حكايات| «امرأة بدون شعر»..هل يلزمها الشرع بالحجاب؟

حكايات| «امرأة بدون شعر»..هل يلزمها الشرع بالحجاب؟
حكايات| «امرأة بدون شعر»..هل يلزمها الشرع بالحجاب؟

بين الرغبة ورفض المعصية، تترقب الكثير من الفتيات كل ما يتعلق بفتاوى الحجاب، أملا في وجود فتوى رسمية تبيح لهن إظهار أنوثة مخفاة أسفل غطاء الرأس، ومع تزايد انتشار جملة «ده مش حجاب» وظاهرة «خلع الحجاب» يتسلل إلى قلب بعضهن الشعور بالرغبة في التغيير ولو بمعصية اعتمادا على أنهن لا يرتدين الحجاب الشرعي.

 

وصف الحجاب

نبدأ من صفات الحجاب حسب كبار العلماء في المؤسسات الإسلامية وهو: « أن يكون ساترا لا يظهر إلا الوجه والكفين، وأن يكون واسعا فضفاضا لا يبرز، ولا يحدد أجزاء الجسم، و أن أن يكون سميكا، لا يصف ما تحته، ولا يشف».

 

ووسط الكثير من التساؤلات، إن كان الحجاب لشعر المرأة يزيدها جمالا وفتنة، فما حكمه لحليقة الرأس بسبب المرض أو «موضة»، وهو ما رد عليه تفصيليًا الدكتور عاصم أحمد حجازي، مدرس الشريعة بكلية الحقوق جامعة الأزهر بالزقازيق، في تصريحه لـ«بوابة أخبار اليوم»، موضحًا أنه يجب أن يعلم المسلم ونحن بصدد الحديث عن هذه المسألة عدة أمور:

- الدين يحفظ ظاهر الإنسان وباطنه

الأمر الأول: الدين لم يأت ليحفظ باطن الإنسان وروحه فقط، بل ليحفظ ظاهره وباطنه، فالشكليات هامة كالجوهريات، ومظهر الإنسان الخارجي يؤثر قطعا في قلبه الباطني، وعقله وفكره.

 

وأضاف: «ولعل قارئا لهذا المعنى يتساءل متعجبا ما علاقة الشكل الظاهر بالعقل، والفكر، والفعل! إلا أنه لو أمعن النظر عقلا، لوجد أن المظهر يؤثر على الجوهر، والبيئة الخارجية تؤثر على الفكر الداخلي، والتشبه الظاهر في الملبس، والموضة، وغيرها يؤدي إلى الانصهار في الباطن أيضا، فالذي يلبس مثلا زي الجنود يجد في نفسه رغبة في القتال، ومن ارتدى ملابس لاعبي الكرة يجد في نفسه طلبا للعب، وهذا أمر مؤكد عليه لمن درس نفوس البشر، ولعل أهم ما يؤيد ذلك ما اتفق عليه جميع البشر من تحديد زي معين للطوائف المختلفة، فهناك زي للجيش، وزي للعمل، وزي للمدرسة، وزي لعلماء الدين، فالحفاظ على هوية الدولة، بل والأمة يتناوله المظهر كما يتناوله الفكر والجوهر».

 

- التشبه بغي المسلم «حرام»

وذكر أنه حفاظا على هوية الأمة أُمِر المسلمون بترك التشبه بغيرهم، ودلت على ذلك آيات وأحاديث لا يسع المجال ذكرها، وليس معنى ذلك أن نخالفهم في كل شيء وإن كان نافعا، بل الضابط في ذلك ما ذكره صاحب الدر المختار من الحنفية بقوله: «التشبه بهم لا يكره في كل شيء، بل في المذموم وفيما يقصد به التشبه»، ومنه يفهم أن التشبه المحرم نوعان: فعل شيء ذمه الشرع أي حرمه، كتقليدهم مثلا في شرب الخمور، أو التعري على الشواطئ، أو الحفلات الصاخبة الراقصة، والثاني: فعل شيء، بنية التقليد للآخر، وإن لم ينه عنه الشرع، فإن المسلم يجب عليه ألا يفعل شيئا كأن يلبس زيا أو يحلق رأسا، أو يتكلم بطريقة لا لشيء إلا تقليدا للآخر وانبهارا به، وإعجابا بأسلوبه، وهذا معنى رائع فيه حماية للفكر والهوية من الغزو الثقافي، والانبهار بالآخر، ومحاولة تقليده في الضار، أما تقليدهم في الأشياء النافعة كالسعي في اكتشاف الجديد في العلوم التجريبية، وصناعة الأسلحة النافعة للجيوش النظامية فهذا تقليد واجب والتقصير فيه إثم وحرام.

- الحجاب: ستر يجعل الآخرين لا يلتفتون إلى المرأة

الأمر الثاني: ليس الحجاب المفروض على المرأة المسلمة مجرد تغطية شعرها، بل ولا جسدها، بل الحجاب هو ستر المرأة جميع جسدها ورأسها سترا يجعل الآخرين لا يلتفتون إليها «يستثنى من هذا الوجه والكفان على رأي الجمهور»، مع مراعاة الشرط السابق بألا تكون النية منه التشبه بغير المسلمين، وإن كان على الهيئة الشرعية، ومما يدل على ذلك تحريم تعطر المرأة بحيث يشم غيرها عطرها والتشديد في ذلك، وذلك حتى لا تلفت النظر إليها، فكذلك يحرم عليها أن تلبس زيا يلفت النظر إليها.

 

- شعر المرأة تاج على رأسها

الأمر الثالث: المسلم مأمور بأن يحافظ على هيئته وشكله الذي أنعم الله عليه به، ومما أنعم الله به على الإنسان الشعر لاسيما عند المرأة؛ لأن شعر المرأة تاج على رأسها، ومن أهم ملامح زينتها، ولذلك فإن الله تعالى شرع للرجال الحلق للتحلل من العمرة والحج، بينما المرأة لم يشرع لها إلا التقصير.

وأشار إلى أنه إذا ما تقرر لدينا ما سبق نأتي على المسألة مورد الاستفسار وهو حكم حلق المرأة لشعر رأسها فنقول وبالله التوفيق: «المرأة لا تحلق رأسها إلا لأمرين؛ الأول: العذر؛ كأن مرضت مرضا طلب منها الأطباء لأجله أن تحلق رأسها، والثاني: لغير عذر، فإذا حلقت المرأة رأسها لعذر فلا شيء فيه، إلا أنه يستحسن للمرأة أن لا تلجأ إليه إلا إذا لم يكن هناك حل إلا الحلق؛ لأن في حلق رأس المرأة لرأسها اعتداء على هذا الشكل الجميل، وبناء عليه فالأفضل أن لا تلجأ إليه إلا إذا لم يكن هناك حل آخر إلا الحلق».

- حلق المرأة رأسها لغير عذر بين التحريم والكراهة

وعن رغبة المرأة أن تحلق رأسها لغير عذر، قال الدكتور عاصم حجازي، في تصريحه، أن الفقهاء اختلفوا في هذا إلى مذهبين:

المذهب الأول: التحريم؛ وهو مذهب الجمهور من الحنفية والمالكية ورواية عند الحنابلة والظاهرية، واستدلوا بالحديث المتفق عليه من حديث أبي موسى الأشعري أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ وَالحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ»؛ أي تبرأ ممن ترفع صوتها عند المصيبة من الصلق وهو الصياح والولولة، والحالقة، وهي التي تحلق شعرها عند المصيبة، والشاقة، وهي التي تشق ثيابها عند المصيبة، ولأن حلق المرأة رأسها من تغيير خلق الله، وهو من عمل الشيطان لما قال {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119].

المذهب الثاني: الكراهة، وهو مذهب الشافعية والحنابلة في رواية، وذلك لما فيه من التشبه بالرجال، ولكونه ليس من عادات المسلمين، وذهب الحنابلة إلى أنه يحرم على المرأة في كل الأحوال أن تحلق رأسها إذا نهاها زوجها عن ذلك.

- يحرم حلق الشعر للحزن أو التشبه بغير المسلم

وأنهى تصريحه بأنه بناء على ما سبق: «الشعر زينة الإنسان لاسيما المرأة، فالأصل في حقها أن لا تحلق زينتها لأنه تغيير لخلق الله لها، إن قام عذر تحتاج معه المرأة إلى حلق شعرها، فعليها أن تحاول أولا دفع العذر بغير الحلق، فإن لم تستطع فلا بأس بالحلق، ويحرم على المرأة أن تحلق شعر رأسها للتشبه بموضة غير المسلمين، أو إظهارا لحزنها على ميت عزيز عليها، أو لأي غرض آخر محرم، وكذا يحرم الحلق إذا نهاها زوجها عن الحلق، وهذا كله متفق عليه بين الفقهاء».

- يجب تغطية الرأس وإن لم يكن هناك شعر

وتابع: «إذا حلقت المرأة رأسها من غير سبب (إن تصورنا حدوث ذلك)، فالجمهور على الحرمة، وذهب الشافعية والحنابلة في رواية إلى الكراهة، وأرى والله أعلم أن رأي الجمهور أرجح؛ لأنه الموافق للأدلة، المتوافق مع سنن الفطرة»، مضيفًا: «في كل الأحوال يجب على المرأة تغطية رأسها وإن لم يكن هناك شعر؛ لأنها مأمورة بتغطية رأسها كونه جزءا من جسدها المأمورة بستره، أما الشعر فهو تابع للرأس فلا عبرة بعدم وجوده في وجوب تغطية الرأس».