آمنية

القاسية قلوبهم!

محمد سعد
محمد سعد

أى قلب هذا؟ مؤكد أنه مخلوق من حجر أو ربما شيء أكثر غلظة لا أدرى كيف وصلت بهم القسوة لهذا الحد؟ ولا أتفهم جرأتهم؟ لم يعبأ اللصوص القاسية قلوبهم بسطوع الشمس وتصدرها كبد السماء، حقا إنهم يعرفون هدفهم جيدًا، تسللوا وسط الزراعات داخل قرية المواسير التابعة لمركز إيتاى البارود بالبحيرة، حيث خط أنابيب شركة طنطا للبترول، القادم من المكس بالإسكندرية، خلسة أحدثوا كسرا فى خط البنزين وبدأوا فى تركيب مفتاح أو ما يسمونه بـ «كلبس»، لسرقة البنزين، إلا أنهم فشلوا وهربوا تاركين خلفهم كارثة بجميع المقاييس.
تسرب البنزين إلى الأراضى الزراعية والتى يزيد مساحتها على الفدانين والترعة المجاورة، وسرعان ما أدرك أهالى العزبة البسطاء والعزب المجاورة ما حدث، ظنوا أنه «خير ورزق.. طاقة قدر فتحت لهم»، وتهافتوا للحصول على أكبر قدر من البنزين، فعبأوا ما تيسّر لهم فى زجاجات وجراكن، قبل أن تباغتهم النيران.
أكلت النيران البشر والشجر، بات الرماد يملأ المكان، شاهداً على حريق هز القرية، وكسر إيقاع أيامها الرتيب، بعدما أصبحت «ترعة البنزين» جحيماً، والتهمت النيران 7 أشخاص، ظلّ أهالى 5 منهم فى رحلة مُضنية للبحث عنهم حتى العثور عليهم جثثاً متفحمة ومطموسة المعالم، كما أصيب 17 آخرون.
المحصلة النهائية لم تقف عند الوفيات والإصابات، لكنها امتدت لتصل للبكاء والحسرة، وحزن يطغى على الجميع لاتزال شواهده قائمة تذكر بحادث سيظل له ذكراه داخل القرية التى احترق فيها البشر والشجر، وستظل أحذية المهرولين حين انطلقوا بعيدا عن ألسنة اللهب شاهدة، وجذوع الشجر سوداء كئيبة، وجراكن امتلأت بالبنزين تركها أصحابها فى الترعة وهم يهربون من الجحيم، وبقايا مواد معدنية على الأرض انصهرت فى بعضها البعض، وأرض زراعية قريبة سيكون زراعتها مرة أخرى مستحيلا، وأسوأ من ذلك كله فقد وإصابات ستظل عالقة فى الأذهان.. نعم هؤلاء الضحايا «غلابة» فكروا بفطرتهم أن هذا الوقود رزق ساقه الله إليهم وهموا بالحصول عليه، لكنهم لم يتخيلوا أبدا أن هذا الوقود لم يكن أبدا رزقاً إنما لعنة حلت بهم وستظل تطارد الأحياء منهم بعد أن تسرب إلى قلوبهم الخوف والقلق، وحسب شهود العيان فقد استفاق بعض الأهالى للحظة وحاولوا إبعاد الناس لكن الأمر قد تفاقم وأصبح خارج السيطرة ولم يجرؤ على إبعاد البسطاء رغم وجود قوة من الشرطة منذ الصباح بعد أن أبلغ صاحب الأرض الزراعية التى يسرى أسفلها خط البنزين شركة طنطا للبترول بوقوع تسريب فى الخط التابع لها منذ التاسعة صباحاً، وحضر طاقم فنى بصحبة رجال الشرطة، خوفاً من حدوث كارثة لكن دون جدوى.
مسك الختام
يقول أعز القائلين فى سورة البقرة «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ».