يختار الشاعر محمد أبو زيد عنوان (جحيم) لديوانه الثامن، الصادر حديثا عن دار «روافد».. وتلك مفارقة!!.. يكتب أبو زيد عن الجحيم، لكنه يتخفف تماما من الانفعال، ويتخفف تماما من العاطفة!!...الحروب المشحونة بالجثث والقتلى والموت والمقابر، تبدو بلا ملامح، وبلا غضب!!... والغربة الممدودة فى صحراء واسعة معلقة على الحوائط، تبدو عادية جامدة، ليست موجعة تماما!!..
يتخفف أبو زيد من الانفعال والعاطفة، حتى وهو يحاول أن يرسم صورته الشخصية، أو يفتح ألبوما للذكريات ويتابع حفل تكريمه، أو وهو يدون «ببلوجرافيا» كاملة لحياته!!... لن نتمكن من رؤيته، ولا معرفته، يبدو دائما بعيدا وغريبا وغائبا!!... يتخفف الجحيم من العاطفة، بلغة محايدة تعى أن تحافظ على المسافة الفارقة.
جحيم محمد أبو زيد ليس حقيقيا.. هو أيضا لا يهتم بصدقه (الصدق فى قصائد أبو زيد ليس معيارا).. الأدق عدم الانشغال والاستغراق الطويل بكل هذه الحروب والموت والغربة.. ما يشغله أبعد من المعرفة، مستعيرا عبارة أينشتاين (الخيال أهم من المعرفة).. ما يشغله فقط أن يطير (هذا تعريفه للشعر).. أن يحلق بعيدا، يطارد الخيال ويلاحق الصورة.
٨٧ قصيدة قصيرة يضمها ديوان (جحيم) تحتفى شأن قصيدة النثر، بتفاصيل الحياة العادية، بطريقة غير مألوفة.. لكن أبو زيد يتجاوز السردية والتفاصيل العادية، ليمسك بالفانتازيا والصور الغرائبية المدهشة والساخرة أحيانا.. دهشة أبو زيد تسكن خيال القصيدة، فتفسد الحرب، وتفسد الموت، وتفسد الغربة.. تحيلهم إلى مجرد لعبة مدهشة فى فضاء القصيدة.