعظى بل واصلت فعل ما يهدد استقرارها وهو كذا وكذا، وهجرتك بعض الوقت فى الفراش دون خصام ولا قطيعة فلم تعودى لصوابك فاحذرى فإنى حريص على زوجيتنا ولست زاهدا فيك»، فإن تجاوز الزوج هذا الحد ولم يلتزم به كان آثماً ومعتدياً على زوجته، ثم يكون العلاج الإصلاحي الأخير وهو التحكيم لطرفين أحدهما من جهته غير متحيز له والآخر من جهتها غير متحيز لها، فإن فشلا كان مالابد منه وهو الطلاق.


- الطلاق عند تعذر الإبقاء على الزوجية


وأشار إلى أن الطلاق ينبغي أن يعلم الرجال والنساء على السواء أنه شرع كحل أخير عند تعذر الإبقاء على الزوجية، لأن عدم جوازه مع وصول الحياة الزوجية إلى طريق مسدود فيه عنت شديد على الزوج والزوجة معاً، فشرع الطلاق لرفع هذا العنت عن الطرفين، ويفهم كثير من الرجال الطلاق فهما خاطئا.

ولفت إلى أن البعض يراه حقا مطلقا يستخدمونه في الوقت الذي يحددونه لمجرد رغبته فيه وهذا خطأ، فالطلاق ليس سلطة استبدادية جعلت فى يد الزوج يستخدمها لمجرد الهوى والتشهي، بل جعل الطلاق بيد الزوج للحد من استخدام الطلاق بصفة عامة، حيث إن الرجال أقل اندفاعا في إيقاع الطلاق لضعف العاطفة عندهم عن النساء.

وأوضح أن عاطفة المرأة وهي نعمة أنعم الله بها على النساء، تجعلها أكثر حساسية وتفاعلا مع المواقف من الرجال، ولذا فهي تطلب الطلاق لأسباب يمكن للرجال التغلب عليها ولا يفكرون فى التطليق عندها، فالطلاق وإن كان مشروعا فهو مبغض مكروه فى شريعتنا، فإذا لم يدرك الرجال هذا وتعجلوا فى إيقاع الطلاق لأسباب بسيطة فقد ضيعوا الأمانة ولم يقدروها حق قدرها.

ووجه رسالة للرجال، قائلا: «وليعلم الرجال أن الطلاق الذى جعل لهم دون النساء ليس حقا مطلقاً يخصهم، بل هو أمر يخص الرجل والمرأة على السواء جعل فى يد من يرجى أنه الأكثر أناة فى استخدامه، ولذا فهو ليس حرا فى إيقاعه متى أراد ومن دون أسباب، فلو أوقعه دون سبب يجعل من استمرار الزوجية أمراً صعباً فهو آثم، لما فيه من ظلم للزوجة بلا جريرة ارتكبتها، فإن كان هو حر في نفسه وما يجره عليه تطليقه فليس حراً في أن يوقع الألم النفسي على الزوجة ويفقدها حياة زوجية مستقرة قد لا تجد مثلها، فيكفي أنها ستحمل لقب مطلقة المبغض مجتمعيا».


ونبه أنه «لذا كان الطلاق أبغض الحلال في شريعتنا، وتحمل المطلق لإثم شرعى حال إقدامه على الطلاق بلا عذر قاهر ليس اجتهادا انفردت به بل نص على ذلك بعض السابقين كما ذهب الحنابلة فى رواية، وهو ما يوافق قواعد الشرع التي تمنع الإضرار بالغير، فمن قواعد الكلية عند الفقهاء (لا ضرر ولا ضرار) ويكون الطلاق أكثر تأثيما متى كان بين الزوجين أبناء».

- لابد من الاهتمام بمصلحة الأبناء


وذكر أن «الضرر الواقع عليهم وهو محقق لامحالة وأدناه فقدهم حضن أحد الوالدين، لاسيما حين يضعف الوازع الديني عند الأبوين ويدخلان في صراع على الحضانة وعلى النفقة، ويتناسيا الفضل الذي أمرنا الله به {ولاتنسوا الفضل بينكم} ، وأقبح من ذلك كله عدم الالتفات إلى مصلحة الأطفال وجعلهم أداة لتنكيل كل طرف بالآخر سعيا لتحقيق انتصار شخصي على شريكه بالحصول على الحضانة حتى لو لم يكن قادرا عليها ولا تناسبه.

- المرأة ليست بريئة في كثير من حالات الطلاق


وأضاف : «أدهى من ذلك كله أن الرجل الذي يطلق بلا سبب لا يشعر بفداحة ما أوقع نفسه وأولاده فيه دنيا وآخرة، وكذا المرأة ليست بريئة في كثير من حالات الطلاق ولتعلم أنها متى كانت هي المتسببة فهي آثمة تتحمل تبعات ما وقع على مطلقها وأولادهما، كما حملها المطلق حين كان هو المتسبب في الطلاق، فليتق الله الأزواج رجالا ونساء في أنفسهم وأولادهم، وليحفظوا عهد الله ووصايا رسوله، ولايهدموا أسرهم ويضيعون أولادهم في لحظات غضب أعطاهم الله عقولا وأرشدهم بتعاليم كتابه وهدى نبيه إلى كيفية التغلب عليها».