«لماذا الأب في مرتبة سادسة؟»| شومان يرد على معارضي «الحضانة» في مشروع قانون الأزهر

الدكتور عباس شومان
الدكتور عباس شومان

يتصدر مشروع قانون الأزهر الشريف للأحوال الشخصية، حديث مواقع التواصل الاجتماعي، وسط ترحيب البعض واعتراضات من البعض الآخر.

 

ويفند الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف السابق، وأحد المشاركين في اجتماعات هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف حول إعداد القانون، المواد التي أثير جدل بسبب عدم فهمها، بتفنيد مسألة الحضانة وجعل الأب في المرتبة السادسة.

 

وقال «شومان» الرد على الاعتراض الثالث، وأن جعل الأب في المرتبة السادسة، وهي مرتبة متأخرة وفيها ظلم للأب، وكان من الأولى أن يكون بعد الأم مباشرة في مسألة الحضانة، فالفقهاء اتفقوا على أن الأم تأتي في الترتيب الأول بين الحاضنين، وذلك لما روي أنَّ امرأةً قالَت: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّ ابني هذا كانَ بطني لَه وعاءً، وثَديي لَه سِقاءً، وحجري لَه حِواءً، وإنَّ أباهُ طلَّقني وأرادَ أن ينتزِعَه منِّي، فقالَ لَها رسولُ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: «أنتِ أحقُّ بِه ما لم تَنكِحي».

 

وأضاف أن الفقهاء اختلفوا في ترتيب الحاضنين بعد الأم؛ فهي مسألة اجتهادية، وفيها آراء كثيرة، منها ما يجعل الأب بعد الأم في الترتيب، وهو ما ذهب إليه الحنابلة في رواية ليس عليها العمل عندهم، ومنها ما يجعل الأب في مرتبة بعيدة جدًّا؛ حيث لا تصل إليه الحضانة إلا إذا لم توجد حاضنة من النساء كأم الأم، وأم الأب، وأخواته بأنواعهن الثلاثة... إلخ؛ وذلك لأن المحضون في حاجة إلى رعاية خاصة لا يقوى عليها الرجال، ولا سيما في السن الصغيرة، كما أنه يحتاج إلى تدليل وزيادة حنان، والنساء أكثر قدرة عليهما من الرجال، وما ذهب إليه مشروع الأزهر هو رأي وسط بين هذه الآراء.

 

وأشار إلى أن ما يتفق عليه غالب الناس من خلال بحث المشكلات من قبل جهات الاختصاص، وأهمها محاكم الأسرة، والمجالس والجمعيات المهتمة بالأسرة، وعلماء النفس والاجتماع، لا مانع من صياغة المادة على أساسه متى كانت تحقق مصلحة المحضون، والمشكلة الأساسية ليست في ترتيب الحاضنين، ولا تقديم الأب أو تأخيره، ولكن في الأطراف نفسها، فغالبًا لا تكون المطالبة بقصد تحقيق مصلحة المحضون بقدر ما تكون تنفيذًا لأغراض وسعيًا لتحقيق انتصار من طرف على الآخر ولو على حساب المحضون.

 

ولفت إلى أن كثير من الأمهات لا تناسبها الحضانة لسبب أو لآخر كالعمل مثلًا، ومع ذلك تتمسك بالحضانة مستغلة اتفاق الفقهاء على أحقيتها بالحضانة في المرتبة الأولى، مع أن حقها في الحضانة مشروط بصلاحيتها وقدرتها على رعاية المحضون، ولذا تملك الأم هذه الأحقية ما لم تتزوج زواجًا يؤثر على رعايتها للمحضون، وإنما ضرب الزواج كمثال يبين أن العارض الذي يعرض للحاضنة ويؤثر على رعايتها للمحضون يسقط هذا الحق ومن ثم تنتقل الحضانة لمن يليها، وليس المسقط للحضانة الزواج لذاته.

 

وتابع لو تزوجت عم المحضون مثلًا، أو رجلًا كريمًا ولا يمانع في رعايتها لولدها المحضون، فإنه ينبغي أن يستمر هذا الحق لها لعدم الخوف على المحضون من هذا الزواج، وقد ورد في كتاب الله عز وجل ما يدل على أن الأم يمكن أن تحتفظ بالحضانة بعد زواجها من غير والد المحضون، وهو قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ...} [النساء: من الآية 23]، فمع كون الآية واردة في بيان تحريم بنت الزوجة على زوج أمها، لكنها أفادت بطريق آخر أنها قد تكون مع أمها في بيت زوج الأم، وذلك في التعبير بالحِجر.

 

وأوضح «شومان» أن جعل الزواج لذاته مسقطًا لحضانة الأم على إطلاقه هكذا، فيه تشدد، وهذا التشدد جعل كثيرًا من الأمهات يتزوجن سرًّا، كما أن إثبات الحضانة للأم ما لم تتزوج على إطلاقه لا يوافق مقاصد الشرع، فالعبرة بقدرة الأم على الحضانة من عدمها، فإن قدرت فهي أولى الخلق، وإن لم تقدر فينبغي أن يسقط حقها وتنتقل الحضانة لغيرها ممن لهم حق الحضانة، وهو صالح لها، سواء أكان الأب أم غيره.

 

واستكمل «من وجهة نظري الشخصية، ينبغي إعطاء القاضي صلاحيات أوسع لاختيار الحاضن الأصلح للمحضون من بين الحاضنين، أو حتى من غيرهم إذا لم يجد بين من لهم الحق من يصلح لحضانة الطفل، ولقد كررت هذا الرأي ونشرته أكثر من مرة، ولا سيما بعد مقتل الطفلة جنة على يد جدتها الحاضنة».

 

وعلى أي حال، فإن ما اختاره الأزهر ليس من عنده، بل هو من بين الآراء القوية المسطرة في كتب الفقه، وهو رأي وسط كما سبقت الإشارة إليه، فإن ناسب أكثر الناس فليأخذوا به، وإلا فليختاروا غيره، وسيجدون له تأييدًا في كتب فقهنا أيضًا.