خارج النص

«ستر» أصحاب المعاشات

.أسامة السعيد
.أسامة السعيد

أعرف- كما أنكم تعرفون- كثيرين، لا أمنية لهم سوى الستر فيما تبقى لهم من عمر فوق الأرض. هؤلاء وضعوا «شقا العمر» و«تحويشة السنين» وما تحصلوا عليه من مبالغ عقب انتهاء مشوارهم الوظيفى فى البنوك، وكانت عائدات استثمار هذا المبلغ هى «النواة» التى يسندون بها «زير» المعاشات الذى لم يعد به من الماء ما يكفى مصاريف العلاج والغذاء وسداد الفواتير، فضلا عن مواجهة أية أعباء طارئة أخرى، وما أكثرها فى تلك المرحلة من العمر.
هؤلاء الحالمون بالستر من أصحاب المعاشات واجهوا تراجع قيمة الجنيه نتيجة تحرير سعر الصرف بالصبر.. تحملوا ارتفاع أسعار السلع محتسبين ذلك نصرة لوطنهم فى معركة الإصلاح.. تألموا لاشتعال أسعار الأدوية، لكنهم غالبوا آلام الأجساد والجيوب فى صمت وعزة نفس.
وحتى عندما خذلتهم الحكومة ورفضت منحهم بعض العلاوات المستحقة، رغم أحكام القضاء، تعشموا خيرا فى أن ارتفاع عائدات بعض الشهادات الادخارية يمكن أن تعوضهم بعضا مما بخلت به الحكومة، لكن مع القرارات المتوالية من البنك المركزى بخفض أسعار الفائدة، أسقط فى يد هؤلاء الحالمين بالستر، فالعمر والصحة لا يمنحانهم فرصة البحث عن عمل إضافى، وخبراتهم الوظيفية لم تعلمهم أسس التجارة والمغامرة، ولا هم يجيدون فنون السمسرة والبيزنس، ولا يمكنهم الدخول فى مغامرة من أى نوع بما تبقى لهم من جنيهات يحتمون بها من غدر الأيام.
ألا يستحق هؤلاء بعد كل ما قدموه للوطن من تضحيات أن نمنحهم شعورا مستحقا بالأمان، ونحقق لهم رغبة مشروعة بالبقاء فى دائرة الستر، من خلال شهادة مخصصة لهم فقط وبسعر عائد مميز، ولا يستفيد بها سوى صاحب المعاش فى حياته، ويمكن أن تكون بسقف إيداع محدد، فأصحاب المعاشات لا يحلمون بأن يستكملوا من عائدات تلك المدخرات بناء فيلا التجمع، ولا شاليه الساحل، لكنهم يأملون أن يكونوا قادرين فى آخر الشهر على صرف الدواء، وألا ينظروا بانكسار إلى الصيدلى ليطلبوا منه بديلا أرخص، أو صرف شريط واحد فقط من علبة الدواء!!