عاجل

الأسواق العشوائية.. «مولد وصاحبه غايب»

الأسواق العشوائية.. «مولد وصاحبه غايب»
الأسواق العشوائية.. «مولد وصاحبه غايب»

- اختفاء وسائل الحماية المدنية في الفجالة.. ومحلات الأقمشة تغزو شارع المعز
- الباعة احتلوا أرصفة العتبة.. و«مولات» مخالفة تنتشر بالموسكي
- محافظ القاهرة: إعادة الانضباط للشارع بتفعيل القانون بكل حزم ضد المخالفين
- رؤساء الأحياء: لا مكان لمخالف.. وحملات على مدار اليوم

توحشوا وفرضوا سطوتهم على الأسواق واحتلوا الشوارع والأرصفة وقسموها، حتى الأماكن الأثرية لم يتركوها فقسموها إلى باكيات، كل هذا تحت مرأى ومسمع المسئولين بالقاهرة الكبرى الذين رفعوا شعار «ودن من طين وودن من عجين».. إنهم بعض تجار العاصمة الذين ضربوا بالقانون عرض الحائط في غفلة من الأجهزة التنفيذية التي تكتفي بالفرجة فقط فحولوا الشوارع الميادين إلى «مولد وصاحبه غايب» وأصبحت الطرقات أشبه بالسيرك.

بداية العشوائية تبدأ من خلال جولتنا بسوق الفجالة بحى الأزبكية فقد تحولت إلى «مولد وصاحبه غايب».. البضائع احتلت الأرصفة والممرات دون وجود وسائل حماية مدنية وفى غيبة من أجهزة الحى.. وما يصيبك بالدهشة وجود سوق «الفجالة» الواقع بالعقار «6 كامل صدقى» العشوائى دون ترخيص احتله الباعة الجائلون.

ورغم صدور تقرير من الحماية المدنية يحذر من وجود هذا السوق ويطالب بإزالته لأنه يمثل خطرا على حياه المواطنين، إلا أن أجهزة الحى أصدرت خطابا إلى المحافظة يفيد بأنه تم إخلاء هذا السوق بالكامل من الباعة، وهذا الكلام «حبر على الورق» فالسوق قائم والكارثة محققة، هذا السوق هو نموذج مصغر للفوضى الذى اجتاحت القاهرة دون حسيب ولا رقيب.

والغريب فى الأمر أن هذا السوق قد احتل الشارع فلم يكفه إقامته سوقا مخالفا بل خرج إلى الشارع واحتل الأرصفة فى مشهد يكشف مدى الفوضى والإهمال وهذا ما أكده أحمد غانم - بائع - أن أجهزة الحماية المدنية طالبت بإخلاء السوق وهذا لم يحدث فالسوق قائم ولا حياة لمن تنادى.


فوضى بكل شكل ولون أصبحت عاصية حتى على المسئولين المنوط بهم ردع هؤلاء الخارجين على القانون وخير مثال لهذه الفوضى هى إغلاق شارع سيف الدين العمارى بالفجالة بالأدوات المدرسية دون رخصة أو سند قانونى تحت مرأى ومسمع من الجميع، كتب وأقلام وكراريس وغيرها من أدوات كثيرة أغلقت الفجالة عليها «بالضبة والمفتاح» حتى لا تسمح لأحد بأن يعبر شوارعها سوى من يريد أن يشترى بضائع من الباعة.

صرخات حبيسة ودفينة يطلقها كل من يقوده حظه السيئ للمرور من شوارع الفجالة وإذا قدر له وخرج منها يجد أنه مر من الوقت ما مر دون أى استفادة.. وعلى أبواب تلك الجمهورية العتيقة وإن كان هناك تقارب فى الفوضى مع الفجالة ولكن هناك اختلافا فى أشكال البضائع وكأنها سمة تميز كل منطقة فهنا فى العتبة التى تميزت منذ زمن قديم بأنها الحى الراقى أصبحت مرتعا كبيرا لكل أشكال الفوضى فكراتين الملابس منتشرة فى كل مكان على الأرصفة أما الملابس فاحتلت الشوارع ومطالع المحال التجارية للدرجة التى أصابت حركة التجارة لتلك المحال بالركود التام وكأن أصحابها رفعوا شعار «ممنوع من الكلام».

أسواق شارع المعز

الفوضى تمتد أيضا إلى شارع المعز الأثرى الذى يعتبر من معالم مصر الإسلامية، حيث إنه يضم عددا كبيرا من الآثار الإسلامية ورغم ذلك إلا أنه شهد اختفاء وسائل الحماية المدنية مما أدى إلى تفشى مظاهر الإهمال داخل شارع المعز وباب زويلة وتحول المنطقة بكل آثارها وتاريخها العتيق إلى شوارع عشوائية بعد انتشار الباعة الجائلين على جانبى الطريق وإهمال محافظة القاهرة ووزارة الآثار لتلك الكنوز التى لا تقدر بثمن.

الباعة الجائلون أيضا احتلوا مداخل ومخارج الشارع وحولوه إلى سوق عشوائى، تكدسوا به واصطفوا بعربات بضاعتهم أسفل المساجد الأثرية وداخل الممرات التى لا تتسع مساحتها لأقل من متر.. كما أن الشوارع الجانبية والمناطق الواقعة أسفل العمارات والمساجد الأثرية امتلأت بتجار الأقمشة وتحولت معظم الشقق إلى مخازن للأقمشة وورش ومحلات لبيع البضائع.

زحام وتكدس المواطنين أصبح عنوان هذا الشارع السياحى، فى ظل غياب تام لوسائل الأمان والحماية المدنية فى هذه السويقات، الأمر قد ينذر بكارثة محققة.. كل هذه المشاهد تهدد أغلى ما تملكه مصر من آثار إسلامية بالدمار أو الاحتراق فى أى لحظة.

رصدنا مشاهد مأساوية من داخل شارع المعز، وبالتحديد من أمام مسجد «الغورى» حيث انتشرت أكشاك الأقمشة والملابس والإكسسوارات الحريمى، حتى كادت معالم الشارع أن تختفى بسبب الفوضى، وانتشر الباعة الجائلون واستغلوا ساحة الجامع فى عرض بضائعهم وبيعها للمواطنين.

ولم يتوقف الأمر عند احتشاد الباعة فى هذه الشوارع التى تعتبر من معالم مصر التاريخية، بل وصل الاستهتار بتاريخنا القديم إلى حد يجعل الباعة يعرضون بضائعهم ويعلقونها على المبانى الأثرىة، وهذا الوضع رأيناه أيضاً على جدران «قبة الغورى»، فى غياب تام عن أعين المسئولين عن هذه الآثار.

سألنا أصحاب هذه المحلات، عن الجهة التي تؤجر لهم.. فقالوا جميعاً: إنها وزارة الأوقاف وكذلك الحال بالنسبة لـ «سبيل محمد على» ، الذي استغله الباعة الجائلون فى ظل صمت المسئولين، وانتفعوا بها، وافترشوا أمامها بضائعهم، وعلقوا على جدرانها المفروشات والملابس، وبدلاً من أن تعلق لافتات إرشادية للتعريف بتاريخ وأهمية هذه الأماكن الأثرية، استبدلت بلافتات مكتوب عليها «البضاعة لا ترد ولا تستبدل».. وهناك أيضا فى الشارع يوجد «جامع الفكهانى» الذى اختفى وسط تكدس الباعة الجائلين المتراصين على جانبى الشارع، والذين اتخذوا من أسوار المسجد مكاناً لعرض بضائعهم من ملابس حريمى وأقمشة ومفروشات.

فوضى العتبة

هنا فى العتبة لا صوت يعلو على صوت الفوضى.. لا مجال للأحاديث أو الحلقات النقاشية فكل البائعين منهكون فى اختيار أفضل مكان لافتراش بضائعهم ـ التى غالبا ما تكون مزجاة ـ على الأرض واحتلال مساحتها فهم يعرفون أفضل السبل وأقصر الطرق للسيطرة عليها ومنع المواطنين من السير أو غالبا إعاقة حركتهم حتى يجبروهم فى النهاية على السير من أماكن أخرى غير شوارع العتبة التاريخية ليكونوا سوقا عشوائيا كبيرا والذى يعتبر من أكبر الأسواق وأشهرها على الإطلاق فى تلك المنطقة.

عندما تطأ قدماك فى مدخل ذلك الشارع العتيق يأخذك حنين إلى الماضى الطويل والعريق عندما كانت وسيلة المواصلات الوحيدة به هى العربة الحنطور التى تسير بين أضواء اتحدت وتلألأت لتخرج الخبأ الجميل بها وسرعان ما تفيق من حلم جميل عندما تتعثر قدماك بأصوات الأكياس التى تحمل بين طياتها بضائع الباعة التى أخفت الشوارع تحتها وسرعان أيضا ما تقع مشاجرة حادة بين البائع والمواطنين لأنهم يحاولون العبور من المنطقة التى يفترش بها بضائعه.

أما أهم ما يميز جمهورية العتبة العتيقة فهى الشماسى التى وضعها الباعة «ببرود تام» لتحميهم من حرارة الشمس الحارقة وكأنهم ورثوا هذه الأرض أو اشتروها بمالهم الذى يجنوه بممارسة كل أشكال الفوضى والبلطجة مما دفعهم إلى إنشاء مول تجارى ضخم يستخدم كمخزن وبه بعض الأدوار بها محال تجارية لعرض البضائع المختلفة.

مراعاة القانون

وفي الموسكي الوضع يزداد سوءا وتعقيدا يوما بعد يوم ففى شارع بورسعيد فقد أقيمت المولات المخالفة التى تفتقد سبل الأمان والسلامة والغريب فى الأمر فقد تم تحويل أحد محال الحلوى الكبرى إلى مول تجارى بالمخالفة بالقانون المر الذى وصل إلى أن المساجد الأثرية التى تعود للعصور المختلفة التى مرت بها مصر تحولت إلى فتارين يعرض من خلالها الباعة بضائعهم «المضروبة» وتحت مرأى ومسمع الحى الذى لم يتحرك يوما لوأد تلك الكارثة التى يمكن أن تخلفها فوضى احتلال شوارع الموسكى ونواصيها التى أصبحت جميعها فى قبضة الباعة دون أى مراعاة للقانون الذى يضربون به عرض الحائط.

وفي مشهد دراماتيكى تشاهد عندما تطأ أقدامك حى السلام أول وتحديدا أمام السوق الجديد «سوق النيل» الذى تجده مغلقا وأمامه السوق القديم العشوائى الذى ينتشر بطول وعرض الطريق والباعة ينتشرون دون رادع أو رقيب.. والغريب فى الأمر أن هؤلاء الباعة المنتشرين حول السوق الجديد هم من خصص لهم المحلات داخل السوق الجديد وينتظرون الفرج.

التقت «الأخبار» مع عدد من سكان السلام حيث يقول محمد شوقى - من أهالى المنطقة - إن الوضع فى هذه المنطقة «لا يسر عدو ولا حبيب» فالباعة احتلوا الشوارع وقامت أجهزة محافظة القاهرة ببناء السوق الجديد لهم وتخصيص المحلات لهم وحتى الأن لم تقم الأجهزة بتسليم المحلات.

وأضاف أن أهالى المنطقة متضررين من الفوضى والعشوائية ناهيك عن حرق المخلفات وتصاعد الأدخنة بجوار السوق القديم.. التقط الحديث محمد رمضان ـ من أهالى المنطقة - والذى قال إن السوق الجديد مهجور وتسكنه الأشباح وأوضح أن السوق أصبح ملجأ لمتعاطى المخدرات والمجرمين الذين قاموا بسرق بعض الأدوات والمعدات من داخل السوق.

أسواق الجيزة

ومن القاهرة إلى الجيزة وتحديدا ميدان الجيزة الذى أقيمت فيه الأسواق العشوائية وغابت عنه الرقابة واختفى منه رجال الأحياء أصبح قنبلة موقوتة تنفجر فى أى وقت فالباعة احتلوا الشوارع والحارات وقاموا بسرقة التيار الكهربى عينى عينك وسط سمع ومرأى المسئولين، ناهيك عن الزحام والتكدس الذى ينتشر بطول وعرض الشارع والفوضى والضوضاء الذى تزعج سكان الميدان والغريب فى الأمر أن هذا السوق العشوائى حدثت فيه العديد من الحرائق وعجزت أجهزة المحافظة عن الوصول إلى الحريقة بسبب زحام الباعة ولم يقتصر الأمر على ذلك بل احتلوا مداخل العمارت ووضعوا بضائعهم.. والسؤال أين أجهزة الحى من تلك الفوضى ؟.. أجاب عدد من المواطنين أن شعار هذا السوق «اللى يدفع يفرش» ولا حياة لمن تنادى وأضافوا أن هناك من يستفيد من تلك الفوضى وذهبنا إلى الحى وقدمنا العديد من الشكاوى.. ومن سوق ميدان الجيزة إلى سوق التلات بمنطقة ساقية مكى هذا السوق العشوائى الذى يتم تأجير شوارعه بنظام «الفرشة» ليصبح سعر الفرشة 100 جنيه فى اليوم ناهيك عن البضائع المسروقة والمنتجات منتهية الصلاحية والغش والسرقة عينى عينك.

مواجهة السلبية

وأكد اللواء خالد عبد العال، محافظ القاهرة، استمرار مواجهة جميع المظاهر السلبية وإعادة الانضباط للشارع بتفعيل القانون بكل حزم ضد المخالفين، مع التركيز على القضاء على بؤر الباعة الجائلين والأسواق العشوائية بكافة الأحياء وتوفير البديل الملائم لهم والأسواق النموذجية ورفع جميع الإشغالات والأكشاك المخالفة من الطرق العامة، وإخلاء وتطهير الأرصفة للمارة، ومراجعة تراخيص الكافيهات والمقاهى والمحلات وإغلاق المخالف منها وغير الملتزمة باشتراطات الترخيص.

وأكد العميد ماجد السيد أحمد، رئيس حى الموسكى، أن أجهزة الحى بالتنسيق مع الشرطة تقوم يوميا بحملات مكبرة لرفع جميع الإشغالات فى ميدان العتبة، وشارع الأزهر، وشارع الجيش، وشارع بورسعيد وذلك استجابة لشكاوى المواطنين.

وأكد المهندس تيسير عبد الفتاح رئيس حى جنوب الجيزة أن هناك ورديات تجلس ليل نهار فى ميدان الجيزة لمنع انتشار الباعة الجائلين ومنع إقامة الأسواق العشوائية وقال إنه لن يسمح بوجود أى مخالفة وسيطبق القانون على الجميع وأوضح أن هناك حملات يومية تتواجد فى كل الشوارع لمنع التكدس والزحام والحفاظ على هيبة الشارع.

3425 سوقاً عشوائياً


من جانبه يؤكد د.حمدى عرفه أستاذ الإدارة المحلية، أنه من الخطورة الكبرى إهمال تراخيص المحلات فى مناطق وسط البلد الذى حول الأغلبية العظمى من الشقق السكنية إلى محال ومخازن دون مراعاة إجراءات الأمن والسلامة العامة.. ويتابع أن حرائق الأسواق وآخرها فى القاهرة خير دليل على خطورة الأسواق الشعبية، التى يمكن أن تتحول إلى قنابل تودى بحياة الأبرياء، فضلا على انتشار الباعة الجائلين لتلك المناطق والتى تعد مخالفة للقانون حيث إن 96% منهم لا يحملون تراخيص ويحتلون الأرصفة والطرقات بدون وجه حق، ويشير إلى أن الحل يكمن فى تطبيق قانون الباعة الجائلين من جانب وسرعة إصدار قانون تراخيص المحلات الجديد من قبل مجلس النواب.

ويضيف "عرفة"، أن إجمالى عدد الأسواق العشوائية يتخطى 3425 سوقاً عشوائياً تم إهمالها عبر العقود الماضية تحتضن 5 ملايين بائع جائل ولابد أن يقوم مجلس إدارة صندوق العشوائيات بالتعاون مع المحافظين بوضع عدد من البرامج والمشروعات لتنفيذ خطة تطوير الأسواق العشوائية بشكل أوسع وأسرع، منها تطوير الموقع وجمع المخلفات وتحسين المنتجات وإنشاء نقابة للباعة بالأسواق.