وصفها بالملاك ورفض مقارنتها بأم كلثوم

من  "جارة الوادي" إلى "مُر بي" .. قصة عشق ألحان موسيقار الأجيال لصوت فيروز

عبد الوهاب وفيروز
عبد الوهاب وفيروز

عندما سُئل محمد عبد الوهاب عن أفضل مطربة عربية قال : بالطبع أم كلثوم ، وعندما سئل إيضًا عن أقرب صوت لقلبه وقلب الناس قال : أم كلثوم ، ولكن في نفس اللقاء عندما سئل " وماذا عن فيروز ؟ رد بديبلوماسيته المعهودة : " لا انت هنا بتسألني عن البشر ، إنما فيروز من الملائكة ، دي في حتة تانية .

علاقة عبد الوهاب وفيروز لم تكن علاقة موسيقار معجب بما تقدم ، فموسيقار الأجيال لم يترك بابا أعجبه إلا وطرقه بذكاء متفرد لينهل من صوت جارة القمر على ألحانه .

فى كتاب " الأخوين رحبانى – طريق النحل " للشاعر اللبنانى هنرى زغيب استعرض الكاتب تعاون الرحبانية مع الموسيقار محمد عبد الوهاب .

ففي أحد فصول الكتاب يبدى "منصور الرحباني" رأيا دقيقا عن تعاونهما مع عبد الوهاب ، وعن قيمته الفنية فى الموسيقى العربية ، حيث يقول: " كانت جلساتنا معه غنية بالمتعة والخبرة وكان ذا شخصية قوية ، متأنقا جدا ومتألقا جدا وناضجا جدا وله تجارب عظيمة وهو الوحيد ذو الفضل الأكبر على الغناء والموسيقى في الشرق"

غير أن العلاقة بين محمد عبد الوهاب من جهة ، والأخوين رحباني وفيروز من جهة ثانية ، لم تبدأ فقط بعد الاشتهار الفني للأخوين رحباني وفيروز ، حيث يروى الفنان منصور في مذكراته انه عندما كان وشقيقه عاصي لا يزالان فى سن الطفولة كان والدهما حنا الرحباني يمتلك مقهى فيه فونوغراف تدار عليه اسطوانات عبد الوهاب وأم كلثوم،  ويقول منصور أن من أكثر ما كان يشده وشقيقه عاصي من أغنيات عبد الوهاب القديمة قصيدة " يا جارة الوادي " التي ظهرت في عام 1927، وكانا يذهبان أحيانا إلى مقهى يبعد عن بيتهما نصف كيلو متر للاستماع إلى " يا جارة الوادي " ويذهبان أحيانا إلى منزل بعيد لأصدقائهما للاستماع الى الراديو وهو يذيع أغنيات عبد الوهاب القديمة مثل " الجندول " .

لذلك لم يكن غريبا أن يبدأ التعامل بين ألحان عبد الوهاب من جهة وبين الأخوين رحبانى وحنجرة فيروز من جهة ثانية ، بقصيدة " يا جارة الوادى " التي أعاد الأخوان رحباني توزيعها لأوركسترا أكبر من التخت الموسيقى الذي رافق عبد الوهاب فى التسجيل القديم بعد أن أضافا إلى ما غناه عبد الوهاب بيتا من القصيدة الطويلة ، التي نظمها أمير الشعراء تغزلا بمدينة زحلة اللبنانية .

وقد تم التسجيل في استديوهات الإذاعة اللبنانية مع اوركسترا الإذاعة ويبدو أن نجاح هذه التجربة  أغرى كل الأطراف بإعادة الكرة ، فاختار الرحبانية من أغنيات عبد الوهاب القديمة " خايف أقول اللى فى قلبى " ، فأعادا توزيعها وأعادت فيروز غناءها بمرافقة الكورس.

وتابع زغيب في كتابة سرد تفاصيل أخرى من قصة عبد الوهاب وفيروز حيث قال :

"قدر لي في منتصف الستينيات ان أدعى لواحدة من تلك السهرات الفنية العامرة فى منزل عاصي الرحباني وفيروز في انطلياس، كان ضيف الشرف فيها محمد عبد الوهاب، وكنت أرافق أسرة مجلة الحوداث ، التي كنت أعمل بها فى تلك الأيام واذكر أننا أمضينا بالإضافة إلى الضيافة الكريمة لعاصي وفيروز بالاستماع إلى باقة جديدة من ألحان الرحابنة وغناء فيروز يعرضانها على ضيف الشرف عبد الوهاب لإبداء رأيه الذي كان غالبًا ما يركز على نواحى التجديد التى يستمع اليها فى الألحان الجديدة" .

بعد ذلك كان بديهيا أن يتسع التعاون الفنى بين عبد الوهاب والرحابنة عبر صوت فيروز ، فكتب الرحابنة كلمات أغنية " سهار بعد سهار " بالعامية اللبنانية وقام عبد الوهاب بتلحينها قاصدًا أن يكون اللحن قريبا من الأسلوب الرحبانى فكانت تجربة رائعة مازالت منتشرة جماهيريا حتى يومنا هذا.

بعد ذلك قدم الرحبانية لعبد الوهاب قصيدة جبران خليل جبران "سكن الليل" وقدمت للمرة الأولى مع عرض مسرحية رحبانية في غابة الأرز.

 

وكانت آخر أغنيات فيروز من ألحان محمد عبد الوهاب، قصيدة سعيد عقل "مُرّ بي" التي كانت واحدة من قصائد الغزل بمدينة دمشق التي أصبحت عادة سنوية يمارسها الأخوان رحباني وفيروز في حفلاتهم المصاحبة لمعرض دمشق الدولي في شهر سبتمبر من كل سنة، وكانت تلك الأغنية هي الذروة الفنية العالية في التعامل بين ألحان عبد الوهاب وحنجرة فيروز، حتى أن من يستمع إليها يلفت سمعه أداء فيروز المتاثر بأسلوب محمد عبد الوهاب في الغناء.