نقطة فى بحر

إن أتيت البنزين يوماً.. لا تلمنى

محمد درويش
محمد درويش

محمد درويش

فى طريقه من مدينة قفط إلى مدينة قنا حيث مقر عمله نائبا لرئيس جامعة جنوب الوادى لاحظ الصديق د. محمد أبوالفضل بدران فتيات فى عمر الزهور لا يتعدى عمر أكبرهن 12 عاما وهن يجلسن على الطريق السريع يقمن بغربلة التراب الذى اختلطت به كمية من حبات محصول القمح من سيارات النقل التى تنقله من الزراعات إلى المطاحن.
كل ما تكتسبه البنات هو ربما يكون المورد الوحيد لبيعه أو تحويله إلى دقيق وعمل الخبز منه.
وذات يوم تعرضت سيارة نقل محملة بالفواكه والخضراوات لحادث فى نفس المكان الذى تجلس به البنات، هرع د. بدران مع صديقه صاحب السيارة إلى موقع الحادث ووجدا الحمولة كلها قد تناثرت على جانبى الطريق، أما البنات فلم تحرك إحداهن ساكناً وظللن فى مكانهن المعتاد يقمن بغربلة الأتربة المحملة بحبات القمح، اندهش د. أبوالفضل بدران وقال لهن إن هذه الحمولة المتناثرة ملكنا ولن نجمعها مرة أخرى فلماذا لا تأخذن منها ما تردن ونحن مسامحين فكان رد إحداهن: يا استاذ دى حادثة واحنا لا نأكل أكل الحوادث عشان ناسها زعلانين.
أسوق هذه الحكاية التى رواها د. بدران فى واحدة من يومياته التى تنشر فى الأخبار ليس للمقارنة بين ما فعله البعض من أبناء شعبنا فى عزبة الماسورة بايتاى البارود بعد تسرب البنزين ولا للمقارنة بين وجه بحرى ووجه قبلى لأن كثيرين فى طريق قفط جمع كل منهم ما استطاع من الحمولة التى تناثرت على الطريق بعد انقلاب السيارة.
بداية تعالوا نتفق على أنه لا الفطرة الإنسانية ولا الشرع ولا الدين يقرون ما حدث من أهالى عزبة الماسورة عندما غمر البنزين ترعة قريتهم وهبوا على قلب رجل واحد ليحصل كل منهم على نصيبه حتى لو لم يكن صاحب معدة أو آلة لاستخدامه فأضعف الإيمان أنه سيبيع ما يستطيع الحصول عليه ويجنى المال أو يوفره إذا ما استخدمه لأغراضه.
أولا ما حدث فى عزبة الماسورة ليس جديداً على البشر، ففى كل بلاد العالم تنتشر مثل هذه الظواهر حتى فى أعتاها تقدماً ورخاء، ومثلما حدث فى نيويورك فى الثمانينيات عندما انقطع التيار الكهربائى عن المدينة وهرع المهمشون إلى السلب والنهب وكل ما تقع عليه أيديهم.
ربما كان فى موقف بنات قفط ما يرسخ فى وجدان المصريين من عدم قبول العوض أو أن يكفى الخسارة التى لحقت بالسيارة وأصحاب المزارع على عكس الملكية العامة ممثلة فى خط أنابيب البترول ونظرة البعض أنه ليس له صاحب أو أنه بتاعنا كلنا!
نحن من تغنينا بما فعله على بابا مع الأربعين حرامى رغم أنه أصبح مثلهم وتغاضينا عن فعلته عندما أصبح حرامى يسرق الحرامية ولم يفكر فى البحث عن أصحاب المسروقات وصفقنا لمرجانة وهى تقتل اللصوص واحداً بعد الآخر.
ماذا ننتظر من شعب صاحب المثل القائل: إن خرب بيت أبوك إلحق خدلك منه قالب.
وأخيرا إن أتيت البنزين يوما.. لا تلمنى.