تعيين المعيدين والمدرسين المساعدين بـ«العقود».. «علماء الغد» في مهب الريح

تعيين المعيدين والمدرسين المساعدين بـ«العقود».. «علماء الغد» في مهب الريح
تعيين المعيدين والمدرسين المساعدين بـ«العقود».. «علماء الغد» في مهب الريح

- «غالي»: لا يحقق الاستقرار ويعرضهم للاستغلال.. وعزوف المتميزين عن العمل بالجامعات

- «النجار»: يضمن اختيار الكفاءات وإنجاز الرسائل العلمية بسرعة والتنافسية.. ولابد من تقنينه 

- «بركات»: يضرب الاستقرار الوظيفي.. والقانون الحالي نص على مدة محددة لإنجاز الرسائل

- معيد بإعلام القاهرة: نتحمل نفقات كبيرة في إعداد الرسائل.. وبنك المعرفة قدم خدمات كثيرة

- مشروع القانون الجديد لم ينص على قواعد للتثبيت.. ونظام العقود لمدة 3 سنوات وتجدد!

 

أثار مشروع قانون المجلس الأعلى للجامعات، بإضافة مادة جديدة برقم (141 مكرر) إلى قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 ترتبط بتعيين وشروط شغل وظائف المعيدين والمدرسين المساعدين؛ جدلا واسعا في الأوساط العلمية والجامعية.

 

وتنص المادة الجديدة على: (مع مراعاة الأحكام المتعلقة بالسلطة المختصة بالتعيين والآليات والشروط ومعايير المفاضلة اللازمة لشغل وظائف المعيدين والمدرسين المساعدين الواردة بهذا القانون، ويكون شغل هذه الوظائف بموجب عقود توظيف مؤقتة لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد بموجب قرار من مجلس الجامعة بعد أخذ رأى مجلس الكلية المختص، وحال حصول المعيد على درجة الماجستير أو ما يعادلها خلال مدة سريان العقد يبرم معه عقد لشغل وظيفة مدرس مساعد) على أن تطبق هذه المادة اعتباراً من العام الجامعي المقبل 2020/2021.

 

وأكد المجلس الأعلى للجامعات أن هذا المقترح سيمر بالإجراءات التشريعية اللازمة، والعرض على مجلس النواب لمناقشته، ويعقب الحصول على موافقة مجلس النواب، اعتماد المجلس الأعلى للجامعات الضوابط والمعايير الموضوعية التى تضمن التنفيذ العادل لهذه المادة عقب النقاش المجتمعي الأكاديمي لهذه المادة ووضع اللائحة التنفيذية لها، ولا يمس هذا المقترح أعضاء الهيئة المعاونة الحاليين ولا يطبق عليهم، كما أنه لا يطبق على أعضاء هيئة التدريس ولا يمس أسلوب التعيين الخاص بهم.

 

ويرى كثيرون أن تعيين المعيدين بنظام العقود لا يمكن أن يحقق الاستقرار المنشود الذي يسهم في تمكين المعيدين من الإبداع والتميز العلمي، كما يضعهم تحت وطأة الاستغلال الإداري من قبل قيادات المؤسسات التعليمية خوفا من عدم تجديد العقود، ولم يشتل أي نص للتعيين، ويؤدي في النهاية لعزوف الفئات المجتهدة والمتميزة عن العمل بالجامعات الحكومية التي تعتبر مرتباتها ومعاشاتها هي الأقل، ويشكل عامل إحباط وسيف مسلط على الرقاب، بينما يرى آخرون أن التعديل الجديد يحفز المعيدين على إنجاز رسائلهم العلمية بسرعة، وعدم شغل الوظيفة والحصول على إجازات والهجرة للخارج، ويحقق التنافسية المطلوبة، ويمكن من اختيار الكفاءات.

 

سلبيات التعيين بالعقود

في البداية يقول الدكتور محرز غالي، الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، إنه يتمنى أن يعيد المجلس الأعلى للجامعات النظر في المقترح الخاص بتطوير آليات تعيين المعيدين والمدرسين المساعدين وتحويلها من نظام التعيين إلى نظام التعاقد كل ثلاث سنوات؛ وذلك لأن المعيدين والمدرسين المساعدين هم أوائل دفعاتهم وترشيحهم للتعيين في هذه الوظائف يتم وفقا لاحتياجات الأقسام والكليات وليس بنظام التكليف المعروف في بعض القطاعات على ندرتها اليوم، كما أن اختيارهم يتم في الأساس بناء على معايير موضوعية أهمها معيار التفوق على مدار سنوات الدراسة بالكلية أو القسم، وليس معايير الوساطة أو المحسوبية كما في كثير من القطاعات الأخرى.

 

وتابع "غالي" حديثه، أن نظام التعاقد المؤقت بالنسبة لوظائف الباحثين وأعضاء الهيئة المعاونة لا يمكن أن يحقق لهذه الفئات الاستقرار المنشود الذي يسهم في تمكينهم من الإبداع والتميز العلمي؛ إذ ستقع هذه الفئات لا محالة تحت وطأة الاستغلال الإداري من قبل قيادات المؤسسات التعليمية خوفا من عدم تجديد العقود، وحرصا على التعيين فيما بعد، إذا كان النظام الجديد المقترح سيسمح لهم أصلا بالتعيين في أي مرحلة بعد ذلك، وهو ما لم ينص عليه.

 

وأشار إلى أن إقرار هذا التعديل سيؤدي بدون شك إلى عزوف هذه الفئات المجتهدة والمتميزة عن العمل بالجامعات الحكومية التي تعتبر مرتباتها ومعاشاتها هي الأقل بين الكوادر الخاصة الأخرى في ظل نظام التعيين القديم، فما بالك إذا تحول هذا النظام بكل عيوبه إلى نظام آخر أقل أمانا وأكثر أعباء وأكبر في درجة المخاطرة.

 

وذكر الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة: "إذا كانت قيادات التعليم العالي في مصر يرون أن أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم بالجامعات الحكومية لا يؤدون رسالتهم على النحو الذي ينبغي، فإن مسارات تصحيح هذه الأوضاع كثيرة ومتعددة، ويمكن وضعها تجاوزا في سلة مدى كفاءة نظم الإدارة القائمة وكفاءة القيادات التي يتم اختيارها، فكل التجارب الناجحة تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن حسن اختيار القيادات وكفاءة الإدارة يؤدي إلى تطوير منظومة العمل ككل".

 

وتساءل: "لماذا تنصب جل مقترحاتكم في التطوير على تغيير طبيعة علاقات العمل القانونية المستقرة في الجامعات المصرية ولا نسمع لكم مقترحا يتعلق بتحسين الأوضاع المالية والاجتماعية وتحسين أوضاع الرعاية الصحية لأعضاء هيئة التدريس والهيئات المعاونة وأنتم أساتذة جامعات في النهاية وتعرفون حقيقة دخول أعضاء هيئة التدريس وحقيقة معاشاتهم، أم أن التطوير في أعرافكم يقتصر على زعزعة استقرار النظم المستقرة بالشكل الذي يؤدي إلى تحقيق نتائج عكس النتائج المرجوة؟".

 

مميزات مشروع القانون الجديد

أما الدكتور جمال النجار، عميد كلية الإعلام جامعة النهضة سابقًا والأستاذ بكلية الإعلام جامعة الأزهر ورئيس لجنة الترقيات العلمية، فيقول إن مشروع قانون تعيين المعيدين بنظام العقود له مميزات وعيوب؛ وأبرز مميزاته أنه يساعد على اختيارا الكفاءات لأن بعض المعيدين يتم تعينهم لأنهم حصلوا على أعلى الدرجات واعتمادهم على الحفظ فقط، لكنهم يفتقدون المهارات اللازمة لشغل وظيفة المعيد، مضيفا أن بعض المعيدين ليسوا على المستوى الذي يؤهلهم للعمل في الوظيفة ويصبحون بعد ذلك أستاذة في الجامعة، سواء من الناحية العلمية والشخصية والأخلاقية، لافتا إلى أن ميزة نظام العقود أنه يضمن اختيار الأكفاء والعناصر المتميزة التي تشغل وظيفة بمثابة قدوة للأجيال القادمة ومنارة للمجتمع.

 

وتابع حديثه لـ«بوابة أخبار اليوم»، أن هناك بعض المعيدين يتعثرون في إنجاز رسائلهم العلمية وبعد ذلك يطلبون مد المدة سنة وسنتين، أو أن بعضهم يشغل الدرجة ويأخذ إجازة أو يعمل بوظيفة أخرى خارج جامعته، وبعدما أنفقت عليه الدولة أموالا وهو متفرغ لإعداد البحث العلمي، يحصل على البحث وقد يهاجر لدولة أخرى ويترك وظيفته بالجامعة التي أنفقت الدولة عليها وأعدته لمدة 5 سنوات.

 

وذكر "النجار"، أن بالتأكيد نظام العقود يمنع كل ذلك، كما يخلق تنافسية بين المعيدين وتشجعهم على إنجاز البحث العلمي، مشيرا إلى أن عيوب نظام العقود في التعيين أنها قد تسمح بتدخل الواسطة والمحسوبية والرشوة ويكون على حساب البحث العلمي أو تدخل العوامل الشخصية كابتزاز القيادات الجامعية لهم لأنهم يملكون تجديد أو فسخ التعاقد له، أو تعرضهم للاضطهاد.

 

وحول عدم تضمين مشروع القانون الجديد نص لتثبيت المعيدين؛ فيقول إن نظام تعيين المعيدين لابد من تقنينه ويتيح الفرصة للتثبيت لأن المعيد ابن من أبناء الدولة ولابد ألا تشتمل على إجحاف للحقوق تسبب ضغوط نفسية ومادية وبدنية على المعيد، ولابد من تهيئة المناخ العلمي له، وإلا سيكون هناك عزوف من الأكفاء عن تعينهم معيدين.

 

وناشد بضرورة التروي ومناقشة جيدة جدا من الأستاذة الكبار وقانونين وإداريين ويُعد القانون بشكل ملائم ومناسب، خاصة أن المعيد مشروع أستاذ يجب أن نحافظ عليه ونحترمه ونضع له من القوانين والإجراءات التي تيسر له سُبل التقدم العلمي والحفاظ على شخصيته وكفاءته.

 

وذكر الأستاذ بكلية الإعلام جامعة الأزهر ورئيس لجنة الترقيات العلمية، أن الدافع لمشروع القانون الجديد أن الجامعات حاليا مكتظة بمدرسين مساعدين خاصة بعدما قام د. عصام شرف رئيس الوزراء الأسبق، بتعين 10 دفعات من الأوائل عقب ثورة 25 يناير من 2001 حتى 2011 ويوجد أقسام في جامعات تم تعيين بالقسم الواحد 60 معيدا، وهذا كان قرارا خاطئا، إذ أن الخريج ظل لمدة 10سنوات منصرف عن البحث العلمي، واحتاجوا أن يبدأوا من الصفر في البحث العلمي وأفسد الجامعة.

 

زعزعة الاستقرار الوظيفي.. وارتفاع النفقات

ومن جانبه، يقول محمد وليد بركات، المعيد بكلية الإعلام جامعة القاهرة، إن الميزة الوحيدة التي يتمتع بها أستاذ الجامعة هي الاستقرار الوظيفي حتى لو كان الراتب غير مرتفع، فإنه دخل ثابت يستطيع أن "يفتح بيت" وينصرف ذهنيا إلى عمل الأبحاث وتطوير نفسه علميا دون أن يكون شغله الشاغل هو جمع المال حتى يستطيع أن يلبي احتياجاته المعيشية.

 

وأضاف أن الهدف الظاهري من التعديل الجديد على تعيين المعيدين؛ هو تشجيعهم على إنهاء رسائلهم في وقت قليل هو 3 سنوات وإذا لم يتم إنهاء الرسالة يتم تسريحه؛ فإنه يؤدي إلى ضرب الميزة الوحيدة لمهنة المعيدين وهي الاستقرار الوظيفي، وتصبح المهنة في مهب الريح وسمعة المهنة مجتمعيا تنخفض بدرجة كبيرة لأن المعيد لأ يأمن على مستقبله فكيف يتم تأمينه على مستقبل أجال قادمة؟!

 

وذكر المعيد بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أن التعديل الجديد يفتح الباب لاستعباد المعيدين في الكليات من قياداتهم خاصة إذا كانوا معدومي الضمائر، وسيتم تهديد المعيدين بأنهم إذا لم ينفذوا المطلوب منهم سواء كانت المطالب مشروعة أو غير مشروعة سيتم إنهاء العقد ويتم فصلهم، فهذا مرفوض ويسهم في تدمير الجامعات المصرية ويفرغها من كل الطاقات والكفاءات الموجودة بها، وينصرف الأوائل والمتميزين لأعمال أخرى خارج الجامعة بعدما ذهبت عنها ميزة الاستقرار الوظيفي.

 

ولفت "بركات"، إلى أن القانون الحالي يعطي مهلة للمعيد لإنهاء رسالة الماجستير في 5 سنوات، ثم المدرس المساعد ينهي رسالة الدكتوراة في 5 سنوات، وبالتالي حجة وإدعاء أن التعديل الجديد لتشجيع المعيدين على إنهاء الرسالة في وقت أقل، ليس ذات معنى، لأن القانون القديم نص على مهلة محددة ومن باب أولى يتم تفعيلها في القانون الساري دون تعديلات جديدة، ويكون هناك تعليمات للقيادات الجامعية بتطبيق هذا الشرط وإلا يتحول المعيد لموظف إداري.

 

واستطرد أن نفقات المعيد على الكتب والأبحاث تختلف من معيد لآخر ومن تخصص لآخر وكلية لآخرى، وكذلك حسب الإمكانيات التي تتيجها الجامعة للمعيد، فهناك جامعات لديها إمكانيات كبيرة مثل جامعة القاهرة لديها مكتبة ضخمة وثروة من الكتب يجد فيها المعيد ما يريده، بينما هناك جامعات آخرى إمكانياتها المادية أقل وأضعف وهذا يكون عبء أكبر على المعيد.

 

وأضاف أن القاسم المشترك بين المعيدين والأساتذة، هو الإنفاق على العمل من الراتب الخاص، فأي مهنة آخرى يكون الموظف لديه إمكانيات معينة في الشغل ويعمل بها، فمثلا المهندس تأتي له مواد البناء ليبني بها وإذا لم تأت لا يشتري تلك المستلزمات على نفقته وكذلك الطبيب يعالج المرضى في ضوء الإمكانيات المتاحة وغير مطلوب منه أن يشتري أدوات وأجهزة على نفقته، لكن أستاذ الجامعة مطلوب من دائما أن يحضر ماجستير ودكتوراه ثم بحوث للترقية وينفق عليها من نفقته الخاصة.

 

وأشار إلى أن ذلك نتيجة أن الكليات لا توفر دعم أو تمويل للأبحاث لأن ميزانيات الجامعات لا تسمح أن تمول هذا العدد الهائل من رسائل الماجستير والدكتوراه وأبحاث الترقية، وبالتالي ينفق المعيدين دونما تعويض من الدولة، ولا يتم منح المعيدين بدل كافي رغم أن هناك وظائف آخرى مخصصة لها رواتب مرتفعة جدا وفي قطاعات مدنية وليس نظير بدل مخاطر ولا ينفقون على العمل من رواتبهم.

 

وتابع أن بنك المعرفة الذي أطلقته الدولة في يناير 2016 يتيح جزء كبير من الأبحاث العلمية لأعضاء هيئة التدريس وتساعدنا في الأبحاث العلمية وهي متاحة بالمجان وتجعلنا دائما على إطلاع بالكتب والمراجع والبحوث الأجنبية الحديثة، لكن هناك مصروفات آخرى نتحملها وعادة ما تكون مكلفة.