من باب العتب

ولنا فى الصين أسوة..

د. محمود عطية
د. محمود عطية

قصة بناء الإنسان "الصينى" هى قصة المارد الذى حاول الرجل الأبيض بكل خبثه تدميره.. وهى قصة إعادة نهوض تصلح لكل بلاد تريد طريقا للتقدم بعيدا عن النموذج الغربى.. والحكاية تبدأ بتمكن الاستعمار الغربى من تهريب الأفيون مجانا للشعب الصينى حتى القرن السابع عشر بهدف تخريب إنسان الحضارة الشرقية العريقة وشل التنين الصينى ومن بعد يأتى تدخل جيوش الاستعمار بفظاظتها.. وللأسف تمكن بالفعل فى عدة سنوات من تحويل المجتمع الصينى إلى قوة خائرة عاجزة عن أى فعل وأصبح الصينيون مجرد مدمنين كسالى وتفشت فيهم الدعارة والأمية وبهتت الحكمة الصينية القديمة ووصفت الصين بأنها عاهرة الشرق تحت سيطرة الإنجليز عليها..!
لكن الصين صاحبة الحضارة العريقة لم تستسلم وقيض لها الزعيم الوطنى المحب لبلاده "صن يات صن" فى مطلع القرن العشرين ثم من بعده الزعيم الاشتراكى ماو تسى تونج فى رد الاعتبار ومحاولات إعادة المجد القديم.. ولم تكن إعادة الصين لعهدها القديم مسألة سهلة.. فقد تم التركيز على إعادة الروح للإنسان الصينى الضائع تحت ستار الدخان والأفيون.. وأخطر ما وجه عملية الإصلاح هناك ما عرف باسم الثورة الثقافية لأنها حاولت بعث الروح الصينية بدوافع يسارية مزيفة استهدفت تجريد الصين من تراثها وتاريخها العريق.. لكن انتهى ذلك بانتصار الحكمة الصينية وتذكيرهم بما قاله قديما حكيم الصين (اعرف حكمة القدماء وعايش العصر.. بذا تغدو معلما).
وبدأت الصين منذ عام 1977 فى استئناف مسيرتها الثورية وركزت على الأهم فى أى نهضة، على بعث الروح فى الإنسان الصينى.. فقد حشدت كل جهودها للنهوض بالإنسان اقتصاديا وتعليميا وسياسيا وثقافيا وعلميا وتكنولوجيا... وفى سنوات قليلة بهرت العالم بما حققته فى كل تلك المجالات رغم الصعوبات والانتكاسات التى قابلتها.. فمثلا بدأت الثورة الصينية فى عام 1949 أولى خطواتها والفقر والمرض يتفشيان والأمية تتجاوز 80% وحاليا تكاد تكون النسبة صفرا.. وقضت بنسب مذهلة على الفقر والمرض.
وسياسة بناء الإنسان الصينى كانت هى قاطرة التقدم الفعلى لها.. وتجلت فى الاهتمام بالتعليم الأساسى والجامعى حيث التعليم الأساسى مجانا لمدة تسع سنوات.. هذا علاوة على نشر لغة تكنولوجيا العصر وحرص مناهج التعليم على تنمية العقل الناقد أداة البحث والتفكير والإبداع مع ترسيخ قيمة التماس المعرفة عن طريق الكتب والوسائل الإلكترونية... والأهم تم التركيز على تعزيز الرؤية الصحيحة لتاريخ الصين ودورها الحضارى العريق مما ينمى ويدعم مشاعر الانتماء.
وحاليا بعد حوالى سبعين عاما من بعث التنين الصينى تحققت إنجازات وانتصارات رغم الانتكاسات والحصار الغربى.. ولم يعد ينظر للصين إلا باعتبارها نموذجا للتصميم الإنسانى القائم من تحت التراب إلى علا المجد والشرف.. الصعود الصينى المذهل فى مجالات عديدة يؤكد أن كل نمو وتقدم لابد أن يبدأ بالإنسان.. وبغير ذلك جهد ضائع.. ولنا فى الصين أسوة.