فرانس 24| هل تستعيد «السترات الصفراء» زخمها بعد مرور عام على انطلاقها؟

السترات الصفراء
السترات الصفراء

يمر عام على انطلاقة حركة السترات الصفراء نهاية هذا الأسبوع، حيث انطلقت الاحتجاجات في فرنسا ضد السياسة الاجتماعية والاقتصادية للحكومة، ونتجت الشرارة الأولى للحركة عن فرض ضريبة على المحروقات. 


وحسبما أشار موقع فرانس 24، فإن الحركة غير المسبوقة قد خرجت من رحم المواقع الاجتماعية بعيدا عن أي وصاية من أي جهة حزبية أو نقابية. واستطاعت بفعل قوتها أن تهز ولاية الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي كان مجبرا على طرح إصلاحات جديدة لتجاوز هذه المرحلة الصعبة من الجزء الأول من ولايته.


مع نهاية الأسبوع الجاري، يكون قد مر عام كامل على انطلاق احتجاجات "السترات الصفراء" في فرنسا، التي استطاعت أن تحشد في أول مظاهرة لها في 17 نوفمبر من العام الماضي 282 ألف متظاهر، بالعاصمة باريس والعديد من المدن الفرنسية، استجابة لدعوات أطلقت عبر الإنترنت، للتنديد بالأوضاع الاجتماعية الصعبة.


وأغلق المحتجون في أول يوم من مظاهرات "السترات الصفراء" في باريس جادة الشانزليزيه، التي تحولت مع مرور الوقت إلى أحد معاقل الاحتجاجات كل أيام السبت، إلى أن منعت من قبل السلطات في منتصف مارس 2019 إثر أعمال عنف ونهب شهدتها.


وكانت هذه الحركة الاحتجاجية غير المسبوقة في تاريخ المظاهرات بهذا البلد الأوروبي، قد تم إطلاقها والتعبئة لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي بدون أية وصاية من أي جهة حزبية أو نقابية، واختارت لباس السترات الصفراء، المستخدمة من قبل السائقين في حال تعرض سياراتهم لأي عطل على الطريق، كرمز لها.


لم تكن الحكومة الفرنسية تتصور رد فعل بالزخم الذي شهدته احتجاجات "السترات الصفراء" بعد إقرارها ضريبة حول المحروقات. وتحولت المظاهرات مع مرور الأسابيع إلى وسيلة لتعبير المواطنين الفرنسيين عن هموم اجتماعية أخرى، بينها الرواتب، كما عزز صفوف المتظاهرين المتقاعدون أيضا، الذين يشتكي الكثير منهم من ضيق اليد بسبب قيمة المعاشات التي يحصلون عليها.


وبلغت التعبئة مستويات كبرى، جسدتها المشاركة الواسعة والمكثفة للمواطنين الفرنسيين فيها، وتجاوزات كذلك كما حصل في ديسمبر 2018، إذ شهد قوس النصر، أحد الرموز التاريخية لفرنسا، عمليات تخريب أثارت صدمة كبرى في الداخل.


وبعد عام من خروجها إلى الوجود، لم تتمكن "السترات الصفراء" من دخول الحياة السياسية من بابها الواسع. ففي الانتخابات الأوروبية التي جرت في مايو، لم تحصد القائمتان المنبثقتان عن الحراك سوى 0,54% 0,01%  من الأصوات.


ولا يخفي المراقبون أن حركة "السترات الصفراء" هزت كثيرا ولاية الرئيس إيمانويل ماكرون، إلا أنها لم تتواصل بنفس الزخم مع مرور الشهور. فمنذ الربيع، لم تنفك التحركات في الشارع عن التراجع لتشهد في أسابيعها الأخيرة حضور بضعة آلاف من المتظاهرين فقط على المستوى الوطني.


مع تراجع زخم الحركة في الشارع، يكون ماكرون قد نجح في تجاوز مرحلة صعبة من ولايته الرئاسية. ويقر الرئيس الفرنسي أن ظل هذه المرحلة سيكون حاضرا في تحركاته الإصلاحية المقبلة، خاصة وأنه مقبل على الجزء الثاني من عهدته الرئاسية، بما يتطلب ذلك من "الطاقة والحيوية" من أجل "تغيير البلاد" مع "المزيد من الصبر والإنصات".


لم يكن الرئيس الفرنسي يتوقع أن هذه الاحتجاجات ستستهدفه شخصيا. وتفاجأ لمستوى الذي بلغته الاحتجاجات في ديسمبر 2018. إذ كان يعتقد أنه "بالإمكان فرض إصلاحاته"، يقول الباحث في العلوم السياسية جان جاريج لوكالة الأنباء الفرنسية.

وارتفاع حدة الاحتجاجات فرضت على ماكرون التقاطه كرسالة من مواطنيه لتغيير منهجية الإصلاحات، حيث يقول جرايج أن تلك الأزمة "جعلته يدرك أن العدائية التي عبرت عنها غالبية الفرنسيين تفرض عليه منهجا آخر"، يرتكز على "البحث عن الحوار مع المواطنين ولكن أيضا مع الهيئات الوسيطة".


وجاء ما عرف بـ"الحوار الوطني" الذي أطلقته الحكومة الفرنسية في كافة أنحاء البلاد بين يناير ومارس ، ليجسد النهج الجديد للرئاسة الفرنسية في مقاربة الملفات الشائكة، التي هزت الشارع الفرنسي. وإن كانت فئة واسعة من الفرنسيين تشكك في فعالية هذه المقاربة في إنهاء المعضلات الاجتماعية.


ويرى فريديريك دابي، وهو نائب مدير المعهد الفرنسي لدراسات الرأي العام، أن مبلغ 17 مليار يورو من المساعدات وخفض الضرائب، الذي أعلن عنه الرئيس الفرنسي، سمح بتهدئة توتر علاقة ماكرون مع مواطنيه. ويبقى ذلك مؤقتا، لأن الحركة لم تنته كليا، وتحاول من جديد العودة إلى الشارع بقوة.


بالرغم من مساعي الحكومة الفرنسية لاحتواء الحركة، لم تنجح في ذلك بشكل كلي، ولاتزال "السترات الصفراء" حاضرة في مشهد الاحتجاجات. وتعتبر بريسكيليا لودوسكي، وهي واحدة من ملهمي هذه الحركة الاحتجاجية، في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية أن "المدهش هي أنها لا تزال قائمة".


ولا يخفي المتحدث باسم "السترات الصفراء" المحامي فرانسوا بولو في مدينة روان شمال غرب البلاد أن خوف البعض من الفرنسيين من التعرض إلى إصابات نتيجة العنف، الذي شهدته مظاهرات، يجعلهم يفضلون البقاء في بيوتهم. فبالنسبة له: "الكثير من الناس اليوم لا يجرؤون على التظاهر خشية فقدان عين أو يد أو التعرض للغاز المسيل للدموع".


وأصيب  2500 متظاهر و1800 عنصر من القوى الأمنية في المظاهرات. وشكلت قاذفة الكرات التي استخدمتها الشرطة في تفريق المتظاهرين، رمزا "للعنف الأمني" خلال المظاهرات. وكثيرا ما نددت حركة "السترات الصفراء" بهذه القاذفات، فيما رفض القضاء منع استخدامها.


ويعتبر الباحث في المعهد الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية لوران جان-بيار أن إعلان نهاية الحراك بالاستناد فقط إلى "معيار عدد المشاركين" خطأ. ويقول "ثمة بلا شك تراجع (...) غير أن أثر حركة ما يتجاوز دوما فترة الحشد".